السيد سامي خضرا
ما أجمل للمؤمن أن يبقى في كل حالاته متبعاً لسنن وآداب الإسلام، ومن ذلك أدبه في المجالس والمحافل ومن جملة هذه الآداب:
استحباب الجلوس اتجاه القبلة الشريفة، وهو أشرف المجالس كما ورد في الروايات الشريفة.
فكما أننا نستقبل الكعبة الشريفة في كل يوم مرّات للصلاة يُستحب أن يكون المجلس اتجاه القبلة وهذا ما ينبغي الحرص عليه مع تيسّره.
روي عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "إن لكلّ شيء شرفاً وإن أشرف المجالس ما استُقبل به القبلة".
ورُوي أنّه صلى الله عليه وآله كان أكثر ما يجلس اتجاه القبلة.
وكان الإمام الصادق عليه السلام يجلس عند باب بيته قبالة القبلة.
* ومن الآداب أيضاً فسح المجال للداخل إلى المجلس، حتى لا يجد حرجاً فيتحيّر في اختيار مكان جلوسه بل إنَّ فسح المجال هو نوع من الترحيب والتأهيل حيث يقول اللَّه تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ﴾ (المجادلة: 11). وأمّا إذا لم يُفسح المجال بسبب الانشغال بالحديث أو غيره، فالمستحب للداخل الجلوس حيث ينتهي به المجلس، أي حيث يجد متسعاً فلا يتخطى الرقاب ولا يضايق الآخرين أو يزاحمهم. رُوي عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "إذا أتى أحدكم مجلساً فليجلس حيث ما انتهى مجلسه". وعنه صلى الله عليه وآله: "... وإن لم يوسّع له أحدٌ فلينظر أوسع مكان يجده، فليجلس فيه".
* ومن الآداب الاستماع لتوجيهات صاحب الدعوة في موعد المجلس وتنظيمه وانتهائه ومكان الجلوس... فهو الأعلم بما يناسب المكان خاصة في منزله، وهو الأعلم بظروف المجلس، إن كان فرحاً أو ترحاً أو تهنئةً أو تعزيةً أو مباركةً فنترك الأمر له ليتصرّف، بحيث لا يُحرَج ولا يخجل، فربما أجلسك في موضعٍ لا يواجه باب النساء، أو ما يسوء النظر إليه، أو لا يحب إظهاره للآخرين، أو فيه خصوصية ما تختص ببيته أو أسرته. ورد عن الإمام الباقر عليه السلام: "إذا دخل أحدكم على أخيه في رحله، فليقعد حيث يأمر صاحب الرحل، فإن صاحب الرحل أعرف بعورة بيته من الداخل عليه".
* يستحب (التزحزح) للقادم بمجرّد رؤيته وهذا من السُنن المهجورة ومعناه: الحركة البسيطة التي تشبه حركة من يريد القيام تأهيلاً بالقادم فيشعر بالاهتمام والاحترام. ورد عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "إن حق المسلم على المسلم إذا رآه يريد الجلوس إليه أن يتزحزح له". وواضح أن هذا من الأدب الجمّ والخلق السامي، الذي يُرجى أن ينتشر ويشيع في مجتمعنا.
* ومن الآداب أن لا تقدّم رِجلك بين يدي الجليس، أي أن لا تمدّها، وفي هذا الكثير من الوقار والهيبة والمحافظة على الإلفة والمحبة.
* ومن الآداب كذلك اختيار الألفاظ والكلمات المناسبة التي لا تُنفّر المستمعين ولا تزعج الحاضرين. ورد عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "لا تفحش في مجلسك لكي يحذروك بسوء خلقك، ولا تناجى مع رجلٍ وأنت مع آخر".
كأنك تريد أن تفشي أمراً لأحدهما وتخفيه عن الآخر.
* ومن الآداب أن لا تقتحم الأماكن والمواضع المخصصة عُرفاً أو عادة للبعض، لأنّ هذا يثير الاستهجان فخير لك أن تُدعى إلى مكان من أن تُدعى لتركه لغيرك. رُوي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: "لا تسرعنّ إلى أرفع موضع في المجلس، فإن الموضع الذي ترفع إليه، خير من الموضع الذي تُحط عنه". ومن جملة الأصناف الذين عددهم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بأنهم إذا أهينوا لا يلوموا إلا أنفسهم: الجالس في مجلس ليس له بأهل. ومن المفيد هنا لفت النظر إلى أن التواضع يكون في مجتمع المؤمنين وأما إذا قُدّم أهل المناصب الدنيوية كالشخصيات الدبلوماسية والحزبية والرسمية والإقطاعية... فليس من الخطأ إكرام المؤمن وتقديمه في صدر المجلس، لأنّ هؤلاء ليسوا أكرم عند اللَّه، فينبغي الالتفات إلى ذلك. ونرى في هذا الزمان مبالغة في الاحتفالات والمناسبات في التأهيل ببعض الناس لما يمثلونه من مال وإقطاع بينما قال أمير المؤمنين عليه السلام في مَن ينبغي تقديمهم: "هم الذين يجيبون إذا ما سئلوا، وينطقون عند عجز القوم، وأهل الرأي والصلاح... وليس أهل الجهل والغرور". نسأل اللَّه أن يجعلنا ممّن يعمر مجالسه بالآداب والمستحبات والذكر.