الشيخ علي ذو علم
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك
واكره له ما تكره لها" (1). يتضح من خلال العودة إلى تاريخ البشرية وإلى أحوال
المجتمعات المعاصرة أن الأنانية والشخصانية هي من أهم أسباب الحروب والنزاعات بين
البشر، وهي من الموانع الأساس في طريق سمو وكمال المجتمعات في الجانبين المادي
والمعنوي.
وهذه الأنانية الحيوانية هي منشأ وجود الظلم الفاحش والاستبداد الفاضح،
لا بل هي سبب جميع المفاسد التي لحقت البشرية وما زالت تلحق بها. لقد عمل المصلحون
طوال التاريخ على إزالة المفاسد الاجتماعية ومراقبة وتعديل وإزالة الأنانية الشخصية،
إلا أن واقع الأمور يبين أنه على الرغم من التقدم والتحول الذي وصلت إليه البشرية
إلا أن ذلك لم يحلّ المشكلة الحقيقية التي تعاني منها الشعوب. لو نظرنا إلى أساس
وجود النزاعات والمشكلات وأشكال المنافسة والعداوة بين البشر لوجدنا أنها تعود إلى
وجود الأنانية والشخصانية في طرفي النزاع أو في أحد الطرفين على الأقل! ولو نظرنا
إلى النزاعات والمشكلات التي تحيط بنا لوجدنا خير دليل على هذا المدعى. فما هو الحل
الذي يجب أن يعتمد للنجاة من هذه الأمور؟ ماذا يجب أن نفعل لنحوّل المنافسة والحسد
والبغض والاختلاف والعداوة إلى محبة وتعاون وتسامح؟
يقدم أمير المؤمنين عليه السلام وبعبارات قصيرة وجهها إلى الإمام الحسن عليه السلام
طريق حل هذه المعضلة الكبيرة، وهي أن الإنسان إذا أراد أن يمحو من نفسه ظاهرة
الأنانية ويزرع فيها المحبة والتعاون والصداقة فعليه أن يحب للآخرين كل ما يحبه
لنفسه من المصالح والمنافع والرفاه والعدالة والاحترام والتقدير والإنصاف، وأن يبغض
لهم ما يبغض لنفسه من الظلم والأنانية وهتك الحرمات.
طبعاً لا يكفي أن يرضى الإنسان
بوجود النعم المشروعة عند الآخرين، أو أن لا يحاول سلب هذه النعم، ولا يكفي أن يظهر
رضاه بعدم ابتلاء الآخرين بالأمراض والمشكلات، على الرغم من أن هذا المستوى يلعب
دوراً في تبديل وتغيير الأنانية الإنسانية. وهذا ما تدور حوله الأنظمة والقوانين
الحقوقية، التي أقصى ما تدعو إليه هو الحؤول دون وقوع الممنوعات كالسرقة والأذية
والظلم والقتل... فيعترف أفراد المجتمع بحقوق الآخرين فيما يمتلكون.
ولكن لو عدنا
إلى الإمام علي عليه السلام لوجدنا أن تحقق هذا المقدار في المجتمع الإسلامي غير
كافٍ. وأما ما يجب تحققه فهو أن يحب الفرد للآخرين ما يحبه لنفسه وأن يكره لهم ما
يكره لها. فلو كان الفرد يرغب في حياة سعيدة يملؤها الرفاه والطمأنينة وفي أن يعيش
أولاده وأسرته حياة مريحة، وكان في الوقت نفسه يتمنى هذا النوع من الحياة للآخرين،
ويحاول ويسعى في توفيرها لهم كما يسعى لنفسه. كذلك الأمر إذا كان الآخرون في مستوى
معيشي أرفع منه إلا أنه سعيد لما يمتلكه الآخرون فلا ينجر إلى الحسد والطمع أو
البغضاء. إذا كانت حياة الأفراد على هذه الصورة، عندها يمكن التغلب على الأنانية
والشخصانية وتحويل النزاعات والمشكلات إلى نوع من المحبة والتعاون. في هكذا مجتمع،
لا يبقى أي مجال للحديث عن الحسد والمنافسة والحقد على أساس أن كل فرد ينظر للآخرين
كما ينظر لنفسه فيحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لها.
طبعاً قد يرتقي بعض
الأشخاص إلى أعلى من هذا المستوى فيصلون إلى "الإيثار". هؤلاء الأشخاص أصحاب الزهد
والسمو والتكامل يرفضون السعادة الدنيوية ويسعون جهدهم في أن يتمتع الآخرون بحياة
هنيئة ملؤها الرفاه والسعادة. ولعل النموذج البارز في هذا الإطار هو أمير
المؤمنين عليه السلام الذي تزخر حياته وأفعاله في إطار تأمين راحة ورفاهية الآخرين
والسهر على رفع آلامهم.
(1) نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام، ج 3، ص 45.