مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مجتمع: لماذا "أمة إقرأ" لا تقرأ؟

نبيلة حمزي



يُحكى أنّ رجلاً فقيراً وضع تحت تحدِّ قاس عندما تشارط مع صديقه الغني أن يعطيه جميع ثروته إن تحمّل البقاء في السجن لمدة 15 عاماً كاملاً. سَجَنَ الرجل الغنيُّ صديقه الفقير في قبو منزله، ولم يقدّم له إلا الطعام ومنع عنه جميع أنواع التسلية. هذا الرجل الفقير لم يطلب سوى كتب ليقرأها. وبدأ رحلة سجن، بل رحلة مطالعة استمرَّت 15 عاماً.

وبعد أن انقضت هذه المدَّة واقترب موعد خروجه، خرج الرجل الفقير متعمِّداً قبل انتهاء المدة المحددة بدقائق قليلة. تعجب صديقه من خروجه غير المتوقَّع فسأله: لماذا فعلت هذا يا صديقي؟ أجابه الرجل الفقير: حتى لا آخذ ثروتك فقد كسبت من خلال سجني، ثروة لا تضاهى بأموال الدنيا كلها، كسبت "حبَّ المطالعة". ربَّما لا تكون هذه القصة حقيقية إلا أنَّها تحمل في طياتها حقيقة "أهميّة المطالعة في حياة الإنسان". وعلى الرغم من أنّ أمّتنا في حالة غفلة عن أهمية المطالعة إلا أنّنا التقينا عدة أشخاص تحدّثوا عن رحلتهم مع المطالعة وهم يعكسون وجهة نظر شريحة من الناس أقبلت على المطالعة وأدركت أهميتها.


* القرآن غرس فيّ حب المطالعة

يقول الحاج محمّد فقيه (70 عاماً): لا أذكر متى بدأت المطالعة لكن ما أذكره أنّ وعيي نما والكتاب في يدي. بداية كنت أقرأ القرآن الكريم ومع مرور الأيام بدأت أسعى لأفهم ما يحمله القرآن من معانٍ وعِبَر ما دفعني لمطالعة أي موضوع يقع تحت نظري. وأنا الآن أحاول أن أنقل حبَّ المطالعة لا لأولادي فقط إنَّما لأحفادي وذلك عبر تشجيعهم على القراءة. وأظن أنّ هذا الإرث لا يستبدل بأموال الدنيا.

* زواجي لم يمنعني من المطالعة
تقول السيدة هدى دياب (37 عاماً): بما أنَّني ربَّة منزل فإنَّ حياتي الزوجية دفعتني لمتابعة رحلتي مع المطالعة والتي بدأت وأنا في سنِّ الرابعة عشرة، وقد كان لاستمراري في المطالعة أثر كبير في حل المشاكل التي واجهتني، كتربية الأطفال، والتعامل مع زوجي والجيران.

* صدّق أو لا تصدِّق!
إذا كانت هذه هي فوائد المطالعة فما الذي يحدث في أمتينا العربية والإسلامية؟
قد لا يصدق بعضنا أنَّ المواطن العربي يقرأ 6 دقائق في السنة، وفي الوطن العربي يصدر كتاب لكلِّ 350 ألف مواطن، بينما يصدر كتاب لكلِّ 15 ألف مواطن في أوروبا، وقد رأى مثقَّفون عرب أنَّ هذه الإحصائية التي نشرتها الأونيسكو مبالغ فيها لكن المكابرة لا تجدي نفعاً. وبالمقارنة مع الغرب الذي سلب منَّا مفتاح الحضارة نجد أنّ مناهج التربية علّمت الفرد منذ طفولته كيف ينظّم وقته ما بين الجدّ واللهو فترى الصغار والكبار يقرأون في الحافلة، وفي عيادة الطبيب، والأم والأب كذلك ينظِّمان برنامجاً أسبوعياً لأولادهما يتضمَّن زيارة إلى إحدى المكتبات العامة، والجدة تقصُّ الحكايات للصغار وتسألهم عما حوته القصة ليتربوا على جوٍّ ينمو فيه حب المطالعة حتى تصبح حاجة أساسية لا غنى عنها كما وجبات الطعام.

* ليس عندي دافع للمطالعة
تقول آلاء ديب (15عاماً) وهي طالبة في صفِّ الأول الثانوي إنَّها لم تنجذب يوماً إلى المطالعة ما عدا بعض الموضوعات الخفيفة، فهي تعتبر أنَّ ضغط الدروس يمنعها من المطالعة. كذلك يعلِّل محمد رشيد وهو طالب جامعي (22عاماً) بأنَّه لا يملك الدافع القوي للمطالعة مع أنَّه يحبّ الدرس كثيراً، ويؤكِّد على أنّ عدم تربية الأهل للأولاد وتنشئتهم على حبِّ المطالعة هو سبب جوهري في بُعد هذه الأجيال عن المطالعة.

* مقابلة مع مدير مركز الإمام الخميني الثقافي
ولمعرفة الأسباب الحقيقية التي تمنع عن المطالعة، والحلول التي تعيد مجتمعنا إلى المطالعة، قصدنا مدير "مركز الإمام الخميني الثقافي" الدكتور أمين الساحلي حيث أجابنا عن العديد من الأسئلة.

س: بداية لماذا أمّة "إقرأ لا تقرأ"؟
ج: كثيرةٌ هي الأسباب التي تُبعِد أمَّتنا أو تبرِّر بُعدَها عن المطالعة. إلا أنَّ المانع الرئيسي يكمن في عدم وجود الدَّافع، وبلغة أوضح، السيطرة السياسية الغربية التي تعمل يوماً بعد يوم للمزيد من بسط سلطتها محاولة إغراق مجتمعاتنا في ظلام الجهل لدرجة يصل الناس فيها لاعتقاد أنه لا جدوى من المطالعة وتحصيل المعرفة.

س: إذاً، ما هي الحلول المناسبة والتي يمكن أن تطبق على مجتمعنا؟

ج: من المستحيل أن نجعل من مجتمعنا مجتمعاً مطالعاً – فجأة - فهذا الأمر يحتاج إلى جهود كثيرة. والخطوة الأبرز والأهم هي العمل على الأطفال لجعلهم مجتمعاً مطالعاً وقارئاً مستقبلياً. وإنّ لأسلوب الترفيه والتسلية الذي يحمل في طياته غرس حبِّ المطالعة لدى الأطفال عاملاً أساسياً في نجاح هذه المهمَّة التي تقع على عاتق الأهل والمدرسة، فجوّ أسرة مطالعة يشجّع الأولاد على القراءة، أمّا في المدرسة فإنَّ في تخصيص أوقات للمطالعة وتشجيع الطلاب على المطالعة الحرَّة الخارجة عن حدود المقرَّر الدِّراسي دوراً كبيراً في تعزيز الميل لتنمية حبِّ المطالعة لديهم.

س: ماذا عن الكبار؟
ج: أمَّا بالنسبة للكبار فهناك عدَّة خطوات:
- معرفة أهميَّة المطالعة وتأثيرها الإيجابي في حياة الإنسان. فالمطالعة تحقِّق طموحاته وتطلّعاته، فمن يرغب في كسب الأصدقاء يعمد إلى قراءة كتب في مبادئ العلاقات الإنسانية.
- القراءة في أوقات الفراغ، فلتحصيل الرغبة في المطالعة يحبّذ أن نصطحب كتاباً ونحن ننتظر في المستشفى أو عيادة الطبيب.
- التدرّج في القراءة: علينا أن نبدأ بقراءة الكتب الصغيرة والسهلة ثمّ ننتقل تدريجياً إلى الكتاب الأكبر والأصعب شيئاً فشيئاً، هذا بالإضافة إلى أنَّه يجب أن لا نضغط أنفسنا في قراءة كتاب واحد وخصوصاً إن كان كبيراً وصعباً، فبإمكانك تركه جانباً للحظات لتقرأ قصيدة من كتاب شعر أو قصة صغيرة، لنتجنب الملل أثناء القراءة.
- تنظيم الكتب في مكتبة المنزل، فلوضع الكتب وعرضها بشكل لافت للنظر تأثير إيجابي لتصفحها.

ويبقى العامل الأساسي، الإيمان بالذّات وبقدرات هذه الذّات. فأمتنا قوية وعلى أكتافها بُنيت حضارات العالم وإن الاستمرار بالاعتقاد أن ذاتنا ضعيفة ولا تقوى إلا إذا لحقنا بالغرب وظللنا نقدِّس نظرية التشابه معه فمن المستحيل أن ننجح في أيِّ مشروع نريد الوصول إليه. ومن هنا فإنَّ الأسباب التي عبرها نبرِّر ابتعادنا عن القراءة كضيق الوقت، والحالة الاقتصادية، والتطور التكنولوجيّ، وشكّل الكتاب المقروء أسباب غير حقيقية، فمن منّا ليس لديه أوقات فراغ؟ فلماذا لا يستغلها بالقراءة، ومن منا لا يستطيع أن يستعير كتاباً من صديقه أو جاره؟ ألا توجد مكتبات مجانية في المساجد؟ فلماذا لا يرتادها أحد؟ فلنضع نصب أعيننا أنَّ محتوى الكتاب هو ما نبتغي الوصول إليه وليس شكل غلافه وأوراقه، وإن لم نؤمن بذاتنا فمن المستحيل أن ينجح الأهل وتنجح المدارس والجمعيَّات في الوصول إلى هذا الهدف لأنَّ فاقد الشيء لا يعطيه.

س: ما هي نصيحتك للأشخاص المطالعين؟
ج: 1- الصّدق، وأشدِّد على هذه الكلمة، لأنّ على الإنسان المطالع أن يكون صادقاً مع ذاته في عملية المطالعة. وليس المهم أن نقلِّب صفحات ونختم دواوين بدون استيعاب، وإذا لم نفهم أثناء القراءة يجب أن نتوقف لنسأل ونفهم ثم نتابع.
2- التنوّع في القراءات، فالشخص المطالع يجب أن يكون كالنحلة المتنقِّلة من زهرة إلى زهرة لتحصيل المزيد من الرحيق، فكلّ وردة جديدة بقدر ما هي كشف جميل وسرور جديد هي رصيد إضافي يقوي دافع الإطلاع والبحث عن وردة جديدة ومعانٍ جديدة وأجوبة جديدة عن الأسئلة الجديدة.
3- تشجيع الأشخاص الآخرين على المطالعة من خلال تعريفهم أهميَّة المطالعة وفوائدها في تحسين حياة الإنسان هذا بالإضافة إلى مساعدة الأشخاص المقبلين على المطالعة عبر تعليمهم كيفية اختيار الكتب المناسبة للبدء والطرق الصحيحة للقراءة.

أيا أمة نزلت على نبيها أول آية ﴿إقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، ألم يحن الوقت لنعيد مفتاح الحضارة الذي أعرناه للغرب؟ وهل من وقفة مع أنفسنا ننظر فيها إلى ماضينا العريق؟ وهذا لا يعنى العودة إلى الوراء، إنما استرجاع ما تاه عنا ونحن في غفلة عن أمتنا، وأيدينا مفتوحة لتتلقى ما لا ينفع ولا يجدي من غرب استمد من ماضينا تطوّره. ألم يحن الوقت للمطالعة؟

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع