هنادي سلمان
العطلة الصيفية انتهت، وانتهت معها فترة الحرية واللعب التي يستمتع بها الطفل بدون قيدٍ أو شرط، والعودة إلى المدرسة ستمنعه من اللعب وتحرمه من مشاهدة التلفاز ومن زيارة أصدقائه وأبناء جيرانه. هذه الأفكار تشكل هاجساً لدى التلامذة وتراود عقولهم قبيل دخول المدرسة وقد تتبدى عبر مرض نفسي يسمى بالـفوبيا المدرسية والتي هي خوف من المدرسة، ليس له علة جسمانية وعصبية بل ينشأ من اختلال الأوضاع النفسية.
* علامات الخوف من المدرسة(1):
أنتم ترون أن ابنكم يأتيه المغص وقت الصباح عند الذهاب إلى المدرسة، يتقيأ ويتمرَّض في ليلة الامتحان ويغمى عليه في وقت الامتحان، وعندما ترجعونه إلى البيت وبعد مدة قصيرة تتحسن حالته. وهذه علامة من تلك بالـفوبيا المدرسية. مرض بالـفوبيا المدرسي يظهر نفسه على صور مختلفة ومن تلك الصور هي: الاختلال في هضم الطعام، عدم الشهية، الآلام البطنية، حالة التهوع، الأرق الحمى، آلام الرأس والأذن، وفي بعض الأحيان أمراض جسمية. بعض الأحيان تكون هذه الحالة بصورة بكاء شديد ومستمر مع قليل من التذرع واللَّجاجة واضطراب نفسي وعصبية في المزاج وتوتر عصبي مستمر والذي من شأنه أن يقلق الأب والأم. وأخيراً تظهر هذه الحالة في بعض الأحيان بصورة الهروب من المدرسة، التغيب عن المدرسة، إثارة المشاكل في المدرسة، العلاقات الضعيفة مع بقية التلاميذ، أو اتخاذ موقف عدواني من الأبوين. فكيف نتفادى حدوث مثل هذه الحالة عند أطفالنا؟ الواقع أن تلافي ذلك هو مسؤولية تقع على عاتق الأهل والمربين والمعلمين في المدرسة.
* اقتراحات الأهل
التعليم واجب على كل المسلمين، وقد اعتبره الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله "فريضة على كل مسلم ومسلمة"...
ونحن يجب أن نوضح لأولادنا أهمية التعلم في الإسلام، وأن الرسول صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام حثونا على ذلك حتى لا تكون المدرسة عبئاً على الطفل يجب أن نستعمل معه بعض الوسائل والأساليب.
1- القراءة مع وللأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة وخلال المدرسة: إن العديد من الأهل يقومون بذلك مع صغارهم لكنهم يتوقفون عندما يكتسب الطفل مهارة كاملة. قد يظهر أن الطفل يستمتع بأن نقرأ له في عدة أعمار.
2- يجب دعم جهود الطفل عند القراءة ولكن مع تناسي النقد حولها إلا إذا طلب منا ذلك تحديداً.
3- يجب توفير التنوع في المواد لتكون سهلة المنال للطفل(2).
4- أبدِ اهتماماً بنشاط طفلك الدراسي فأداء الطفل الدراسي يرتبط مباشرة باهتمام الأهل بدروسه ونشاطاته.
5- يجب إعطاء الأولوية للقاء المعلمين وتطوير علاقة ودية مع أساتذة الطفل وإدارة مدرسته.
6- التودد إلى الطفل والتواصل معه لكي يشعر بالمحبة وبأن الهدف من ذهابه إلى المدرسة هو محبتهم له، ولكي يصبح إنساناً هاماً، وتشجيعه دائماً وعدم الإصرار على توبيخه كي لا يكره الدراسة، ولا يخفى ما لهذا الحب من أثر عليه وعلى تحصيله العلمي.
7- تقديم النماذج له وتجسيد الفضائل في القدوة، إن ذكر بعض القصص أحياناً عن حياة الآخرين الذين توصلوا إلى أعلى المراتب يعطي الطفل ثقة ويقضي على خوفه من المدرسة.
