مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أول الكلام: الأذى...في جنب الله

السيد علي عباس الموسوي



عندما يتبنّى الإنسان منهجاً وسلوكاً والتزاماً في حياته، وعندما ينبثق ذلك من الاعتقاد القلبيّ الراسخ والإيمان المحكَم الثابت، فإنَّه سوف يوطِّن نفسه على تحمّل كافَّة التَّبِعَات المترتِّبة على ذلك سواء أكانت من الخير أو من الشرّ بناء على رؤية الناس للصنفين، أو كانت من النفع أو الضرر الذي قد يناله جرَّاء ذلك.

ولو تراجع الإنسان عند رؤيته لهذه التَّبعات والآثار لأنَّها لا تتوافق مع آماله وطموحاته، فإنَّ ذلك يعني أنَّ الإيمان لم يصل إلى حالة الرسوخ في نفسه وقلبه. ولو عدنا إلى قراءة تاريخ بداية الدعوة الإسلاميَّة على يد النبيِّ صلى الله عليه وآله لوجدنا أنَّ هذه الدعوة قامت على أساس أنَّ الإيمان الحقيقيِّ والرَّاسخ في القلوب هو الذي سوف يضمن تحمُّل الأذى الكبير الذي سيلحق بمن يلتحق بهذا الركب، ولذا كانت دعوة النبيّ صلى الله عليه وآله دعوةً خالصةً إلى الحقِّ مع كلِّ ما يلزم من ذلك من تحمُّل الأضرار والتَّبعات السيئة التي يمارسها أعداء هذه الدعوة. ولا يقف الأمر عند تاريخ البدايات في الدعوة الإسلاميَّة، بل استمرَّ في عهد الأئمَّة عليهم السلام، فقد عانى شيعة علي عليه السلام الأمرَّين، وتجلَّى هذا الإيمان الراسخ في أصحاب الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته الذين قدَّموا الأرواح خالصةً ثباتاً منهم على الإيمان وعلى الحقّ. وهذا هو ما يُعاني منه أصحاب الإيمان الثابت في هذا العصر في مختلف بقاع هذه الأرض، فلأنَّهم أهل الإيمان يتعرَّضون للأذى والكيد الشديدين، ولكنَّهم وبسبب إيمانهم هذا يملكون القدرة على مواجهة كل ذلك. هذا المعنى هو الذي وصفته الآيات الكريمة ب- "الأذى في جنب الله". وأسباب نيل الإنسان لهذا الأذى:

1- الإيمان: فقد تحدَّثت آيات كتاب الله عزَّ وجل عن الإيمان حيث يكون سبباً لتحمّل الأذى، ﴿فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّات (آل عمران: 195). فهؤلاء المهاجرون لم يكن لهم من ذنب ومع ذلك فقد أُخرجوا من ديارهم وأوذوا في الله؛ لأنَّهم آمنوا بالله عزّ وجل وبنبيِّه صلى الله عليه وآله.

2- الدعوة إلى الله: عندما يحمل الإنسان همَّ دعوة الناس إلى الله عزَّ وجل، فإنَّ عليه أن يوطِّن نفسه على تحمُّل الأذى في جنب الله، فسيرة الأنبياء عليهم السلام كانت كذلك، وسيرة أئمَّة أهل البيت عليهم السلام كانت كذلك أيضاً، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (الأنعام:34). فقد كُذِّبوا لأنَّهم رسل الله عزّ وجل؛ ولأنَّهم يحملون همَّ الدعوة إلى الله عزَّ وجل. ولكنَّ الله عزَّ وجل دعا الناس إلى تحمّل هذا الأذى وذلك من خلال التمسّك بالأمور التالية:

1- الصبر: فإنَّه الباب الذي يَفتح للإنسان باب الأجر، والحصول على النتائج المرجوَّة من تحمّل الأذى في الله عزّ وجل، ولذا وصف الله عزّ وجل أنبياءه عليهم السلام بأنَّهم صبروا على ما أوذوا.

2- الأمل بالنصر: فإنَّ الوعد الإلهيّ بالنصر لعباده الذين يُؤذَون في سبيله، هو الذي يبعث في نفوس هؤلاء العباد الأمل، ويقوّي في نفوسهم القدرة على مواجهة الأذى وتحمّله.

3- تحمّل المسؤوليَّة وأداء التكليف: عندما يدرك الإنسان أنّه في مقام أداء التكليف الإلهيّ، وأنّه يقوم بما أمره الله عزَّ وجل به، فإنَّه لن يبالي بالأذى الذي سوف يلحق به.

4- استعراض سيرة الأنبياء والأئمَّة عليهم السلام: فالآية الكريمة تذكر وبوضوح سيرة الأنبياء عليهم السلام القائمة على الصبر الذي أدَّى إلى أن ينالوا النصر، وإن اختلفت أشكال هذا النصر. وهذا ما نشهده في سيرة الإمام الحسين عليه السلام الذي جسَّد في مسيرته إلى كربلاء كلَّ مظاهر التحمّل والصبر على الأذى في سبيل الله عزّ وجل، منطلقاً في ذلك من تحمّل المسؤوليّة وأداء التكليف، ولذا كان من آخر كلامه عليه السلام: "هوَّن عليَّ ما نزل بي أنَّه بعين الله". وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع