تعرِّف علوم الإعلام الحديث "الشعار الإعلامي" بأنه "تركيز رسالة ذات مغزى ما في ذهن المرسل إليه في جملة أو عبارة مختصرة واضحة وجاذبة"، أو "توجيه الجمهور باتجاه العبارة الأكثر اختصاراً وجاذبية في المنتج المراد ترويجه".

إنّ مقاربة موضوع "الشعارات" التي أطلقها الإمام الحسين عليه السلام على امتداد الأشهر الثمانية الأخيرة من عام 60 هـ. (639 م) وحتى العاشر من محرّم عام 61 هـ. تاريخ استشهاده الشريف في كربلاء، من وجهة نظر إعلامية تستند إلى المبادئ والأصول التي جاءت بها نظريَّات الإعلام الحديث في الخمسين سنة الأخيرة، لا تخلو من النقص والسطحية في آن، لأنَّ أولويات الخطاب الحسيني بشكل عام والشعارات الحسينية على الخصوص، وبحكم كونه استمراراً للخطاب الإلهي، تختلف عن أولويات الخطاب الإعلامي الوضعي، وإن صحَّ القول بأنَّ العناصر الأولية المكونة لكلا الخطابين، بمعنى وجود رسالة ومرسِل ومرسَل إليه، هي عناصر مشتركة. فأولوية الشعارات الحسينية هي الحق، قوله وتبليغه وتوضيحه والاحتجاج به وتمييزه عن متشابهه، ومن ثم الاستدلال به على ما يجب فعله لإعلاء كلمته وإبقاء رايته وصون حرمه، بصرف النظر عن مدى جاذبيته لدى شريحة معينة من الجمهور الموجه إليه، بل بصرف النظر، في بعض الأحيان، عن الجمهور المرسل إليه في ظرفه الخاص، متخطياً الزمان والمكان المحددين إلى فضاءات كونية مجردة من الزمان والمكان. يقول سماحة القائد الخامنئي "دام ظله": "إن التبليغ والإعلام في العرف العامي عبارة عن جذب الأنظار نحو شيء ما، هذا هو مفهوم الإعلام في عالم اليوم، أي تصوير شيء غير موجود على أنه موجود، أو تضخيم الموجود مئات وآلاف أضعاف حقيقته وعرضه بشكل مزيف. أما التبليغ في الإسلام فيعني توصيل حقيقة التوحيد إلى أذهان الناس وعقولهم... بشكل كامل غير مجزّء ودون زيادة أو نقصان وبعيداً عن الأهواء والرغبات". على هذا الأساس وانطلاقاً من هذه الخلفية، يمكن مقاربة الشعارات التي أطلقها الإمام الحسين صلوات الله عليه على مستوى المضمون والشكل والجمهور المباشر المستهدف.

* على مستوى المضمون
تعددت المضامين التي احتواها الخطاب الحسيني إلى الحد الذي بلغت معه وكأنه – أي الخطاب بحد ذاته- تكثيف وترميز وشعار لكل خطاب الأنبياء والأوصياء عليهم السلام المتصل بالله جلَّ وعلا. إلَّا أن ما يمكننا رصده في هذا الخطاب وتحديداً في المرحلة التاريخية التي تحدثنا عنها، يقع في سبعة عناوين رئيسة متسلسلة على الشكل الآتي:

1- تشخيص الظالم وتبيان ظلمه وتحديد الموقف منه؛ كقوله لمعاوية "... وإني لا أعلم فتنة أعظم على هذه الأمة من ولايتك عليها، ولا أعظم نظراً لنفسي ولديني ولأمة محمد صلى الله عليه وآله علينا أفضل من أن أجاهدك...". (1)