8- حل مشاكله المدرسية ومساعدته وإرشاده لانجاز تكاليفه اليومية.
9- عدم الحديث عن مصاعب المدرسة وأوضاعها والاختلالات الموجودة فيها.
10- لا تهددوه بالضرب إذا امتنع عن الذهاب إلى المدرسة لأن هذا سيزيد من آلامه.
11- إن بقي في البيت لا تجيزوا له أن يستريح في أي وقت شاء، بل ضعوه في السرير وعينوا له تكاليفه حتى لا يشعر بأن البقاء هو أفضل من الذهاب إلى المدرسة.
* توصيات منهجية في أساليب التعليم:
لقد قرر القرآن الكريم مناهجه في أساليب التعليم وهي من أرقى المناهج وأعمقها وأكثرها تأثيراً من الناحية النفسية والتعليمية حيث تمتاز بالقدرة على إيصال الإنسان بسرعة قياسية إلى الحقائق وبلوغ اليقين وتبعث فيه روح التحقيق والبحث العلمي وتحثه على استعمال القوى العقلية وتنميتها(3). وهذه التوصيات يجب أن تُتبع من معلم المدرسة، أو معلم البيت، أو من الأهل إذا كانوا يقومون بمهمة التعليم في المنزل.
1- لحاظ قدرة المتعلم وطاقاته: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾( البقرة: 286). حيث لا يجب أن نحمِّل الطفل فوق طاقته العقلية والجسمية ونطلب منه القيام بما لا يستطيع.
2- التمثيل: ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾ (العنكبوت: 43) إن إعطاء الأمثلة خلال توضيح المسائل يجعل التعلم أكثر مرونة وسهولة.
3- تشبيه المعقول بالمحسوس: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ (العنكبوت: 41).
4- الحوار: ﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾(النحل: 125) فالحوار هو وسيلة التخاطب الإيجابية التي تغني عن التوبيخ والتأنيب والضرب.
5- الحث على التعقل والتفكر وتحريك الذهن: ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ (يوسف: 39).
إن العملية التعليمية إذا خرجت من طور التلقين من قبل المعلم فإنها حتماً ستؤتي الثمار المرجوة منها.
* شخصية المعلم والمربي:
لقد أثبت القرآن الكريم أن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله هو معلم للناس والبشرية فقد هداه اللَّه وعلمه ولقد كان على قدر من الرأفة والرحمة والرفق بالمتعلم والحرص عليه وبذل العلم والخير له في كل وقت ومناسبة بالمكان الأسمى والخلق الأعلى(4). ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (التوبة: 129). هذه هي النفسية والشخصية التي يجب أن نكون عليها حين تعليم أولادنا وأطفالنا وتلاميذنا متخذين من أسلوب الرسول صلى الله عليه وآله منهاجاً ودستوراً. ولا يجب أن نمل من أن الطفل لم يفهم علينا للمرة الأولى، أو الثانية. إن تكرار الشرح ليس عيباً أو نقصاً في ذات المعلم أو المربي أو في ذات الطفل. فالرسول صلى الله عليه وآله كما روي: "كان يعيد الكلمة ثلاثاً لتعقل عنه"(5) أي لتفهم وتثبت في ذهن السامعين وذلك يعود لكمال هدايته وشفقته بأمته عامة وبالمتعلمين خاصة ينبغي على المعلم أن يتمهل في تقريره لما يعلمه ويبذل الجهد في بيانه ويعيده حتى يفهمه.
أيها المربي، أيها المعلم، أيها الوالد أو أيتها الوالدة. الرأفة هي الأسلوب الذي يجب أن نتبعه في تعاملنا مع أطفالنا وتلاميذنا لأنها الطريق الوحيدة للوصول إلى قلب الطفل وإيصال المعلومات التي نريدها إليه.
(1) الأسرة وأطفال المدارس، د. قائمي، ص42.
(2) الطرق الجديدة في الطب النفسي والعصبي، د. محمد الحلبي، ص75 - 74.
(3) أسس التربية والتعليم في القرآن والحديث، محمد رضا فرهاديان، ص151.
(4) الرسول المعلم وأساليبه في التعليم، ص190.
(5) الترمذي، ص140.