إعداد: زينب البزّال
تطالع الإنسان في حياته اليومية عقبات وعثرات ناجمة عن تقلّب الأوضاع الاجتماعية
والسياسية والمعيشية بشكل عام. هذا الواقع يجعل منه رهين ضغوط نفسية تتلاعب
بأعصابه، فيعاني من توتر أو اكتئاب، وقد يشكو، في أحيان أخرى، من آلام لا تحتمل في
الرأس بحيث تعجز المسكّنات المتداولة بين أيدي الناس عن التخفيف من حدتها، وقد
يتوسل الأدوية المهدئة للأعصاب سبيلاً، علّه يستفيق على ربيع يوم جديد خال من أعباء
الحياة المتراكمة.
فما هي الأدوية المهدئة للأعصاب؟ وما هي دواعي استعمالها؟ وهل هي الحل الناجع
للمشاكل التي يعاني منها غالبيّة الناس؟ ولماذا لا تعطى دون وصفة طبية؟
هذه الأسئلة حملناها للدكتور "صالح سبيتي" الأخصائي في أمراض الدماغ والجهاز العصبي
لمعرفة رأي الطبّ في الموضوع.
* الأدوية المهدئة والتفسير العلمي
يذكر الدكتور "صالح سبيتي" أن أدوية الأعصاب عموماً هي التي يكون موضع تأثيرها المباشر الجهاز العصبي المركزي: الدماغ. وقد يعمد الطبيب المختص إلى وصفها في حالات عديدة، كالاكتئاب، والهلع الشديد، واضطرابات النوم، وحالات الألم المزمن في الرأس "الشقيقة"... إلا أن هذا التقسيم لا ينفي ولا يمنع التداخل بين هذه الأدوية من حيث النتائج والأعراض الجانبية الناجمة عن تعاطيها.
وعليه، فإنّ الغرض من الأدوية المهدّئة للأعصاب إحداث حالة من الهدوء والسكون لدى الشخص الذي يعاني من اضطراب في الجهاز العصبي، فيضطر المريض للنوم عند استعمالها. وفي أحيان أخرى قد تسبب الخمول والكسل، ذلك أن جهود العلماء لم تتوصل بعد إلى عقار انتقائي يؤمن النتائج المرجوة منه من دون أعراض جانبية واضحة.
وفي التفسير العلمي يشير الدكتور "سبيتي" إلى أن أي خلل في منظومة المورفينات (أسيتيل كولين والديبامين...) وهي ما تسمى بشبكة الوسائط الكيميائية، تُهيّئ الأرضية للاضطرابات الوظيفية في الدماغ، الذي يحافظ على تركيبته الداخلية والخارجية، بينما يقع الخلل في أصل عمل الخلية ذاتها حسب ما يؤكده العلماء. وهنا يكمن دور الأدوية المهدئة التي تحاول إعادة تنظيم عمل شبكة الوظائف الكيميائية.
* هي الأكثر تداولاً
أكّدت دراسة علميّة أوروبيّة حديثة أنّ الأدوية المهدئة للأعصاب هي الأكثر مبيعاً على الصعيد العالمي على الرغم من أنّ شراءها ممنوع في العديد من الدول من دون وصفة طبية، إلّا أنّ القليل منهم يلزم صيدليّاته بهذا القانون، ما يجعل التناول العشوائي للمهدّئات ظاهرة شائعة بقوة، خاصّة في العالم العربي.
وقد أكد الدكتور "سبيتي" أنّ عموم أدوية الأعصاب بكافة تفريعاتها يفترض أنّ لا توضع في التداول بعيداً عن الإشراف الطبي، إلا أنّ العرف في لبنان جرى على حظر تداول الأدوية المهدئة فقط لما يمكن أن تحدثه من إدمان.
* تأثير الإدمان على الجهاز العصبي
يتحقق الإدمان بتوافر شرطين مهمين هما: احتياج المريض إلى جرعات متزايدة من العقار الطبي لتحقيق الأثر المرجو ذاته مع مرور الزمن، أضف إلى أنّ إيقاف الدواء قد يسبب أعراض الحرمان بحيث يصاب من أدمن على تعاطيها بنوبات صرع خاصة إذا كان يتناولها بكمية كبيرة، أو قد يشكو في أحيان أخرى من عودة الأعراض التي كان يعاني منها كالقلق الشديد، ويُصبح غير قادر على العيش بصورة طبيعية، فالجهاز العصبي يكون قد اعتاد على أن يتناول ويستقبل هذه المواد المهدئة، ودونها لا يستطيع أن يقوم بوظائفه اليومية في شتّى جوانب الحياة...
وقد يلعب بعض العوامل دوراً في حدوث حالة الإدمان، منها: الحالة النفسية للمريض والاستعداد الجيني، ذلك أنّ الطريق الذي تتحرك فيه الأدوية تختلف من شخص لآخر بحيث تجد قابلية جينية عند بعض الأشخاص لحدوث إدمان على بعض الأدوية قد لا تؤثر نفس التأثير في غيرهم من الأشخاص.
وينصح الدكتور "سبيتي" بالابتعاد عن التناول المفرط لجرعات من الأدوية المهدئة مهما تفاقمت الحالة العصبية لدى المريض، ويُفضَّل في مطلق الحالات استشارة الطبيب المختص.
* الإنسان طبيب نفسه
قد يعاني بعض الأشخاص من تشنّجات عصبية تستدعي علاجاً لمدى العمر، وفي الوقت عينه يعتقد الاختصاصيّون في الطب النفسي أنّ تناول هذه الأدوية قد لا يكون ملحَّاً أو ضرورياً في العديد من الحالات، إذ يمكن الاستعاضة عنها بتدريب الشخص على تهدئة نفسه بنفسه من خلال:
1 - تبديل الأفكار المقلقة بأفكار جميلة.
2 - الابتعاد عما يؤذي المخيّلة ويعكّر المزاج.
3 - ممارسة الهوايات (الرياضة البدنية، وصقل المواهب).
4 - اللجوء إلى جلسات استرخاء مع المحلل النفسي.