نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الإدارة المدرسية أساس في العملية التربوية

د. حسن سلهب



لا تزال الإدارة المدرسيَّة تحتفظ بدورها كمحرِّك رئيس للأعمال المدرسيَّة، ولا يزال مدير المدرسة يشكِّل العنصر الأكثر تأثيراً في مستوى المدرسة ورؤيتها المستقبلية، وذلك بالرغم من كلِّ الأفكار القيِّمة حول الدور الحاسم للمعلم والتلميذ.

1- نتائج التلامذة وسلوكياتهم محور اهتمام الإدارة المدرسية
نعم هناك تبدلٌ في المضمون، وتعديلًٌ في بعض المحتوى، من دون أن يطال ذلك قوَّة التأثير، أو حجم الأهميَّة. فعلى سبيل المثال لم تعد مهمَّة ضبط النِّظام وتطبيقه في رأس أولوياته، كما لم تعد حالة المدرسة وهيبتها أحد همومه ومشاغله اليومية. لقد غدا مدير المدرسة اليوم أكثر انهماكاً بالأهداف، وأعمق توغلاً في النتائج المرجوة للمدرسة. فقدرته على التأثير يجب أن تتركَّز في المجال الأكثر حيوية بالنسبة للمدرسة، أما الأمور التي يمكن أن نسميها مقدِّمات، فلا مانع من اعتبارها مهام رئيسة لأشخاص إداريين أو تربويين في المدرسة. بهذه الطريقة يغدو تطبيق النظام مسؤولية الإداري في المدرسة، وتحصيل الأقساط مهمة المالي فيها، من دون أن يعني ذلك ابتعاداً للمدير عن دوره كمشرف على كلِّ مهمة من المهام التي تقوم بها المدرسة. فإذا كانت أهداف المدرسة تكمن في تحقيق مستوى علمي متقدِّم، وتوفير بيئة تربوية مؤثِّرة، فإنَّ مهام المدير تكمن في صميم المستوى المطلوب، وفي قلب البيئة المرجوة. فالنتائج الدورية للمتعلِّمين واحدة من أبرز يومياته، والقيم التي تتحكَّم بسلوكياتهم شغله الشاغل على مدار الساعة، فلا يثنيه شيء عن متابعة أخبار هذين الأمرين، ولا يوفِّر جهداً في سبيل تطوير أوضاعهما على الدوام. للمدير مشاغل أخرى، لكن بالإمكان تأجيلها، وتفويضها، وربَّما التضحية بها، لمصلحة هذين الأمرين اللذين يختصران رسالة المدرسة ورؤيتها المستقبلية.

2- إدارة الموارد البشرية
انطلاقاً مما تقدم، وبما أنَّ الإدارة في الأساس عمليَّة استثمار للموارد الموجودة، فإنَّ طاقة المدير الاستثمارية تتَّجه بشكل رئيس في هذا الاتجاه. ولمَّا كان المورد البشري هو أغنى الموارد المتاحة، وأكثرها تأثيراً، فإنَّ أول مهمة للمدير تكمن في إدارة هذا المورد الحاسم، والمتمثِّل بالمعلمين والإداريين والتربويين، فضلاً عن أهالي المتعلمين. فالقضية الكبرى تكمن في هذا المجال تحديداً، ونجاحات المدير تصدر عن هذا المكان. فالبناء الحقيقي لا يتحقَّق في عدد طوابق المدرسة وحجم أثاثها وتجهيزاتها، ولا حتى في رصيدها المالي وممتلكاتها، على أهميَّة ذلك، بل في سيرة العاملين فيها، كل العاملين، وسمعتهم التي تسطع في صرح المدرسة، وتشيع في كلِّ مكان تحضر فيه. وليس المطلوب من المدير أن يلعب دور المكلَّفين بالمستوى التعليمي أو التربوي، فيتدخَّل بالجزئيات، ويلاحق الاجتهادات، بل إن فعله الأساس يتَّجه إلى تحفيز هؤلاء المكلَّفين ودعمهم وتوفير كلِّ الإمكانات المتاحة لهم. إنَّ تركيزه على المستوى التعليمي والبيئة التربويَّة يعني في الأساس السعي لإقرار أنظمة وموازنات وسياسات وبرامج تصبُّ في مصلحة هذين المجالين. فالنظام الذي يرتقي بالمستوى التعليمي والتربويّ، والموازنات التي تدعم الإجراءَات والمصاريف اللازمة، وكذلك السياسات والبرامج التي تصنع التفوُّق والأدب في عقول وسلوك المتعلمين، كل ذلك سيوفر دخلاً بالغ الأهمية على مستوى مالية المدرسة، وبالتالي قدرتها على الإنفاق. والمدارس، كما المؤسسات على اختلافها، لا تقاس بمعايير الانضباط والتوحيد والتحصيل والترتيب، على أهمية ذلك، بل بالطاقة الحيوية التي تغلي في مشاعر العاملين فيها، فتتجسَّد جهوداً مفتوحة، وإخلاصاً عميقاً، ونتاجاً بحجم الأحلام. إنَّها تقاس بالروح الكلية التي تقود هؤلاء إلى حيث تنتصب الأهداف، وتتألَّق الرسالة. وبإمكاننا أن نركِّب مدارس لها قامات مديدة، وأطراف بهية، ولها وجه حسن يستقطب البعيد، ولا يستبقي القريب، ولكنها لا تضجُّ بالحياة، ولا يجري في عروقها دمٌ حار، والعاملون فيها يرمقون الخارج، ولا يأنسون بالداخل. لا تفلح إدارة مدرسية يَثبت فيها الأثاث، ولا يستقرُّ فيها الناس. ولا تستقيم أمور المدرسة إذا كان العاملون فيها ليسوا أكثر من قطع غيار، يتم تبديلها فوراً عند أوَّل عطل، وتنتخب تلامذتها ثمَّ تدَّعي شرف الدرجات الرفيعة، أو المجاميع غير المسبوقة. لا تدوم مدرسة تعبرها نخبة المعلمين والتلامذة، ويستمر فيها من لا فرصة له في غيرها.

3- المدير يدير المدرسة وليس مكتبه فحسب
والمدير القائد مسؤول عن الفرص التي يمنحها للعاملين، تعبيراً وتفكيراً ونقداً، ولا يستقيم أمر مدير لا يجرؤ على التعبير عنده أحد، أو يفكر بما يجب أن يكون، فضلاً عن نقد ما هو كائن. ليس المطلوب من المدير تفعيل كلَّ طاقاته ابتداءاً، بل واجبه التحقُّق من أنَّ المجال متاحٌ للجميع، تلامذة ومعلمين وعاملين، لتفعيل طاقاتهم على الوجه الأحسن. ذلك أنَّ إنجازات المدير اليومية ليست إنجازاته في مكتبه، بل الإنجازات في كل المدرسة، ولن يكون مديراً للمدرسة، إذا اقتصرت إدارته على نفسه وشؤون غرفته. وليس من الضروري أن يكون المدير في المقدِّمة على الدوام، إلا إذا اقتضت المناقبية ذلك. وبماذا تنتفع المدرسة إِذا أنجز المدير مهامَّه الخاصة، فيما مهام العاملين فيها متعثِّرة، أو غير منتجة؟ أخيراً إنَّ إدارة المدرسة هي الإدارة الفريدة التي تتوسَّل الإنسان من أجل الإنسان، ما يعني ضرورة أَنسنة كل ما هو قائم أو معمولٌ به، فلا يصلح فيها ما يصلح للمصانع، أو المتاجر، أو حتى المؤسسات الخدماتية. إن المدير الذي لا يقطر قلبه حباً أمام كل وجه من وجوه تلامذته، ولا ينفطر رحمةً أمام عذابات العاملين في مدرسته وتضحياتهم، إن هذا المدير يجب أن يراجع نفسه، فلربَّما كان في غير المكان، أو أنّ لياقته لم تكتمل بعد.

أضيف في: | عدد المشاهدات: