مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الإمام العسكري عليه السلام المُمَهِّد لإمام دولة العدل

الشيخ خليل رزق



تميّزت فترة إمامة الإمام الحسن العسكري عليه السلام بالأهميّة القصوى؛ لأنّ مهمّتها كانت التمهيد لولادة الإمام المهدي عجل الله فرجه، والنصّ على إمامته، وتعريف الشيعة به والمحافظة على وجوده والتمهيد لغيبته وربط الوكلاء به والتنسيق لاستمرار الارتباط الّذي أسّسسوه على مدى قرنين ونصف من النشاط المباشر في تربية أتباعهم، وضرورة الانتقال بهم من الارتباط المباشر إلى الارتباط غير المباشر مع حفظ استقلال الكيان الشيعي في الوسط غير الشيعي الذي يهدّد وجودهم..

* إمامة الحسن عليه السلام، ظروفها السياسية
تميّزت فترة الإمام العسكري عليه السلام بدقّة وحراجة الظرف الذي كان يعيشه، حيث كان عليه أن يقوم بكلّ التمهيدات اللازمة خلال هذه الفترة القصيرة من مدّة إمامته والتي لم تتجاوز السّتّ سنوات، عاش خلالها الإمام عليه السلام ظروفاً صعبة نظراً لقيام العباسيّين بمراقبة تحرّكات المعصومين عليهم السلام عن كثب، ومحاولتهم السيطرة على كلّ نشاطاتهم وهم يتوقّعون كسائر المسلمين ولادة المهدي المنتظر من نسل الإمام الحسين بن علي عليه السلام. وقد عاصر الإمام عليه السلام أعواماً عصيبة من الخلافة العباسيّة مع سلاطين مستبدين، اعتلوا عرش الدولة منذ أن قدم سامرّاء مع أبيه الهادي عليه السلام أيّام المتوكّل عام (234هـ). وأهمّ ظواهر هذا العصر هو النفوذ الذي تمتّع به الأتراك والذين غلبوا الخلفاء على زمام إدارة الدولة، فضلاً عن قدرتهم على خلع وتعيين الخلفاء(1). ويمكن إجمال أهمّ مظاهر الحالة السياسية لذلك العصر الذي عاشه الإمام عليه السلام بما يلي:

1ـ تدهور الوضع السياسي للدولة العباسيّة، حيث تمّ استيلاء الأتراك على مقاليد السلطة.
2ـ اللهو والمجون وحياة الترف التي كان يحياها الخليفة وأتباعه.
3ـ حوادث الشغب والفتن التي حدثت في بغداد.
4ـ الحركات الانفصالية في أطراف الدولة نتيجة ضعف سلطات الخليفة، وقد أطلق المؤرخون على هذا العصر: عصر إمرة الأمراء (2).

* الإمام العسكري عليه السلام وحكّام عصره

عاصر الإمام العسكري عليه السلام ثلاثة من الخلفاء العبّاسيين هم: المعتزّ المهتدي المعتمد. أمّا المعتزّ فقد كان مسلوب السلطة ضعيف الإرادة أمام الأتراك.  والمعتزّ هو قاتل الإمام الهادي عليه السلام. وكانت سياسته امتداداً لسياسة المتوّكل في محاربة الإمام العسكري عليه السلام والشيعة. وقد خلعه الأتراك عن الحكم وقتلوه لأنّه منعهم أرزاقهم. أمّا المهتدي العبّاسي، فقد تولى الخلافة بعد مقتل أخيه المعتزّ سنة (255هـ). تصنّع الزهد والتقشّف، لإغراء الناس وتغيير انطباعهم عن الخلفاء العبّاسيّين. إلّا أن هذا الآخر لم يخفف من الضغط والشدّة والقسوة والتهجير والقتل للعلويين. ثمّ عاصر الإمام عليه السلام المعتمد العبّاسيّ، الذي انهمك في اللهو والملذّات، واشتغل عن الرعيّة، وكان ضعيفاً، واقعاً تحت تأثير الأتراك الذين يدبرون أمور الحكم، ويقومون بتغيير الخلفاء. وفي عصره وقعت أحداث مهمّة منها:
1ـ ثورة الزنج.
2ـ حركة ابن الصوفي العلوي.
3ـ ثورة علي بن زيد في الكوفة.

وسار المعتمد على نهج أسلافه، وسعى جاهداً للتخلّص من الإمام العسكري عليه السلام، من خلال قيامه برمي الإمام عليه السلام للسباع حين سلّمه ليحيى بن قتيبة الذي كان يضيّق على الإمام عليه السلام، ظنّاً منه أنّها سوف تقتله. وروي أنّ يحيى بن قتيبة أتاه بعد ثلاث ساعات فوجده يصلّي، والأسود حوله. ولمّا علم المعتمد بذلك دخل على الإمام عليه السلام وتضرّع إليه وسأله أن يدعو له بالبقاء عشرين سنة في الخلافة فقال الإمام عليه السلام: "مدّ الله في عمرك"، فأجُيب وتوفي المعتمد بعد عشرين سنة (3). وهذا كلّه لم يمنع من استمرار تضييقه على الإمام العسكري عليه السلام حتّى ألقاه في سجن علي بن جرين.

* التمهيد لإمامة الإمام المهدي عجل الله فرجه
عمل الإمام العسكري عليه السلام على التمهيد لإمامة ولده المهدي عجل الله فرجه من خلال عدّة أساليب، منها:

أ كتمان ولادة الإمام المهدي عجل الله فرجه
لقد كتم الإمام العسكري عليه السلام ولادة ابنه عجل الله فرجه خوفاً عليه من السلطة الّتي تعلم أنّ المهدي المنتظر هو ابن الحسن العسكري عليه السلام وأنّه المدّخر للقضاء على الظلم وإقامة العدل والانتصار للمستضعفين. والإمام العسكري عليه السلام قد أمر خاصّة شيعته كأحمد بن إسحاق وغيره، حينما بشّرهم بولادته عجل الله فرجه أن يكتموا أمره ويستروا ولادته عن الآخرين، فقال عليه السلام: "ولد لنا مولود فليكن عندك مستوراً وعن جميع الناس مكتوماً" (4). كما أنّ الإمام الحسن العسكري عليه السلام قبيل ولادة الإمام المهدي عجل الله فرجه قد بعث إلى عمته "حكيمة" ليلة النصف من شعبان، وقال لها: يا عمّة اجعلي إفطارك عندي، فإنّ الله عزّ وجلّ سيسرّك بوليّه وحجّته على خلقه، خليفتي من بعدي. قالت حكيمة: فتداخلني لذلك سرور شديد، وأخذتُ ثيابي عليّ، وخرجت من ساعتي حتّى انتهيتُ إلى أبي محمّد عليه السلام وهو جالس في صحن الدار، فقلتُ: جُعلتُ فِداك يا سيّدي، الخَلَفُ ممّن هو؟ قال: من سوسن. فأدرت طرفي فيهنّ فلم أرَ جارية عليها أثر غير سوسن (5). نرى الإمام العسكري عليه السلام كان مع ما اتخذه من إجراءات احتياطية يبشر خلّص شيعته بولادة الإمام المهدي عجل الله فرجه.

ب إخبار خواص الشيعة بولادة الإمام المهدي عجل الله فرجه وعرضه عليهم
وممّن رأى الإمام الحجّة المنتظر بعد ثلاثة أيّام من ولادته علي بن بلال، ومحمد بن معاوية بن حكيم، والحسن بن أيوب بن نوح وغيرهم، فقد قال لهم الإمام العسكري عليه السلام بعد أن عرضه عليهم: "هذا صاحبكم من بعدي وخليفتي عليكم، وهو القائم الذي تمتدّ إليه الأعناق بالانتظار، فإذا امتلأت الأرض جوراً وظلماً خرج فملأها قسطاً وعدلاً"(6). وقد سأل أحمد بن إسحاق الإمام العسكري عليه السلام قائلاً: يا مولاي فهل من علامة يطمئنّ إليها قلبي؟ فنطق الغلام بلسان عربي فصيح فقال: "أنا بقيّة الله في أرضه والمنتقم من أعدائه فلا تطلب أثراً بعد عين يا أحمد بن إسحاق"، فقال: أحمد بن إسحاق: فخرجت مسروراً فرحاً...(7).

ج النص على إمامة المهدي عجل الله فرجه
وغيبته والإشهاد على ذلك. قدِم وفد من أربعين شخصاً من الموالين لآل البيتِ عليهم السلام إلى سامرّاء، وحضروا بيت الإمام العسكري عليه السلام ليسألوه عن الحجّة من بعده وفي مجلسه أربعون رجلاً، فقام إليه عثمان بن سعيد بن عمرو العمري فقال: يا بن رسول الله أريد أن أسألك عن أمرٍ أنت أعلم به منّي. فقال عليه السلام: "اجلس يا عثمان" فقام مُغضباً ليخرج. فقال عليه السلام: لا يخرجنّ أحد، فلم يخرج أحد إلى أن كان بعد ساعة، فصاح عليه السلام بعثمان، فقام على قدميه. فقال عليه السلام "أخبركم بما جئتم"؟ قالوا: نعم يا بن رسول الله، قال: "جئتم تسألونني عن الحجّة من بعدي". قالوا: نعم. فإذا بالإمام المهدي عجل الله فرجه كأنّه قطعة قمر أشبه الناس بأبي محمد عليه السلام، فقال العسكري عليه السلام: "هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرّقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وإنّكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتّى يتمّ له عمر، فاقبلوا من عثمان ما يقوله، وانتهوا إلى أمره واقبلوا قوله، فهو خليفة إمامكم والأمرُ إليه" (8). وقد اشتمل هذا النص بعد التعريف بالإمام المهدي عجل الله فرجه على الإشارة إلى وكالة عثمان بن سعيد العمري لأنّهم لا يرون الإمام المنتظر عجل الله فرجه بعد رؤيتهم هذه له، كما تضمّن النص على إمامته وأنّه الخلف والحجّة بعد الإمام العسكري عليه السلام.

ولم يترك الإمام العسكري عليه السلام فرصة إلّا واستغلّها للنصّ على إمامة ولده والتعريف بأمره وبغيبته، وكذلك التأسيس لنظام الوكالة والنيابة عن الإمام المهدي عجل الله فرجه. عاصر الإمام عليه السلام أعواماً عصيبة من الخلافـــة العباسيّة مع سلاطين مستبــدين، اعتـلـوا عرش الدولة


(1) الكامل في التاريخ، ابن الأثير ج 4، ص 301.
(2) تاريخ الإسلام السياسي، د. حسن إبراهيم: ج 3، ص 26، وما بعدها.
(3) مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب، ج 4، ص 430.
(4) كمال الدين، الشيخ الصدوق، ج 2، ص 434.
(5) الغيبة، الشيخ الطوسي، ص 235.
(6) كمال الدين، م. س، ج 2، ص 308.
(7) م. ن، ج 2، ص 43.
(8) الغيبة، للطوسي، م. س، ص 217.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع