آية الله العظمى ناصر مكارم الشيرازي
* الحل الإسلامي:
لا يمكن البحث عن حل ودواء للتوزيع العادل للثروة الذي يعذب جسم البشرية وروحها في
عالم المادة، لأن التفكير المادي لا يسمح بذلك، ولكن الإسلام يقدم العلاج الناجح
لهذا المرض الأليم وغيره من الأمراض التي تعاني منها البشرية ويتمثل: بأنه يجب دمج
المبادئ الأخلاقية في المسائل الاقتصادية ومنع مفهوم الاقتصاد بلا أخلاق. نعم إذا
تم تحكيم الأخلاق في مختلف طبقات الاقتصاد، أي من إنتاج البضاعة وتوزيعها
واستهلاكها، وكانت هذه المراحل مندمجة في المبادئ الأخلاقية، فإنه لا شك بأن
المسافة الفاصلة بين الفقراء والأغنياء سوف تتقلص يوماً بعد يوم، وسوف يتم توزيع
الثروة بشكل عادل بين جميع الناس، وإليكم بعض النماذج من التعليمات الإسلامية في
هذا المجال:
1- التأكيد على الرزق الحلال:
يقول رسول الله صلى الله عليه وآله: (العبادة سبعون جزءاً وأفضلها جزءاً طلب الحلال)(1)،
فهل يسعى عالم اليوم إلى الرزق الحلال؟ أبداً.
أ- تجارة الأسلحة:
يقول الإسلام: كل ما يؤدي إلى الإضرار بالمجتمع البشري، فإنه يحرم إنتاجه وتوزيعه،
وحفظه، وشراؤه وبيعه، واستهلاكه، وكذلك يحرم كل نشاط يؤدي إليه. ولكن اليوم نلاحظ
أن أهم وأكثر التجارات في عالم المادة من حيث الدخل هي تجارة الأسلحة المميتة التي
حرّم الإسلام إنتاجها أو شراءها وخزنها، فلو منع عالم اليوم، طبقاً للأحكام
الإسلامية، تجارة مثل هذه الأسلحة، فإنه سوف يتم الوقوف أمام قسم مهم من التراكم
غير المشروع للثروة.
ب- تجارة المخدرات:
أما التجارة الثانية من حيث الدخل المادي فهي تجارة المواد المخدرة. من المنظور
الإسلامي، فإن كل شيء نتيجته محرمة تكون مقدّماته محرمة أيضاً. وإن الثروات
المتراكمة عند بعض الأشخاص من أغنياء العالم هي نتيجة هذه الأعمال المحرمة. ولا شك
أن محاربة مثل هذه الظاهرة، تؤدي إلى تقليل المسافة الفاصلة بين الأغنياء والفقراء.
2- تحريم إيجاد الأسواق السوداء:
جاء أشخاص إلى الإمام الصادق عليه السلام، وقالوا له: يا ابن رسول الله! لقد أعددنا
قافلة للتجارة وبيع بضائعنا ونتوجه بها إلى مصر مع أصدقائنا التجار، وقبل الدخول
إلى مصر سألنا بعض المسافرين الذين يريدون الخروج من ذلك البلد عن الفرصة
الاقتصادية لبيع مثل هذه البضائع التي في حوزتنا، عندها علمنا بأن السوق هناك تحتاج
بشدة إلى البضائع التي معنا، ولذا اتفق جميع تجّار القافلة على بيع تلك البضائع
التي معنا بأسعار عالية، فلا نقبل ببيعها بأقل من ذلك المقدار المعيّن من الربح،
وقمنا بذلك وحققنا أرباحاً هائلة فما حكم عملنا ذلك؟ فقال عليه السلام: لقد ارتكبتم
حراماً(2)، فلا ينبغي للمسلمين أن يقيموا أسواقاً سوداء، وإذا احتاج الناس بضاعتك
فلا ينبغي لك أن ترفع قيمتها. وللأسف فإن هناك عدداً من الدول الأوربية تقوم بإلقاء
كميات كبيرة من المواد الغذائية في البحر، حتى لا يكسروا من قيمة تلك البضائع! إن
الإسلام بتحريمه مثل هذه النشاطات يردع تراكم الثروات غير المشروعة الناجمة من
السوق السوداء.
3- تحريم الربا:
إن الربا أهم مصادر دخول مصارف العالم المادي، لأن آكل الربا يحصل على ربح خاص ولا
يهمّه الضرر الذي يحل بطالب القرض، إذ يجب على طالب القرض تحت أي ظرف من الظروف أن
يعيد ما استقرضه من الفائدة حتى لو تضرّر من ذلك، بل أحياناً تضاف إلى ذلك أيضاً
أرباح مضاعفة وغرامات تأخير، وعند عدم القدرة على الدفع يقومون ببيع سنداته،
ويحصلوا على مطالباتهم. لذلك تزداد ثروات المرابي يوماً بعد يوم ويتزايد رأسماله
وأمثاله يوماً بعد يوم ويزداد المقترضون فقراً يوماً بعد يوم بل تُدّمَّر حياتهم
نتيجة لذلك. لقد حرم الإسلام مثل هذا النشاط غير المشروع لأن المرابي لا يقوم بأي
عمل إيجابي، وهو يفكر في كل الظروف بزيادة ثروته ورأسماله بأي شكل من الأشكال، وإن
البنك العالمي بمثل هذه القروض الربوية التي تصل فيها الفائدة على كل دولار واحد
عشرة أمثاله، يقوم هذا البنك بإذلال الشعوب المستضعفة.
4- تحريم الرشوة
لا ريب أن الارتشاء قد يروج في المعاملات والصفقات الهامة تحت عناوين متعدّدة مثل:
العمولة والهدية وغير ذلك من العناوين البسيطة. والكثير من الشحنات النفطية
الصناعية والأسلحة وأمثالها لا يمكن أن تصل إلى مقاصدها بسهولة إلاّ عن طريق الرشا
والسمسرة حيث يقوم المرتشون والسماسرة بإعداد تراخيص نقل هذه البضائع. وهذا الأمر
قبيح جداً وهو أحد عوامل تجميع الثروات وزيادة المسافة الفاصلة بين الطبقات. وقد
حكم الإسلام على الراشي والمرتشي بالنار، فقد ورد في الحديث: (الراشي والمرتشي في
النار)(3).
5- الغش في المعاملة:
نشهد في عالم اليوم الكثير من المصانع التي تقوم بإنتاج البضائع وتختم عليها شعارات
وعلامات دول أخرى لكي تسهل بيعها، وهذا الأمر يعتبر غشاً في المعاملة، والإسلام
حرّمه، فقد ورد في الحديث الشريف: (إن الغش لا يحلّ)(4).
6- القنوات الفضائية والمواقع المفسدة على الانترنت:
عمّ الفساد والإفساد في عالم اليوم عن طريق الأقمار الصناعية ومواقع الانترنت،
وأخيراً عن طريق الهواتف النقالة، حتى انطبق على عالم اليوم الحديث المعروف: (كما
ملئت ظلماً وجوراً)(5). وقد عكست الإحصاءات التي نشرت أخيراً من قبل بعض المسؤولين
المطلعين على هذا الأمر، أن الأسر الإيرانية تشاهد عن طريق الأقمار الصناعية
والصحون اللاقطة 1700 قناة تلفزيونية من بينها عدد محدود لا يتجاوز أصابع اليد مختص
بالمسائل العلمية والإخبارية، أما باقي تلك القنوات بشكل عام فيحوي برامج فاسدة
يمكن وصفها بأنها مخجلة وتخدش الحياء، فكيف إذا تم بثها ومشاهدتها! إن هذه البرامج
القبيحة تؤدي إلى تدمير الأسر وتعليم السرقة والفحشاء وبيع الأجساد والمثلية وأمثال
ذلك وتنقل الفساد إلى مشاهديها. وإن مثل هذه الأقمار الصناعية والمواقع الفاسدة،
وبغرض الحصول على دخول أكثر، فإنها تجر العالم إلى الفساد. ومن الغريب أنه عندما
تصدر فتوى بتحريم مثل هذه الوسائل المفسدة والمنتجة للمعاصي، فإنه تتم مواجهتها من
قبل بعض الأشخاص الجاهلين بأنها مخالفة للحرية. ولذا أوصي الآباء والأمهات ألا
يهيئوا أرضية الفساد والإفساد بأيديهم لأسرهم ولأنفسهم عبر وسائل وأدوات تؤدي إلى
الشقاء والعار لهم، بل يجب عليكم أن تراقبوا أكثر فأكثر أولادكم الذين هم أمانة
إلهية بين أيديكم.
7-
كنز الثروات ممنوع:
يقول تعالى في الآية (34) من سورة التوبة حول من يكنزنون الثروات ما يلي:
﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ
وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ
أَلِيمٍ﴾.
إذ إن تلك الدراهم والدنانير التي تم كنزها تصهر يوم القيامة وتوضع على جباه وظهور
وأكتاف من قاموا بكنزها.
س- سؤال: ما المقصود من كنز الثروة؟
ج- جواب: ذكر المفسرون في هذا المجال احتمالات متعددة(6) نشير إلى نموذجين منها:
1- إن المقصود من ذلك عدم دفع الزكاة وسائر الحقوق الشرعية، لذا فإن من يقوم بدفع
زكاته وسائر حقوقه الشرعية ليس ممن يكنز الثروة مهما بلغت أمواله.
2- لا يكفي دفع الزكاة وسائر الحقوق الشرعية الواجبة، لأنه إذا أصبح المجتمع فقيراً
ومحتاجاً ولم تلبِّ الزكاة وسائر الحقوق الشرعية الأخرى حاجات المجتمع، عندها يجوز
للحكومة الإسلامية أن تحدد مستوىً معيناً لثروات الأفراد، بحيث يعدّ ما فاض عن ذلك
كنزاً للثروة ينبغي تعديله وإصلاحه، ثم إن استخدام الثروة بهدف الإنتاج وتأسيس
مراكز المساعدة وأمثال ذلك لا إشكال فيه، ولكن المهم أن لا تبقى تلك الثروات خارج
عجلة الاقتصاد ومحصورة بالادّخار فحسب(7).
8- الربح بشكل عادل:
قال الإمام الصادق عليه السلام لغلامه: (لقد زادت مخارجنا وتكاليفنا، فخُذ هذا
الكيس من المال وفيه ألف دينار وتاجر به حتى نصرف أرباحه على مخارجنا وتكاليفنا،
فأخذه الغلام وأعدّ منه مالاً للتجارة وسافر مع قافلة إلى مصر ورجع بربح كبير،
وقدّم كيسين من المال في كل واحد منهما ألف دينار للإمام عليه السلام وقال: إن
الألف الأولى هي أصل المال والألف الثانية ربحه، فردّ عليه الإمام بتعجب وغضب قائلاً:
هل أخذت من الناس ربحاً بمقدار مئة في المئة! ثم أخذ أصل المال وأرجع الربح)(8).
نعم يدعو الإسلام إلى وجوب العدل في الربح أيضاً، في حين نلاحظ في عالم اليوم أن
هناك بضائع يقدّر ثمنها بمئة دولار عند عَبَدة المادة ولكنهم يبيعونها بعشرة أضعاف
أو خمسين ضعفاً، وهذا الربح غير العادل من عوامل زيادة الهوّة بين الطبقات. عليه
فإن الإسلام عبر دمجه الأخلاق بالاقتصاد، وطرحه لما ينبغي وما لا ينبغي من الناحية
الاقتصادية فإنه قام عملياً بتقليل منابع توليد الثروات غير المشروعة التي تؤدي إلى
التوزيع غير العادل للثروة، وأقفل الطريق أمام تلك الأمور حتى يتم توزيع الثروة
بشكل عادل بين جميع طبقات المجتمع.
1- سفينة البحار، ج2، ص318.
2- بحار الأنوار، ج47، ص59، حديث 111.
3- ميزان الحكمة، ج4، ص1467، الباب 1511، الحديث 7267.
4- ميزان الحكمة، ج7، ص2992، الباب 3062، الحديث 14949.
5- ميزان الحكمة، ج1، ص247، الباب 252، الحديث 1244.
6- تفسير الأمثل، ج7، ص394.
7- مجمع البيان، ج5، ص47.
8- ميزان الحكمة، ج2، ص902، باب 937، الحديث 4293.