السيّد الشهيد عبد الحسين دستغيب قدس سره
يقــول الله تعــالى: ﴿وَلَا تَجْعَــلْ فِي قُلُــوبِنَا غــِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا﴾ (الحشر: 10).
من الذنوب القلبيّة والانحرافات النفسيّة، الحقد، وهو أن يرى الإنسان فعلاً غير مناسب من شخص آخر أو يسمع به، ويغضب ويعجز عن الحيلولة دون ذلك أو تلافيه والقيام بما يعوّض له عنه، كما يعجز أن يُسكّن غضبه ويبرّد قلبه، فيترك بذلك مكاناً في قلبه لعداء ذلك الشخص، وهو ما يسمّى بـ «الحقد» أو «البغض». وهذا الشعور يسبّب شقاءً وحرماناً من السعادة الدنيويّة والأخرويّة لكلّ قلب يحلّ فيه.
• معصية المؤمن لا تبرّر بُغضه
من رأى مؤمناً يرتكب معصية، لا يجوز له أن يتّخذه عدوّاً بحيث يفرح لأذاه ومحنته، لأنّ المعصية عند المؤمن ليست بسبب طغيانه وعناده وتمردّه على الله، بل تكون ناتجة عن الغفلة وغلبة النفس والشيطان، وهو في النهاية سيندم على فعلته. ولأنّ أصل إيمانه يبقى محفوظاً، فيحرم أن تستقرّ العداوة في القلب نحوه، بل يجب عند رؤيته وهو يرتكب معصية، الشعور بالشفقة والحرقة تجاهه، وحمله على ترك ذلك والندم عليه.
• أضرار الحقد
إذا اجتاح الإنسان الغضب، لكنّه استعصم بقوّة إيمانه وصبره، وأطفأ نار غيظه، فإنّ قلبه لا يتلوّث ويتحرّر من نار الغضب. أمّا إذا لم يصبر ولم يستطع أيضاً أن يعوّض عن ذلك، فإنّ نار الغيظ تستقرّ في قلبه، فتولد فيه مشاعر العداء والنفور وسوء النيّة تجاه من يكرهه. وإذا استمرّت هذه الحال، فستكون مقدّمة وسبباً لظهور عشر آفات هي كالآتي:
1. الحسد: مَن حَقَد على آخر، فهو حتماً يفرح بابتلائه ويتألّم ممّا يفرحه، ويتمنّى أن تزول النعمة عنه، وهذا أحد مصاديق الحسد الحرام.
2. الهجران: كما إنّ الحقد سبب قطيعة من حقد عليه وهجرانه. وقد ورد في مجمع البيان: لا شكّ في أنّ كلّ من يعادي مؤمناً وينوي الإساءة إليه لإيمانه، فهو كافر. أمّا إذا كان ذلك لهدف آخر، فهو فاسق.
3. الشماتة والتأنيب: عندما يعادي شخصٌ آخرَ، فإنّه يشمت به إذا رأى فيه مصيبة أو مشكلة ما. وتظهر هذه الشماتة في صور مختلفة، مثل الضحك، أو السخرية، أو التعبير بكلمات مثل: «لقد أصابتك هذه المصيبة لأنّك فعلت كذا» أو «لقد دعوت عليك حتّى تصيبك هذه المشكلة». لكنّ الشماتة صفة مذمومة حذّر منها الإمام الصادق عليه السلام بقوله: «من أنّب مؤمناً، أنّبه الله في الدنيا والآخرة»(1)، وقال عليه السلام أيضاً: «لا تبدِ الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويصيرها بك»(2).
4. الغيبة والتهمة: عندما يعادي شخصٌ آخرَ، فإنّه لا يستطيع أن يمتنع عن ذكر عيوبه التي يعرفها، بل قد يصل به الأمر إلى اختلاق العيوب وتوجيه الاتّهامات الباطلة. هذا السلوك نابع من ضعف الإيمان؛ لأنّ القدرة على الامتناع عن الغيبة والاتّهام، لا تتحقّق إلّا بقوّة الإيمان باللّه ويوم الجزاء. ولو كان الإيمان صحيحاً وقويّاً، لما استقرّ الحقد في قلب أيّ مؤمن.
5 و 6. الخيانة والتحقير: وكذلك، من يعادي شخصاً، فإنّه لا يتورّع عن خيانته، فيكشف أسراره التي يعرفها قبل معاداته.
7 و 8. منع الحقوق الواجبة والإيذاء: إذا كان الخصم من الأقارب، فإنّ العداوة تدفع إلى قطع الرحم. وإذا كان جاراً، فإنّها تجعل الشخص مقصّراً في حقوقه، كأن يمتنع عن نصرته أو إغاثته عند تعرّضه لظلم. ومن يحمل الحقد في قلبه تجاه أحد، فإنّه يصبح مستعدّاً لإلحاق أيّ نوع من الأذى به.
9. الأضرار الدنيويّة: في الحياة الدنيا، يحتاج كلّ إنسان إلى مساعدة الآخرين؛ فإذا لم يكن لديه أصدقاء يساعدونه ويشاطرونه آلامه ويؤمّنون له احتياجاته، فإنّه لا يستطيع أن يتولّى ذلك بمفرده. وإذا تكرّرت هذه العداوات، يصبح الفرد وحيداً، ويعيش الغربة، ويقاسي شدائد الحياة ومصاعبها، الأمر الذي يؤدّي به إلى مواجهة مصائب مدمّرة، تضاف إلى الآلام التي تنشأ من البغض الداخليّ الذي يترك أثره في الأعصاب والصحّة، خاصّة إذا رأى عدوّه ينعم بالرفاهيّة، أو لم يستطع الانتقام منه.
10. الأضرار الأخرويّة: لكلّ مؤمن أعداء باطنيّون، وهم الشياطين الذين لا يغفلون عنه أبداً، ويحاولون بثّ الوساوس والخواطر القبيحة في باطنه ليسلبوا إيمانه عن هذا الطريق ويحرفوه عن صراط العبوديّة المستقيم.
الحقيقة أنّ المؤمن لا يقوى وحده على مقارعة عدوّ لدود كهذا. والطريق الوحيد للانتصار عليه هو الاستعانة بقلوب المؤمنين، وذلك بتقوية أواصر الصداقة الإلهيّة معهم. عندما يصبح المؤمنون قلباً واحداً وروحاً واحدة، فإنّ الشيطان يرى أمام كلّ قلب واحد مئات القلوب. في هذا الصدد، يقول الإمام الصادق عليه السلام: «أكثروا من الأصدقاء في الدنيا فإنّهم ينفعون في الدنيا والآخرة؛ أمّا في الدنيا، فحوائج يقومون بها، وأمّا في الآخرة، فإنّ أهل جهنّم قالوا: ﴿فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ، وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ﴾ (الشعراء:101)(3).
• صلاة الجماعة تغيظ الشيطان
من هنا، يُعلم سبب أهميّة صلاة الجماعة وكثرة فضيلتها وثوابها إلى حدّ أنّه قد نُهي عن الصلاة فرادى، لأنّه كلّما كانت روابط الأفراد وصداقتهم الإلهيّة قويّة وموحِّدة لقلوبهم، فإنّ الشيطان يعجز عن النفاذ إلى قلوبهم.
لذا، إنّ من أكبر الأضرار الناتجة عن عداوة مؤمن ومقاطعته، الحرمان من شفاعته يوم القيامة، وأدعيته، وبركات الصداقة في سبيل الله ودرجاتها ومقاماتها، والثواب الذي كان بالإمكان أن يحصل عليه من صحبته.
قال أمير المؤمنين عليه السلام: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: المؤمن عزّ كريم والمنافق خبّ (محتال) لئيم. وخير المؤمنين من كان مألفة للمؤمنين، ولا خير في مَن لا يألف ولا يؤلف. قال عليه السلام: وسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: شرار الناس من يبغض المؤمنين وتبغضه قلوبهم، المشّاؤون بالنميمة، المفرّقون بين الأحبّة، الباغون للناس العيب، لا ينظر الله إليهم ولا يزكّيهم يوم القيامة. ثمّ تلا عليه السلام: ﴿هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ﴾ (الأنفال:62)( (4)
*مقتبس من كتاب: القلب السليم، ج 2، ص 357 - 362.
1. أصول الكافي باب التعيير وباب الشماتة.
2. أصول الكافي باب التعيير وباب الشماتة.
3. المصدر نفسه.
4.المصدر نفسه.