2- إظهار السنن الكونية في صراع الحق مع الباطل؛ كقوله عليه السلام عند خروجه من مكة "... خُطَّ الموت على ولد آدم مَخَطَّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياقَ يعقوبَ إلى يوسف (2)..."، أو قوله لعسكر ابن سعد يوم العاشر "اشتد غضب الله على اليهود حين قالوا عزير ابن الله،...، واشتد غضب الله على هذه العصابة الذين يريدون قتل ابن نبيِّهم". (3)

3- تبيان أهداف النهضة الحسينية وأسباب الخروج من مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله؛ كقوله لأخيه محمد ابن الحنفية حين خرج من المدينة "إني لم أخرج أشراً ولا بَطِراً ولا مُفْسِداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله صلى الله عليه وآله "(4)

4- ذكر مظلومية الإمام الحسين عليه السلام والمصاب الذي سيحل به وبركبه؛ كقوله حين مغادرة مكة "كأنّي بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء...".(5)

5- إلقاء الحجة والاحتجاج على امتداد مسارات ومواقع الارتحال بين المدينة المنورة وكربلاء المقدسة، لا سيما خطابه بجيش عمر بن سعد في يوم العاشر "... راجعوا أنفسكم وعاتبوها فانظروا أيحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي، ألست ابن بنت نبيكم..." (6)

6- خطابه المتعدد لأصحابه وأهل بيته منذ خروجهم معه وحتى التحاقهم بالشهادة. "أما بعد فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي..." (7)

7- المواقف الاستثنائية الخاصة بيوم العاشر من محرم عام 61 ه-.، والتي كانت عباراتها الأكثر وقعاً وحدّة وقوة؛ كقوله "إن الدَّعي ابن الدعي قد رَكَزَ بين اثنتين بين السِّلَة والذِّلَة، وهيهات منا الذلة..."، (8) أو قوله لقيس بن الأشعث "... لا أُعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفر فرار العبيد..." (9)

* على مستوى الشكل
في المقابل نستقرئ الأشكال والكيفيات التي ظهرت من خلالها مضامين تلك الشعارات وعبّر عنها سيد الشهداء عليه السلام، فنجدها على ستة أشكال متعاقبة، هي:
1- كتاب أو رسالة مدوَّنة وموقعة بيده الشريفة، أرسلها إلى أكثر من جهة؛ ككتبه عليه السلام إلى معاوية ومحمد ابن الحنفية وأهل الكوفة ومسلم بن عقيل.
2- آيات من القرآن الكريم كان يتلوها في أكثر من مناسبة وموضع؛ كتلاوته عليه السلام(10) ﴿وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ﴾ (القصص: 22) عند وصوله مكة، أو تلاوته ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ (الأحزاب: 23) عند استشهاد أصحابه الواحد تلو الآخر.
3- دعاء أو مناجاة، نقلها عنه أصحابه وأهل بيته؛ كشكواه إلى ربه عند قبر رسول الله صلى الله عليه وآله، أو دعائه عند رؤية جيش ابن سعد "اللهم أنت ثقتي في كل كرب، وأنت رجائي في كل شدة، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدّة...".(11)
4- أبيات من الشعر كان يستشهد بها في أكثر من مناسبة وموقع؛ كإنشاده حينما وطئت قدماه أرض كربلاء:
"يا دهر أفٍّ لك من خليل
كم لك بالإشراق والأصيل".(12)
5- حوار ثنائي بينه وبين عدد من الأفراد التقى بهم بين المدينة وكربلاء؛ كحواراته مع مروان بن الحكم وعمر بن سعد والحر الرياحي وأخته العقيلة زينب الكبرى عليها السلام وابنه علي الأكبر وأخيه العباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام وغيرهم الكثير.
6- خطاب جماهيري توجه به عليه السلام إلى العدو والصديق في أكثر من موقع؛ كخطابه في مكة، وخطابه في عسكر الحر الرياحي قبل توبته، وخطابه في أصحابه ليلة العاشر، وخطابه يوم العاشر في جيش ابن سعد.

* على مستوى المستهدف
بغض النظر عن شكل الشعار ومضمونه، توجَّه الإمام الحسين عليه السلام بخطابه وشعاراته ووصاياه إلى:
1- رسول الله صلى الله عليه وآله.
2- الإمام علي بن الحسين عليه السلام سليل الولاية وحامل سرها، وعموم أهل بيته من الرجال.
3- السيدة زينب بنت أمير المؤمنين عليه السلام، وعموم بنات ونساء الرسالة.
4- أصحابه الذين قاتلوا واستشهدوا معه.
5- عموم الناس ممن لم يقاتلوا ضده ولا التحقوا بركبه بعذر أو بغير عذر، من المدينة وحتى كربلاء.
6- قادة معسكر الباطل، من معاوية بن أبي سفيان وحتى عمر بن سعد بن أبي وقاص.
7- عموم عسكر الباطل على اختلاف مسؤولياتهم وشأنيتهم.

* استنتاج
ليس بالإمكان العقلي أو العلمي أو العملي الإحاطة بمكنونات وأسرار الخطاب الحسيني الذي واكب السيرة الحسينية الشريفة في تداعياتها الأخيرة، لأسباب هنا لا يوجد مجال لذكرها. وما نحاول استنتاجه وساقنا البحث إليه، هو مجموعة من النقاط المفيدة على المستوى الإعلامي في تطوير الخطابات والشعارات الإعلامية للمجتمع الإسلامي عموماً، ولمجتمع المقاومة في لبنان خصوصاً، وتحديداً في المواضيع الجوهرية والحرجة والمؤثرة في المجتمع على نطاقات واسعة وعامة. وذلك بالاستفادة من المرتكزات والمبادئ التي أرستها شعارات أبي عبد الله الحسين عليه الصلاة والسلام، المستغرقة أبعادها في امتدادات الحق، وبعد إجراء تقاطع متعدد الأبعاد matrix، بين مضمون وشكل ومستهدف الشعارات التي أطلقها سيد الشهداء عليه السلام. هذه النقاط نوردها على الشكل الآتي:

1- حقّانية الشعار وحقّانية موضوعه، واستناده بالتالي إلى حقيقة واقعية ملموسة ومعتد بها.
2- ارتباط الشعار بالخطاب الإلهي، عبر ارتباطه بالقرآن الكريم وكلام الوحي.
3- ارتباط الشعار بالسنن الكونية التاريخية، التي تضع نصابه في سياق الصراع بين الحق والباطل.
4- حجّية الشعار، وتضمنه بشكل أو بآخر الاستدلال والحجة والدليل الذي أدى إليه.
5- تحريضية الشعار (من تحريض)، واستدعاؤه لأخذ الموقف منه وعدم الاكتفاء بالحياد.
6- تركيز الشعار، وتمحوره على فكرة واحدة أساس تكون ركيزة الحدث والمناسبة المرتبطة به.
7 - إطلاق الشعار، وعدم تقييده بالزمان والمكان والجمهور المستهدف.
ونختم بالآية الكريمة الّتي هي خلاصة شعارات الأنبياء والأوصياء وخلاصة شعارات كربلاء إذ يقول عزّ من قائل: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَ اللهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً﴾ (الأحزاب: 39)

_{* مدير عام " رسالات " (الجمعية اللبنانية للفنون)
(1) جواهر التاريخ، الشيخ علي الكوراني، ج3، ص 386.
(2) مثير الأحزان، ابن نما الحلي، ص 29.
(3) الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 223.
(4) شرح إحقاق الحق، السيد المرعشي، ج 11، ص 602.
(5) مثير الأحزان، ص 29.
(6) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج45، ص 6.
(7) الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص 91.
(8) مثير الأحزان، ص 40.
(9) مثير الأحزان، ص 37.
(10) بحار الأنوار، ج 44، ص 322.
(11) لواعج الأشجان، السيد محسن الأمين ص 123.
(12) الأمالي، الصدوق، ص 221.}