تحقيق: إيفا علوية ناصر الدين
تواجه المرأة بعد دخولها قسراً أو اختياراً إلى مجال العمل العديد من الصعوبات والمشاكل والضغوطات التي قد تثقل كاهلها، وترميها في دوامة المعاناة، وتضعها في موقف التحدي والمواجهة، والبحث عن الحلول التي تمكّنها من اجتياز الصعوبات، وتخطي الضغوطات، ومعالجة المشاكل، للوصول إلى ظروف أفضل. في هذا التحقيق رصدنا بعض الهواجس والمشاكل والشكاوى والمطالب لنساء عاملات في مجالات مختلفة، ولهن تجارب واقعية، من أجل تقديم صورة تساهم في تشخيص أسباب المشاكل التي تواجهها المرأة العاملة، وتعرض لبعض الاقتراحات والرؤى حول سبل المعالجة ولو بصيغة الشكوى والهواجس.
* العمل قهراً
تتعلق شكوى السيدة وفاء (27 عاماً، أم لثلاثة أولاد) بالظروف الحياتية الصعبة التي دفعتها للعمل رغماً عن إرادتها، فهي تؤكد أنها ما كانت لتعمل لولا الحاجة الماديَّة الملحَّة التي تفرض عليها مساعدة زوجها في أعباء المنزل، وتضيف: "إن دخله لا يكفي معيشتنا لذا اضطررت للعمل مع اعتقادي بأنَّ المكان الأمثل للمرأة هو بيتها، وأنّ العناية بالأولاد والزوج هو العمل الأساس لها وهو ضمان سعادة الأسرة. بصراحة أنا أتخبط في دوامة العمل وأظن أن كثيراً من النساء العاملات مثلي يفضِّلن عمل البيت لو كان أزواجهن يتقاضون أجوراً كافية ومناسبة لإعالة أسرهم في الحاجيات الأساس وليس الكمالية".
* دوام قاهر
تروي السَّيدة لينا (32 عاماً، أم لطفلين) مشكلتها بحسرة، وهي التي تركت عملها الذي تحبّه بسبب الدوام القاهر الذي يفرض عليها الالتزام بساعات عمل تمتد إلى ما بعد عودة أولادها الصغار من المدرسة. وتعتبر أن مشكلتها لا تكمن في مسألة التنسيق بين العمل والمنزل، فهي استطاعت التحكم بها وضبطها، لكن ما دفعها لترك العمل هو: "ساعات الدوام المطلوبة يومياً والتي لا تتناسب مع وضعي كأم، لذا فأنا أطالب أن يتمّ النّظر جدّياً في دوام الأمهات العاملات، وفي أيام العطل والإجازات حتى تستطيع المرأة العاملة البقاء مع أولادها في الأوقات والأيام التي يجب أن تكون فيها إلى جانبهم".
* حقوق منقوصة
تعلّق السيدة لبنى (40 عاماً، أم لأربعة أطفال) على موضوع الحقوق المنقوصة المخصصة للمرأة العاملة من قبل أصحاب العمل أو المؤسسات وتسأل بتعجب شديد اللهجة: "لماذا تُحرم المرأة العاملة من حقوقها المادية مع أن المطلوب منها بذل الوقت والجهد ذاته مثل الرجل؟! يُدفع للمرأة الأجر الزهيد بحجة أنها معفية من مسؤولية الإنفاق! ما دخلهم بهذا، حتى يزهدوا في تحديد قيمة مرتبها؟ ويحرمونها أيضاً من حقوق أخرى كالقروض والتعويضات. أنا أعمل منذ 15 عاماً بصيغة التعاقد وطوال تلك السنوات لم يحق لي طلب قرض، ولم آخذ أية مكافأة، والآن عندما أقرر ترك العمل أخرج منه خالية الوفاض بدون أي تعويض لنهاية الخدمة. أي إجحاف هذا الذي يتغاضى عن حقوق العمل التي أعطاها الإسلام؟".
* المراكز ممنوعة على المرأة
تتركز شكوى ماجدة (30 عاماً) أيضاً على: "أصحاب العمل والمؤسسات الذين يمنعون المرأة من الوصول إلى مناصب رفيعة المستوى حيث نجد أن أغلب القيّمين على هذه المؤسسات يخافون من أن ترتقي المرأة وتصير رئيسة عليهم، فهم لا يناسبهم أن يعملوا تحت إمرتها وهذا نتيجة عقدة مرضية لديهم، مع أن هناك نساء كثيرات أثبتن جدارتهن في الإدارة والقيادة. نحن لا نريد أن نقارن وضعنا بوضع المرأة في البلاد الغربية بل سنضع أصبع المقارنة على وضع المرأة في الجمهورية الإسلامية في إيران ونفخر أن المرأة هناك تتبوأ مراكز مهمة وتشغل أماكن قيادية رفيعة".
* الأمومة الشاكية
ولدى السيدة رولا (24 عاماً، أم لطفل) شكوى حول أمر في غاية الأهمية بالنسبة لكل أم عاملة وهو: "قصر فترة إجازة الأمومة وعدم تأمين حضانة في المؤسسات. لقد كان صعباً جداً عليّ أن أترك طفلي بعمر شهر ونصف في حضانة ولنصف نهار من دون أن أراه أو أتفقده. وأعتقد أن جميع الأمهات يطالبن مثلي بتأمين غرفة حضانة في المؤسسات وهن مستعدات لتغطية أجرة الحاضنة لأن هذا يضمن لهن وجود أطفالهن بقربهن، ويؤمّن لهن الفرصة لعدم حرمانه من الرضاعة الطبيعية لطفلهن المهمة له في الأشهر الأولى".
قرار بالاستقالة
تصرِّح السيدة سامية (36 عاماً، أم لخمسة أطفال، معلمة) عن المشكلة الكبيرة التي واجهتها مع العمل وهي ببساطة هاجس مصلحة الأسرة، وتحكي تجربتها وقصة قرارها ترك العمل: "عملت لسنوات قبل وبعد زواجي وإنجابي لأطفالي، وكنت أعمل جاهدة للتوفيق بين متطلبات العمل والبيت، لكن وصلت إلى مرحلة أحسست فيها باستحالة الاستمرار وأن عملي يتم على حساب أسرتي، ويعود علينا بالآثار السلبية خصوصاً مع تشدد المدرسة في إرهاقنا بعد الدوام بالتحضير والتصحيح والاستمارات وبالدورات في أيام العطل والإجازات، فحسمت قراري بالتفرغ للمنزل ووجدت أن هذا يحفظه من المشاكل التي قد تغرقه في مستنقع التفكك والانهيار. فالمدخول المادي الزائد يأتي على حساب أعصابي وراحتي وقدرتي على توفير أسباب الاستقرار للعائلة، وأنا راضية جداً بقراري هذا".
* تراكم الضغوط
أما السيدة هدى (45 عاماً، أم لأربعة أولاد) فتؤكد بناء على تجربة 20 عاماً من العمل أن أكبر مشكلة تواجهها المرأة العاملة هي: "سيل من الضغوط الناتجة عن متطلبات مهام العمل وشؤون المنزل وأن أكبر خطأ تقع فيه المرأة العاملة هو إهمالها لنفسها وهذا يكون حلّه بالتعامل بحكمة ووعي وإدارة وتنظيم دقيق للمهام والأولويات لكل يوم بيومه حتى لا تصل إلى مرحلة الانهيار النفسي بعد الانهيار الجسدي بسبب تراكم الضغوط. لذا فإنه على كل امرأة عاملة الاستعانة بمن تساعدها في الاهتمام بشؤون المنزل، وهذا يجعلها قادرة على أخذ قسطها من الراحة، والتفرغ أثناء وجودها في البيت للعناية بنفسها وبزوجها وبأولادها، بعيداً عن الاستغراق بأعمال المنزل التي تتطلب جهداً إضافياً هي بغنى عنه".
* عقدة الذنب
الشعور بعقدة الذنب هو أحد المشاعر السلبية التي تشغل بال بعض النساء العاملات، وهو ما تعبّر عنه السيدة إسراء (31 عاماً، أم لطفلين) بقولها: "الشعور الدائم بالتقصير يرهقني فأنا أضع نفسي دائماً في دائرة الاتهام عند أي خلل ينشأ، لأنني أرد السبب إلى عملي، وأحمِّل نفسي المسؤولية، وأغوص في تحليل الأسباب والآثار والنتائج، لكنني في المقابل أسعى بكل جهدي إلى أن أعوِّض لأسرتي عن أي نقص حاصل من خلال الحضور النوعي معهم، في فترة بعد الظهر وفي أيّام العطل، من أجل التعويض لهم وإشعارهم بالعناية والاهتمام".
* أتخبط وحدي
تنهال السيدة هيفاء (34 عاماً، أم لثلاثة أطفال) بالشكوى المريرة على شريك حياتها الذي لم يضع أي حجر عثرة في طريق عملها إلا أنّه: "لا يتحمل عناء مساعدتي في أي من شؤون المنزل والأولاد، يتركني أتخبط وحدي بعد عودتي من العمل في أعمال المنزل وتحضير الطعام، ومن ثم مساعدة الأولاد في دراستهم، بينما يأخذ قسطه من النوم والراحة، ويقوم ليقضي وقته في مشاهدة التلفاز. إنّه ليس مستعداً للمشاركة في أي مهمة ولو حتى في متابعة الواجبات المدرسية للأولاد لأن ذلك يوتّر أعصابه. لكن ما من أحد يسأل عن أعصابي والله المعين".
* جعبة فارغة
وفي إطار الشكوى ضد الأزواج أيضاً تشكو السيدة رحاب (26 عاماً، متزوجة حديثاً) من زوجها الذي يتحكم بإدارة مرتّبها الشهري حسبما يشخّص هو، تقول رحاب: "هو يعمل إلّا أن مرتبه غير كاف، فيأتي راتبي ليعدِّل كفة الميزان في معيشتنا، وهذا لا يزعجني، لكن ما يضايقني هو أنني أعمل منذ 8 سنوات ولا أملك الخيار في كيفية صرف مدخولي أو الادخار منه، لأن زوجي يتوكل بالمهة، وهذا يشعره بالبحبوحة ما يدعوه للبذخ والإسراف في الموائد والدعوات، لكنه لا يلتفت إلى حقيقة أنه ليس مقتدراً للقيام بذلك وأنه يحرمني من حقوقي".
* التعامل بفوقية
المشكلة التي وقعت فيها السيدة ندى (30 عاماً، أم لطفلين) بسبب عملها كادت أن تؤدي بزواجها إلى حافة الانهيار: "لقد وقعت بيني وبين زوجي خلافات حادة وصلت بنا إلى حد الطلاق، وليس ذلك بسبب رفضه لعملي لكن المشكلة تكمن في أنني أخطأت في طريقة تعاملي معه نتيجة وصولي إلى مركز أهم من مركزه، وكوني أتقاضى راتباً يفوق راتبه. وهذا ما كان سبباً لردة فعل شرسة من قبله. لكن تدخل الأقارب ساهم في ردم الهوة بيننا وتعلمت درساً مهماً أنصح به كل امرأة عاملة وهو أن تتجنب التعامل بفوقية مع الزوج أو التعالي عليه، وأن تتجنب المن عليه بالمشاركة في الإنفاق لأن هذا ليس لمصلحة الأسرة التي يجب أن تسود فيها دائماً أجواء المودة والرحمة والتسامح".
* العمل والاختلاط
ترى آية (26 عاماً) أن المرأة العاملة يجب أن تكون في غاية الحرص والاحتراز من الوقوع في مشكلة قد لا تقف عندها كثيرات وهي: "الاختلاط الذي تتعرض له المرأة العاملة أكثر من غيرها نتيجة وجودها في نطاق زمالة في العمل. لذا فإن عليها الحفاظ دائماً على الضوابط الشرعية التي تصون شخصيتها الإسلامية، وتضمن لها المحافظة على صورتها الإنسانية الراقية وإثبات جدارتها وكفاءتها في العمل بعيداً عن أنوثتها. هناك نساء يقعن في شرك الاختلاط غير الشرعي تدريجياً وعن غير قصد مما يدعونا للتأكيد على أهمية الوقاية والدقة في الالتزام بالحدود مع الزملاء وهذا خير لها ولهم".
* العمل هو الحل
أما كوثر (40 عاماً) فتجد أن مشكلتها الحقيقية هي البعد عن العمل لأنه قد يكون حلاً بل إنقاذاً لبعض النساء اللواتي يعشن ظروفاً خاصة كالأمهات اللواتي لم يرزقن بأطفال أو الفتيات اللواتي لم يأت نصيبهن من الزواج، وتضيف: "كنت أعاني من وضع نفسي صعب ومتعب فالتحقت ببعض الأنشطة النسائية، ومن ثم التزمت بعمل انتشلني من الوحدة والعزلة واليأس، وأعطاني الشعور بوجود أمور كثيرة تستحق بذل الجهد والاهتمام، ودفعني للانطلاق بنشاط وحيوية في حياة لها معنى وهدف".
* على طاولة البحث
وفي كلمة أخيرة يمكن القول إن اعتبار عمل المرأة أمراً واقعاً لم يعد ينحصر بفئة قليلة من المجتمع بل يتعلق بنسبة معتدّ بها بعدما صار عمل المرأة ضرورة للكثيرين بحكم الظروف الاقتصادية الصعبة، لذا فمن الطبيعي أن توضع كل تلك المشاكل والمطالب في دائرة الاهتمام وعلى طاولة البحت والدراسة من قبل المعنيين من أجل الوصول إلى نتائج مرضية ومنصفة.
* نسب وإحصاءات
ختاماً، من المفيد الإشارة إلى بعض النسب والإحصاءات الخاصة بالمرأة العاملة في لبنان. فقد جاء في تقرير لمنظمة العمل الدولية أنّ مشاركة المرأة في القوة العاملة في لبنان تبلغ 21 % أي بمعدل امرأة عاملة واحدة مقابل كل 4 رجال. ويبيّن إحصاء آخر أن أجور النساء في المؤسسات الخاصة أقل بنسبة 30 % من أجور الرجال.