إبراهيم منصور
* من أمثال العرب
"وإنما نُعطي الذي أُعطينا". وأصلُ هذا المثل أنَّ رجلاً مِئناثاً ولَدت له امرأته ثلاث بنات متواليات. فتحوَّل عنها إلى بيت قريب منها لمَّا ولَدَت له الثالثة. فلمّا رأت ذلك منه قالت:
ما لأبي الذّلفاءِ لا يأتينا |
وهو في البيتِ الذي يَلينا |
يغضبُ إن لم نلِدِ البنينا |
وإنَّما نُعطي الذي أُعطينا |
فلمَّا سمع الرجلُ ذلك طابَتْ نفسُه ورجع إليها. يُضرَب هذا المثل في الاعتذار عمَّا لا يُمْلَك،(1) أو عندما يكلَّفَ الإنسانُ ما لا يُطيق. وقد وصفَ القرآن الكريم حال هؤلاء الذين يتشاءمون من ولادة الأنثى، وصوَّر ردَّة فعلهم أبلغ تصوير معتمداً أسلوب التمثيل الحيّ المتحرك، فقال سبحانه: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ*يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُون﴾ (النحل: 58ـ 59).
* من روائع الأدب الشعبي
إنَّ في الأدب الشعبي، أو الكلام العامّي العادي، صُوَراً جميلة وأساليب من التعبير البياني العفوي ممّا قد لا نجد له مثيلاً عند كثيرين من الكتاب والشعراء في اللغة الفصحى، من ذلك مثلاً ما أجاب به أحد القرويين عندما سأله صاحبه عن زوجته وكانت قويّة سليطة اللسان قال له على الفَوْر: "شو عَبالْها! عليم الله لسانْها بيقلَعْ المسمار المصَدِّي"!! (2).
* قالت لي المرآة
ـ أراك دائماً، تتحدَّث عن رجال مبتكرين خدموا البشرية. فإذا تحدَّثتم عن العلم ذكرتم نيوتن وأينشتاين... وإذا عرَضْتُم لفنَّاني الرسم، ذكرتم ليوناردو داﭭنشي وبيكاسو... وإذا قارَبْتُم فنّ الشعر والأدب، أَسهبتُم في الحديث عن المتنبي وشكسبير... قُل لّي، بربك، ألا يوجد نساء في هذا المجال لتذكروهنَّ بخير؟!.
ـ بلى، هناك الكثيرات ممَّن قدَّمْنَ خدماتٍ جليلة للإنسانية، وساهَمْن في تطور المجتمعات البشرية.. منهنَّ مثلاً، ماري كوري (3) عالمة الفيزياء والكيمياء التي شاركَتْ زوجها بيار كوري في اكتشاف عنصر الراديوم عام 1899... وهنا، قاطعَتْني المرآة قائلة:
ـ أرأيْت! لم تذكر ماري كوري إلَّا وذكرتَ معها زوجها بيار، على أنها مساعدتُه فقط في اكتشاف الراديوم. ونسيت أنّها هي التي أطلقت اسم "النشاط الإشعاعي"، واندفعت بقوة وحماس في دراسة هذه الظاهرة وتفرَّغت لها. ولمّا أدرك زوجها بيار أنّ زوجته ربما تكون أقدر منه في هذا المجال من العلم، ترك بحوثه وانضمَّ إليها في بحوثها، وهو الذي شاركها في اكتشاف الراديوم المشعّ. وقبل الراديوم اكتشفا عنصراً مشعاً آخر هو "البولونيوم"، وقد أطلقتْ عليه هذا الاسم نسبةً إلى بلدها الأصلي بولونيا. وعندما مات زوجها عام 1906 (وقد صدمته عربة حنطور) شَغَلت ماري كوري منصب الأستاذية الرفيع الذي خلا بوفاته، وواصلَت العمل بمفردها، وكانت الوحيدة بين العلماء التي نالت جائزتين من جوائز نوبل، واحدة في الكيمياء وواحدة في الفيزياء! وبعد، لا ننسى، في السيرة العطِرة لهذه المرأة العظيمة، أنها أُصيبت بمرض السلّ بسبب تعرُّضها المستمرّ للإشعاع الذري الذي كانت تعمل على اكتشاف عناصره، فضحَّت بحياتها في سبيل خير الإنسانية وتقدُّمها العلمي، إذ ماتت مريضة في مختبرها الذي كان بارداً رطباً موبوءاً بالإشعاع الذري، ويفتقر إلى كل مقوّمات الحياة!
* من أجمل الحِكَم
قالت العرب: "البلاغةُ الإيجاز"، وعليه فأبلَغُ الكلام ما قَلَّ ودلّ، أي ما قلَّت مفرداته وكَثُرت دلالاتُه وتعمَّقتْ معانيه. فمِنْ أجمل الحِكَم وأقصرِها وأبلغها انطلاقاً من هذه القاعدة البيانية قَوْلُ الإمام الخميني قدس سره: "الاستسلام للظلم أسوأ من الظلم"!
* من أجمل الرُّدود
رأى شخص ناسكاً منفرداً بنفسه في مكان منعزل يُشرف على السهول والأودية، فقال له:
ـ أيُّها الصَّبُور الكبير على الوحدة!
فردَّ عليه الناسك مبتسماً:
ـ أنا لستُ وحيداً، أنا جليسُ الحقّ، إذا أردتُ أن أُناجيَه أُصلِّي، وإذا أردتُ أن يُناجيَني أقرأ القرآن!.
* عامِّيّ أصلُه فصيح
"البَرْطيل": معناها: الرّشْوة، باللهجة العاميّة، وقد اشتقَّت العامَّة من البَرطيل فعل بَرْطَلَ، أي: رَشَا، وتبرطَل، أي: قبل الرشوة. وعليه: رشا المواطنُ الموظفَ: قدَّم له رشوةً، أي: اشترى موافقته، بالمال، ليؤدّي واجبَه. وأصلُ الكلمة فصيح، وهو "البِرْطيل"، أي الحديدة الطويلة التي تُنْقرُ بها الرحى (حجر الطاحون)، فكأنه أي حجر الطاحون هذا لا يقوم بعمله (أي: لا يطحن) إلّا إذا حُرِّكَ بالبِرْطيل! فَلْنَنتبهْ لهذا التشبيه الضمني اللَّمَّاح الرائع الذي ابتدعته قريحة العامّة بفطرتها السليمة.
* من آليّات اللغة
النّحْت: وهو من الآليات التي أغنت اللغة العربية (كالاشتقاق) منذ القِدَم. ويتمُّ النحتُ بأن نأخذ كلمتين أو أكثر ونركّب منهما، أو منها، كلمة واحدة ليسهُل دوَرانُها على الألسُن من ذلك: "البسملة"، وقد نُحتت من بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، و "الحوقلة" التي نُحتت من "لا حول ولا قوَّة إلّا بالله.." ومن الأفعال الرباعية على وزن فعلَلَ: فِعل "بَعْثَرَ"، فهو منحوت من فعلين هما: بَعث أثار، كما تقول بعض كتب اللغة. ولكننا بتواضع نرى أنّ هذا التخريج للمسألة غير دقيق، إذ إنّ فِعل "بعَثَ" يُفيد الدفع والإرسال، وفعل "أثار" يُفيد التهييج والتحريك، فهُما بمعنيين متقارَبيْن، ولكنهما لا يُفيدان معنى التبديد الذي يُفيده فعل "بعثر". أمّا الفعل الذي نراه هنا أنسبَ من فعل "أثار"، فهو فعل "نَثَرَ" الذي يعني: رمى الأشياءَ متفرِّقةً، والنِّثارُ هو ما يُنثر في العُرس على الحاضرين. وهكذا فإنّ فعل "بعثر" هو منحوتٌ من بَعثَ نثَر لا من بعَثَ أثار.
* من جذور الكلام
أكاديميّة: معناها في الاصطلاح الحديث، مدرسة ثانوية، أو معهد عالٍ للفنون أو العلوم، أو مجمع علمي أو أدبي (4). أمّا منشأ هذا الاصطلاح فيعود إلى أكاديمية أفلاطون، وهي أقدم مدرسة فلسفية، أنشأها هذا الفيلسوف في أثينا عام 387 ق.م لتدريس الرياضيات والفلسفة، وكتب على باب أكاديميته: "من لم يكن مهندساً فلا يدخل علينا". ولمّا كانت هذه المدرسة تطلّ على بساتين أو حدائق "أكاديموس"، فقد سُمِّيت المدرسة بهذا الاسم "أكاديميا". أمّا جذور هذا الاسم فتعود إلى "أكاديموس" البطل اليوناني القديم، وقد جاء في الميثولوجيا الإغريقية أنه كان شفيعاً لهذا المكان (5).
* من نوادر العرب
كان أحد المعلمين شديد الاعتداد بنفسه والتحدُّث عن سعة معارفه وغزارة علومه، وكان يتباهى أمام تلاميذه مستصغراً شأنهم، ويقول: أنا عندما كنتُ تلميذاً في صفِّكم هذا، وفي غيره من الصفوف، كنتُ دائماً، الأوَّل في صفّي. فتَجرَّأ أحد التلاميذ وسأله مستغرباً: هل كنتَ دائماً الأوَّل! ولا مرَّة كان ترتيبُكَ ثانياً؟! فأجابه المعلم مغتاظاً: بل كنتُ قبل الأوَّل! عندئذٍ قال التلميذ كلاماً ضحك له الجميع: ليس هناك قبلَ الأوَّل إلّا الصفر، يا مولانا!
(1) المنجد، لِلويس معلوف، فرائد الأدب، ص 963.
(2) الأديب الشعبي سلام الراسي، في إحدى مقابلاته التلفزيونية.
(3) ماري كوري، عالمة بولونية الأصل، اسمها قبل الزواج، مارجا سكلودومسكا، وُلدت عام 1867، ثم قصدت السوربون في باريس لتلقّي العلم، فتزوجت العالم الكيميائي الفرنسي بيار كوري (عن كتاب "البحث عن العناصر"، لإسحق عظيموف، ص 132ـ 135).
(4) انظر: المورد للبعلبكي Academy، والمنهل، لسهيل إدريس وجبور عبد النور Académie.
(5) معجم المصطلحات العلمية والفنية، إعداد وتصنيف يوسف خياط، ص 31.