سارة الموسوي*
لمريض السكّري تساؤلاته الغذائية في شهر رمضان، خاصة أن هناك حوالي 40 إلى 50 مليون مسلم في العالم يعانون من السكّري بنوعيه الأول والثاني، وهم يصومون في شهر رمضان. وبما أن السكّري مرض له مضاعفاته الخطيرة على سائر أنحاء الجسد، وبما أن للغذاء أثراً كبيراً في تنظيم سكر الدم، لا بدّ لمريض السكّري من مراعاة النظام الغذائي الخاصّ به، خاصّة في شهر رمضان في حال القدرة أو عدم القدرة على الصيام.
فهل يمكن لمريض السكّري الصيام؟ وكيف يمكن له غذائياً تفادي المخاطر المحتملة؟ وما هي الأطعمة المناسبة التي يجب أن يختارها من بين الأصناف اللامتناهية والمعدّة على موائد الإفطار؟
*السكّري بنوعيه
هناك نوعان من مرض السكّري، الأول يعالَج المصاب به بالإنسولين منذ بداية المرض. والنوع الثاني يعالَج بأقراص وأدوية خافضة لسكّر الدم، ومنهم من يعالجه بالإنسولين عند تدهور حالة المريض.
وعلى كل حال، فإن مريض السكري الذي يعالج بالإنسولين أو بالدواء عليه مراجعة الطبيب قبل شهر رمضان، وذلك لتعديل مقادير الحقن والأدوية ومواقيتها، وكذلك مراجعة أخصّائية التغذية لتنظيم وجباته على الإفطار والسحور وما بينهما لتفادي الارتفاع المفاجئ والانخفاض المفاجئ للسكر. وغالباً ما يتمكن مرضى السكري من النوع الثاني من الصيام وكذلك بعض مرضى السكري من النوع الأول إذا ما راعوا نظامهم الغذائي ودواء الطبيب.
*مخاطر الصيام في حال عدم الالتزام
إن المشكلة لدى مريض السكري هي الخلل في إفراز هورمون الإنسولين الذي يساعد على امتصاص السكر من الدم إلى الخلايا. وهذا الهورمون يفرز بقوة إذا كانت كمية الطعام المتناولة كبيرة، ثم ينخفض فجأة بعد ذلك، ما يؤدي إلى ارتفاع مفاجئ يتلوه هبوط مفاجئ للسكر في الدم. لذلك فإن الانتظام في الوجبات الغذائية كمّاً ونوعاً يساهم في التحكّم بإفراز هذا الهورمون وبالتالي الحفاظ على معدّل طبيعي للسكر في الدم.
إن صيام مريض السكري دون مراعاة كمية ونوعية غذائه يزيد في الهبوط المفاجئ للسكر بعد تناول الطعام. والأصعب هو هبوطه بعد وجبة السحور التي تليها فترة الصيام، ما يؤدي إلى الجوع الشديد فيمنعه ذلك من الصيام.
إضافة إلى ذلك، فإن مريض السكري كثير العطش والتبول، وقد يؤدي صيامه إلى الجفاف وربما التجلط في الشرايين.
*حلول غذائية
1 - تقسيم الطعام إلى 3 وجبات ما بين الإفطار والسحور، أي وجبة إفطار تتلوها استراحة ومن ثم وجبة صغيرة بالإضافة إلى السحور. وبهذه الطريقة نمنع الارتفاع المفاجئ للسكر ونحافظ على معدّله الوسطي.
كما أن للسحور أهمية كبيرة وتشجع عليه السنّة النبوية ففي الحديث: "إن الله وملائكته يصلّون على المستغفرين والمتسحرين بالأسحار"1.
2 - استبدال النشويات البسيطة بتلك المركبة والتي تبطئ امتصاص السكر كالحبوب الكاملة والخبز الأسمر والمعكرونة السمراء والأرز الأسمر والبطاطا الحلوة...
3 - الابتعاد عن الأطعمة الدسمة التي ترفع معدل الدهون في الدم لدى المريض وتفاقم مشكلته.
4 - تقليل الملح في الطعام، إضافة إلى الحد من المأكولات الجاهزة والمعلبات الغنية بالأملاح وخاصة الحساء الجاهز لأن الإفراط في تناول الملح يزيد من العطش والتبول وكذلك يعرّض الصائم لخطر ارتفاع الضغط.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمريض الاطلاع على الجدول التالي لمعرفة الأغذية الأنسب له خلال هذا الشهر الفضيل:
* التمر
جيد، مصدر سكر طبيعي سريع الهضم والامتصاص، جيد على الإفطار لتفادي هبوط السكر لدى مريض السكري.
* الحساء الساخن
جيد، خاصة إذا كان معدّاً بالخضار دون الأرز أو الشعيرية. كما ويجب الحذر من الحساء الجاهز لأنه غني بالملح.
* السلطات (الفتوش والتبولة وغيرهما)
ممتازة لمريض السكري، فهي تبطئ عملية امتصاص السكر والدهون، وتساعد في تخفيض الوزن.
ولكن يجب الحذر من الخبز المحمص الذي يضاف إلى الفتوش لأنه غني بالزيوت المهدرجة التي تؤذي الشرايين، كما والأفضل الاستغناء عنها لأنها من النشويات التي ترفع سكر الدم.
* الأطعمة المقلية (كالدجاج واللحوم والبطاطا)
هي الأخطر لأنها غنية جداً بالزيوت المهدرجة التي تؤذي الشرايين وتضاعف مشاكل السكري وتزيد في الوزن.الأفضل استبدالها باليخنات أو تناولها مشوية في الفرن مع القليل من الزيت النباتي.
* الأرز (في التطبيقة والكبسة أو الأرز السادة الأبيض)
لا بأس ولكن مع التحكم بالمقدار والنوع. فالأرز الأسمر (غير المقشور) أفضل من الأبيض وكذلك المعكرونة السمراء.
* اللحوم والدواجن
جيدة ولكن منزوعة الدهن والجلد، لئلاّ ترفع من مستوى الدهون والكوليستيرول في الدم، والتي عادة ما ترتفع لدى مريض السكري.
* المعجنات والخبز
غنية بالنشويات التي تتحول إلى سكر في الدم.
يجب الابتعاد عن المعجنات قدر الإمكان، وعند الرغبة يمكن ترقيق العجينة لتقليل الخطر. أما الخبز فحدّد الكميّة وتناوله أسمر أو من الشوفان أو الشعير.
* الحلويات
- لأن معظمها غني بالسكر والزيوت والسعرات الحرارية، فيفضل الحد منها.
- يمكن انتقاء الأنواع قليلة القطر وغير المقلية (كالقطائف النيئة، الصفوف، الكاسترد، الجيلو...).
- يمكن استهلاك القطر الخالي من السعرات الحرارية أي المحلى صناعياً.
- وكذلك يمكن تحضير الحلويات بالسكر الاصطناعي.
- كما أن الحلويات المنزلية أفضل حيث يمكن التحكم بمقدار الزيت أو القشطة ونوع السكر ليكون مناسباً لمريض السكري.
- وأخيراً، يفضل استبدالها بالفواكه الطازجة والمجففة الغنية بالألياف والتي تحتوي على سكر طبيعي وخالية من الدهون.
* العصائر
- الطبيعية جيدة، ولكن الإكثار منها (أكثر من كوبين في اليوم) يرفع السكر.
- المحلاة منها، من الأفضل تجنبها أو الحد إلى كوب أو أقل في اليوم.
- الماء هو الحل الأفضل للعطش.
(فالعصائر المحلاة تُشعر بالارتواء في بداية الأمر، إلاّ أن السكّر عندما يدخل إلى الجسم بكميات عالية يطلب المزيد من الماء، فنشعر بالعطش مجدداً).
*أخطاء شائعة لدى مرضى السكري
1 - النشويّات والسكّريات هي الأصناف الوحيدة الضارة بالمريض.
2 - الخبز الأسمر وغيره من منتجات الحبوب الكاملة أقل بالسعرات الحرارية أو السكر من المنتجات البيضاء.
3 - الحبوب والبقول تضر المريض.
*تصحيح الأخطاء
1 - صحيح أن النشويات هي الأكثر والأسرع ضرراً للمريض، إلا أن الأطعمة الدسمة هي كذلك ذات ضرر كبير؛ لأن معظم مرضى السكري معرّضون لارتفاع الدهون في الدم، والتجلّطات وغيرها إذا لم يراعوا النظام الغذائي الصحيح.
وكذلك فإن زيادة الوزن الناجم عن الإكثار من الطعام يفاقم السكري أكثر فأكثر. لذلك، حاول الحد من كمية كل ما تتناوله لأنّ ذلك أفضل لصحتك. ففي الحديث: "لو أنّ الناس قصدوا في الطعام لاستقامت أبدانهم"2.
2 - الخبز الأسمر والخبز الأبيض يحتويان على السعرات الحرارية ذاتها، إلا أن الفرق: أن الأول غني بالألياف التي تُشعر بالشبع وتُبطئ من امتصاص السكر والثاني لا يحتوي على الألياف.
3 - الحبوب والبقول هي الأفضل لمريض السكر لأنها مصدر بروتين غير غني بالدهون بخلاف اللحوم، وغني أيضاً بالألياف.
وفي الختام، يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "من أراد أن لا يضره طعام، فلا يأكل حتى يجوع، فإذا أكل فليقل: "بسم الله وبالله"، وليجد المضغ، وليكف عن الطعام وهو يشتهيه، وليدعه وهو يحتاج إليه"3.
* أخصائية تغذية.
1- المقنع، الشيخ الصدوق، ص204.
2- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج2 ص155.
3- بحار الأنوار، المجلسي، ج63 ص38.