(مهداة إلى الشهيد ذو الفقار عزّ الدين)
قد جئت أبحث بين الركام. نفضتُ الغبار عن كل المباني المدمّرة. لم أترك حجراً إلّا
قلّبته ونظرت تحته.
أين الرأس المحزوز؟ أين الثغر الباسم لرؤية السكين؟
أين ذبيحُ الغوطة؟
تُجيب "دوما" و"حرستا"، لماذا تطلب الحيّ بين الأموات؟ ما احتضن ترابُنا أحداً
كالذي وصفت.
قد جاؤوا في ليلةٍ مشؤومةٍ، بجريحٍ رأيناه يرشح رحمةً بين وحوش غابةٍ قد اجتمعت
عليه. كلٌّ يريد الفوز برأسه، ولا أحدَ يجرؤ على التقدّم. حتّى إذا ما اقترب منه
شمرٌ وشهر السكّين، تبسّم له، فتراجع.. ثم تقدّم الشقيّ مجدّداً، ولمّا رفع نصلَه
لمع البرق على الصفيح فرأى فيما رأى عينين لم يقوَ على النظر فيهما.. لكنّه لم
يتراجع.
الأمّ الحزينة في "صور" انتبهت من نومها فزعةً.. رأت فيما رأت قمراً منيراً مرفوعاً
على رمحٍ وجسداً طريحاً على الأرض، دون غسلٍ أو تكفين.. شربت نقطةَ ماءٍ وأرخت
دمعتين لا ثالثة لهما، سألها زوجها: ما رأيتِ يا امرأة؟ فقالت: ما رأيت إلّا جميلاً.
ختم تراب "دوما" الكلام فقال: وبعد ذلك لم نعلم عنه شيئاً.. صار مفقود الأثر، لكنّ
بستاناً كان يابساً منذ زمانٍ بعيدٍ أورق من جديد. هناك الجوّ يتضوّع بالطيب وزهر
الليمون على مدار العام.. لعلّه يرقد هناك.
ولمّا سألتُ البستان أجاب: نعم هنا ذبح القوم "ذو الفقار"، أرادوا قتله في أرضٍ
ميّتةٍ، لكنّ دمه، ما مسّت نقطةٌ منه جذعاً إلّا اخضرّ، أرادوا قبره صحراءَ فاستحال
روضةً.
سألت عن القبر، فقال البستان: أنّى لكم أن تعثروا عليه؟ ومنذ متى ينزل الشهيد تحت
التراب؟.. ثمّ أشار إلى ناحيةٍ، وقال: من هنا رُفع إلى السماء.
هنا الغوطة.. هنا ذو الفقار عزّ الدين.
محمّد لمع