نور روح الله | علّمتنــا  أن نبصر جمـال البلاء* مع الإمام الخامنئي | رسالة القرآن: حقيقة النصر* تسابيح جراح | نبضي الخافت تمرّد على الموت مناسبة | في جوار المعصومة عليها السلام الافتتاحية | أذلّاء، لن يجدوا إلّا سراباً كان أباً مجاهداً - حوار مع عائلة سماحة السيّد الشهيد هاشم صفيّ الدين (رضوان الله عليه) وصيّة السيّد صفيّ الدين: "ممنوع أن يجوع أحد" قيادة السيّد هاشم: حـزمٌ فـي ليـن نذرٌ أثمر شرحاً - شــــرح نهــــج البلاغـــة للسيّد هاشم صفيّ الدين لستُ شيعيّاً وأحبُّ السيّد

وصيّة السيّد صفيّ الدين: "ممنوع أن يجوع أحد"

تحقيق: د.فاطمة خشّاب درويش


لم يكن السيّد هاشم صفيّ الدين، رئيس المجلس التنفيذيّ في حزب الله، قبل شهادته، مجرّد قائد سياسيّ أو شخصيّة دينيّة بارزة، بل كان قبل كلّ شيء إنساناً يعيش هموم الناس ويشاركهم تفاصيل معاناتهم.
شهادات الذين عملوا مع سماحته تكشف عن ملامح شخصيّة استثنائيّة، طابعها العطاء والرحمة والرعاية الأبويّة، فقد كانت يده ممدودة دوماً نحو الفقراء والمحتاجين والمرضى، من دون أيّ تمييز مناطقيّ أو طائفيّ. في هذا التقرير، نعرض جزءاً من الجانب الإنسانيّ عند سماحته، من خلال إبراز دوره الداعم لجمعيّة "وتعاونوا" و"مائدة الإمام زين العابدين عليه السلام"
.

• عاشق الفقراء والمساكين
يستعيد المشرف على مائدة الإمام زين العابدين عليه السلام في منطقة برج البراجنة، الشيخ عبّاس الحركة، سيرة سماحة السيّد صفيّ الدين (رضوان الله عليه) وعطاءاته التي لم تعرف حدوداً، خصوصاً في خدمة الفقراء والمستضعفين، فقد كان الكرم عنوانه، والرحمة سمته، والأبوّة مظلّته.
ويصف علاقة سماحته بالمائدة بأنّها "ليست قائمة على الدعم أو المتابعة فحسب، بل كان كالأب الراعي لتفاصيلها كلّها. فقد كان يتابع كلّ قسم من أقسامها، بدءاً من الحصص التموينيّة الشهريّة التي كانت توزّع للعائلات، مروراً بالحصص الغذائيّة المتنوّعة من لحوم وخضار ودواجن وفواكه، وصولاً إلى المساعدات الماليّة المخصّصة للإطعام أو الاستشفاء، إضافة إلى المطابخ التي تنتج وجبات يوميّة متكاملة، وكسوة العيد التي تبهج قلوب المحتاجين".
وعن دور سماحته في إقامة المائدة، يقول الشيخ الحركة: "لم يكن داعماً أو مراقباً، بل كان قيّماً على المشروع من أوّله إلى آخره".

• "ممنوع أن يجوع أحد"
يحكي الشيخ عبّاس الحركة عن موقف لا يُنسى: "خلال زيارة السيّد صفي الدين لمطبخ مائدة الإمام زين العابدين عليه السلام في برج البراجنة، التفت قائلاً بحزم: (ممنوع أن يجوع أحد)، محمّلاً نفسه المسؤوليّة الكاملة عن ذلك، وكان مستعدّاً لمعالجة أيّ مشكلة مهما كان حجمها".
ويضيف: "خلال شهر رمضان، كانت المائدة تصل إلى ذروة عطائها، بحيث تحضَّر وجبات الإفطار يوميّاً لأكثر من 29 ألف عائلة في بيروت، ومن ثمّ توزّع عليها مع التمر والحلويات وكسوة الفقراء. كان سماحته يحرص أن يتضمّن الإفطار أجود أنواع الطعام، وأن يكون كلّ شيء مرتّباً، وأن تصل المساعدات بشكل لا يشعر فيه الفقير بأي حرج".

• التخفيف من الألم واجب
يتحدّث رئيس جمعيّة "وتعاونوا" الحاج عفيف شومان، عن المكانة الخاصّة التي كان يحتلّها سماحة السيّد هاشم صفي الدين (رضوان الله عليه) في دعم الجمعيّة ورعايتها، إذ كانت تربطه بها علاقة أبويّة خالصة، ويعدّها ملفّاً أساسيّاً من ملفّاته، يتعامل معه مباشرة وبشكل خاصّ.
يشير شومان إلى أنّ ذلك بدا واضحاً من خلال حرص سماحته المتواصل على تعزيز خدمات الجمعيّة، خصوصاً في مجالات الطبابة والاستشفاء، انطلاقاً من قناعته بأنّ التخفيف من معاناة المرضى وتكاليف العلاج يُعدّ واجباً إنسانيّاً وإلهيّاً. وكان يرى أنّ علينا السعي يوميّاً للتخفيف عن كاهل أهلنا في ما يخصّ العلاج والطبابة.
ويضيف: "السيّد صفيّ الدين لم يكن مجرّد داعم، بل كان يتابع ملفّات الجمعيّات والمبادرات الاجتماعيّة من قرب، حتّى في أدقّ التفاصيل، وكان يحرص على وصول الخدمات الصحيّة والاجتماعيّة إلى كلّ بيت محتاج، قائلًا إنّ التخفيف من الألم واجب لا يقلّ قيمة عن العبادة، فضلاً عن أنّ خدمة الناس وصيّة إلهيّة يوميّة لا تُؤجل ولا تُجزّأ".
ويتابع قائلاً: "لم يكن سماحته يتعامل مع دعم المرضى والمحتاجين من منظور ماديّ فقط، بل من منطلق إنسانيّ وأخلاقيّ عميق، إذ كان يعدّ هؤلاء مصاديق الرحمة الإلهيّة، وهم يستحقّون الرعاية الكاملة والمتابعة المستمرّة. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، مبادرته الشخصيّة في منتصف الليل للتكفّل بعلاج الطفلة زينب حايك من دون تردّد، وجميع احتياجاتها الصحيّة والمعيشيّة".

• لا تمييز أو إحراج
أظهر السيّد صفيّ الدين (رضوان الله عليه) اهتماماً بالغاً في شؤون الناس من مختلف المناطق والطوائف، فكان يرفض أيّ شكل من أشكال التمييز في تقديم المساعدة الطبيّة، فالفقير بالنسبة إليه هو نفسه، سواء كان في الجنوب أو الشمال، في البقاع أو بيروت، وكان يشدّد على ضرورة المبادرة للوصول إلى بيوت العائلات المتعفّفة والمرضى، بدل انتظار مراجعتهم، وذلك من أجل تشخيص احتياجاتهم ومعرفة ما يحتاجونه فعليّاً: من الدواء والاستشفاء، إلى ترميم البيوت المتصدّعة، وحتّى توفير لقمة العيش للعائلات التي لا تملك قوت يومها. يقول شومان: "كان سماحته يولي عناية دقيقة بتفاصيل الملفّات الطبيّة والاجتماعيّة، وكان يستفسر عن كلّ ما يمسّ المريض مباشرة، خشية وتفادياً لحصول أيّ تقصير".

• إرثّ إنسانيّ لا ينضب
يخلص شومان إلى أنّ "حضور السيّد صفي الدين في تفاصيل عمل الجمعيّة شكّل عنصر دعم جوهريّ لاستمراريّتها وفاعليّتها، ولا سيّما خلال الأزمات المركّبة التي واجهها لبنان كالأزمة الاقتصاديّة وجائحة كورونا"، ويؤكّد أنّ "هذه العلاقة الأبويّة والرعاية الدائمة التي قدّمها سماحته، تُمثّل إرثاً ووصيّةً ملزمةً للجمعيّة وقياداتها لمواصلة العمل في خدمة المجتمع من دون تمييز، انسجاماً مع نهج الشهداء والقادة المؤسّسين".
من جهته، يقول الشيخ الحركة: "لقد زرع فينا سماحته عشقاً خاصّاً للفقراء، وكانت وصيّته الدائمة أن لا نحيد عن خدمتهم، لهذا، فإنّ استمرار المائدة اليوم هو عهد لروحه الطاهرة".
ترك السيّد صفيّ الدين برحيله إرثاً إنسانيّاً كبيراً، لا يقلّ أهميّة عن أدواره السياسيّة والدينيّة. هو إرث قائم على الرحمة والرعاية المباشرة، وعلى قناعة راسخة بأنّ خدمة الناس تكليف إلهيّ وأخلاقيّ. وذكراه ستبقى راسخة في وجدان الناس، فهو القائد الذي لم يكتفِ بالكلام، بل نزل إلى ميدان خدمتهم، وخفّف عنهم آلامهم، وبلسم قساوة الحياة عليهم في أكثر من جانب. 
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع