مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أول الكلام: لين القول


الشيخ بسّام محمّد حسين


الحوار أو النقاش -كما يفترض به أن يكون- وسيلة بيد الإنسان ليستميل الآخر إلى رأيه حينما يراه على خطأ. والتعنيف في القول لا يجدي في الوصول إلى هذه الغاية؛ فمهما كان الطرف الآخر متعصّباً في رأيه، فعلى الإنسان أن يناقشه بروح هادئة وأسلوب ليّن، وقد خاطب الله سبحانه نبيّه الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ (آل عمران: 159).

من هنا، كانت الفظاظة وغلظة القلب أو اللّسان عند التعبير عن المشاعر، أمرين يستوجبان نقض الغرض، ويوصلان إلى خلاف المراد.

ولهذا أيضاً، نجد في قصّة نبيّ الله موسى وأخيه هارون عليهما السلام، أنّ الله تعالى حينما أرسلهما إلى فرعون، وهو سبحانه يعلم أنّه لن يستجيب لهما، أوصاهما قائلاً: ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى*فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ (طه: 43-44). وقد جاء في بعض الروايات أنّ الله أمرهما أن يكنِّياه، مداراةً له، وأن يستخدما معه القول الليّن، ويناقشاه بروحيّة من يُرجى منه أن يتذكّر أو يخشى. فإذا كان فرعون الطاغية بجبروته وعناده، وهو القائل: أنا ربّكم الأعلى، يُستخدم معه هذا الأسلوب في الحوار والاحتجاج، فكيف بغيره ممّن نحتمل منه الهداية إلى الحقّ؟!

وما أحوجنا اليوم إلى هذه الروحيّة في حواراتنا على مختلف أنحائها: الأسريّة أو الثقافيّة أو السياسيّة أو الإعلاميّة! فقد ابتُلينا بقنوات فضائيّة ومواقع إلكترونيّة وشبكات تواصل اجتماعيّ تبثّ روح الحقد والضغينة، وتستخدم لغة الكراهية والبغضاء، مخالفةً بذلك أدنى معايير الأخلاق الإنسانية في التعاطي مع الآخر عند الحوار والمناقشة، وهذه حرفة العاجز عند ضعف الدليل ووهن الحجّة، حيث يلجأ إلى التعنيف في القول والسبّ والشتم.

ولو تنبّه المتحاورون إلى بعض الآداب الواردة في آيات الكتاب الكريم، وطالعوا بعض ما ورد عن النبيّ وأهل بيته عليهم السلام في أدب الحوار والنقاش، وما جاء في سيرتهم عليهم السلام في حواراتهم مع مخالفيهم في العقيدة أو الرأي، لأثمر ذلك في تغيير المناخ السلبيّ الذي نراه يطغى على حواراتنا ونقاشاتنا، ولكان في ذلك غنى للبشريّة في كثير من العلوم والمعارف، ولاستفاد الناس من حواراتهم بطريقة إيجابيّة بنّاءة، عوض ما هو قائم من نشر الكراهية وإيجاد الفتن وإثارة الضغائن.

ويكفي في هذه العجالة أن نورد ما جاء عن الإمام زين العابدين عليه السلام في رسالة الحقوق من حقٍّ للجليس الذي يتضمّن بعضاً من آداب الحوار.

قال عليه السلام: "وأمّا حقّ الجليس، فأن تلين له كنفك، وتطيِّب له جانبك، وتنصفه في مجاراة اللفظ، ولا تغرق في نزع اللحظ إذا لحظت، وتقصد في اللفظ إلى إفهامه إذا لفظت، وإن كنت الجليس إليه كنت في القيام عنه بالخيار، وإن كان الجالس إليك كان بالخيار، ولا تقوم إلّا بإذنه، ولا قوّة إلّا بالله"(1).

عصمنا الله وإيّاكم من الزلل في القول وفي العمل، إنّه سميع مجيب.

1.بحار الأنوار، المجلسيّ، ج 71، ص 17.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع