اخرج إلى الضوء | عندما يكون القائد والداً للمجاهدين مهارات | المساندة النفـسيّة في الأزمات والحروب الملف | كيف نواجه إشاعات الحرب؟ الملف | بصبركنّ... ننتصر الملف | دعاء أهل الثغور: مدد المجاهدين الملف | الشهداء المستبشرون معالم المجتمع الصالح في نهج البلاغة الملف | قيم المقاومة آخر الكلام | تحت الركام.. الافتتاحية | الصبر حليف النصر

منبر القادة: وصيّتُهُم الحقُّ والصبر


الشهيد السيّد عبّاس الموسوي (رضوان الله عليه)


بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ صدق الله العليِّ العظيم.


* صفة أساسيّة في المجتمع الإسلاميّ
عند قراءة هذه السورة المباركة نشعر أنَّ الله تبارك وتعالى يريد أن يبيِّن لنا مواصفات المجتمع المسلم، وأنّ الصفة الأساسيّة لهذا المجتمع هي التواصي بالحقّ والتواصي بالصبر.
يعتبر القرآن الكريم أنَّ المجتمع الإسلاميّ كلّه جسدٌ واحدٌ، وأنّه يجب أنْ يتعاضد ويتساند. وأعظم أساليب التعاون في أنْ يتواصى هذا المجتمع، فيُوصي بعضه بعضاً بالحقّ... وأن يوصي وليُّ هؤلاء المسلمين ويذكِّرهم دائماً بالحقّ. وكذلك المجتمع والناس عندما يرون انحرافاً في قائدهم يوصونه بالحقّ. وهذا التواصي هو الضمانة الحقيقيّة لبقاء الأمّة على الحقّ. وبمجرد أن يتخلَّى المجتمع الإسلاميّ عن هذه الصفة، ينحرف عن طريق الحقّ..

* كيف يتواصى المجتمع؟
عندما يحيد جزء من هذا المجتمع عن الحقّ؛ على بقيّة المجتمع أن يقفوا موقفاً واحداً ويطلبوا منه الرجوع إلى الحقّ بالموعظة الحسنة. فإذا لم يعد بالموعظـة الحسنـــة يضغطون عليه معنوياً، حتى وإن وصل الأمر إلى الضغط الماديّ يجب أن يمارسوه؛ عندها يكون هذا المجـتمـع مجتمــعاً يتواصــى بالحقّ. وهذا وصفٌ أساسيّ للمجتمع الإسلاميّ.
التواصي بالصبر أيضاً من الميزات الأساسية في الأمّة الإسلامية والمجتمع الإسلاميّ. قد يُصاب المجتمع بهزّات أو كوارث طبيعية، وقد يتعرّض لكوارث اجتماعية؛ نتيجة التزامه بالحقّ: يتعرَّض للجوع أو تُفرض عليه حربٌ أو فتنة، لكنّ هذا المجتمع المسلم بكامل أعضائه يواجه المصائب والكوارث بالتواصي بالصبر. وهذا ما أرادنا القرآن الكريم أن نفهمه عندما ذكر أوصاف الأمّة الإسلاميّة، كما أراد أن يوضح لنا ما هي مقوّمات هذه الأمّة الإسلامية، لتصبح خير أمّةٍ أُخرجت للناس: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ (آل عمران: 110).

* أمّة القرآن
عندما تتَّصف الأمّة الإسلامية بهذه الصفات لا تكون تقوِّم ذاتها وتبني شخصيّتها فقط، وإنّما تصبح شاهدةً على بقيّة الأمم، ومقوِّمةً لها، ﴿ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ﴾ (البقرة: 143). هذه هي الأمّة الإسلامية التي بُنيت بعين الله أمّة تتواصى بالحقّ، تصبر عند الابتلاءات، لا تهزُّها العواصف، تقف كالجبل الراسخ مهما كانت المشاكل ومهما كانت الصعوبات... وهذه هي أمّة القرآن.

* كنّا أمّة أفراد
كيف كانت هذه الأمّة قبل النهضة الإسلامية المباركة؟ كانت هذه الأمّة تعيش كأفراد، فلا يشعر الأخ تجاه أخيه بضرورة التواصي بالحقّ، وكنّا لا نجد هذه الصفات في شخصين مسلمَين. في الماضي كان هذا واقعنا، فيما الله تبارك وتعالى يريد منّا على مستوى مليار مسلم التآخي والتعاضد والتواصي بالحقّ. ومن هنا كان المسخ كاملاً في شخصيّة هذه الأمّة. وعندما تُمسخ الأمّة الإسلامية تصبح أقلَّ وأضعف الأمم. لقد اجتمعت أمّة صغيرة من أقطار الأرض داخل فلسطين، فركعت الأمّة الإسلامية بأكملها أمامها. والسبب أنَّ هذه الأمّة الإسلاميّة فقدت مواصفات الأمّة القرآنيّة، ولم تعد أمّة تتواصى بالحقّ، ولا تتعاون من أجل الحقّ.

* نقطة ضعف العرب
أودّ أن أذكر لكم قاعدة عامّة كانت في الماضي تنطبق علينا انطباقاً كاملاً، وهي أنّه عندما تُمسخ شخصيّة الأمّة تصبح قوى الاستكبار العالميّ قادرة بأيّ وسيلة من الوسائل أن تضغط عليها. لقد قاتل العرب الإسرائيليّين، الذين اكتشفوا أنّ نقطة ضعف العرب في مسألة السلاح، فإذا وُجد السلاح وتوفَّرت الإمكانات الماديّة الكبيرة يعلنون الحرب ويعتبرون أنفسهم مستعدّين لها، أمّا عندما تضعف إمكاناتهم العسكريّة فيبتعدون عن الحرب والقتال، لذلك كانت [إسرائيل] عندما تشنّ عليهم حرباً، تقصف مراكز التسليح الأساسية فتشعر الأمّة بالهزيمة. في حرب 1967م قُصفت المطارات، وفُقدت هذه الآلة العسكرية، ولأنّ هذه الأمّة أمّة ممسوخة تعتمد على قوّة الآلة العسكرية وعلى الطيران، لا تشعر أنّ لها إرادة لتقاتل بها، هُزمت. أيضاً عندما وجدت [إسرائيل] نفسها في موقع الضعف والعرب في موقع القوة، كما حصل في حرب رمضان، حرب تشرين، أوعزت إلى الدول الداعمة بالسلاح للعرب أن يقطعوا عنهم السلاح، عندها اضطرّوا إلى إيقاف المعركة.
هكذا هو العدوّ دائماً عندما يكتشف فيك نقطة الضعف يجعلها وسيلة للضغط عليك وليهزمك. قد يستعمل الضغط الاقتصاديّ، الضغط العسكريّ، يضغط من خلال كلِّ الوسائل والإمكانات.

هذا المسار أراده الله للأمّة
من هذا المنطلق، ابتدأنا نحن كأمّة إسلاميّة، بفضلٍ من الله، ببناء شخصيّتنا الإسلاميّة. وأوّل شرط لتحقيق ذلك هو ألَّا نجعل أنفسنا موضع الابتزاز لأيّة وسيلةٍ ضغط، فلا يبتزّنا الجوع، ولا تبتزّنا تهديدات العدو، ولا الحصار الاقتصاديّ، ولا أيّ مسألة من المسائل. طبعاً؛ قد تسأل كيف يكون هذا الأمر؟ يكون ذلك عندما أجهّز نفسي، أنا كإنسان مسلم، يجب عليَّ أن أجهِّز نفسي كأمّة، وأعدّ نفسي كأمّة، يعني يجب عليَّ أن أعالج مشاكلي جميعها.
عندما يكون هناك ضغط اقتصاديّ، والأمّة خائفة من المجاعة نتيجة الحصار الاقتصاديّ؛ عليها أن تجلس وتفكِّر كيف تعالج مشاكلها الاقتصاديّة، حتى لا تُهدَّد ولا تُبتزّ اقتصاديّاً. عندما حوصرت الجمهورية الإسلامية اقتصاديّاً، استنفرت كلَّ الطاقات للزراعة وبالأخصّ زراعة القمح، ثمّ بعد فترة وجيزة من الزمن أصبحت تُصدِّر القمح إلى خارج إيران. وهكذا عالجت مشكلة الحصار الاقتصاديّ. الآخرون يعالجون هذه المشكلة بطريقة مختلفة وهي بالتنازل عن المواقف والمبادئ.

* الأمّة صاحبة القرار
عندما أُهدَّد بالحرب أيضاً وأتعرّض للهجوم من قِبَل العدوّ في عقر داري، يجب عليَّ أنْ أدافع عن كرامتي، وأن أُعدّ العدّة الكاملة للقتال وللدفاع عن أراضي المسلمين، بهذا أعالج مشكلة الحرب.
دائماً الأمّة التي تريد أن تبني نفسها وتصبح حرَّةً وصاحبة القرار يجب أن تترفّع عن الابتزاز لأيّة وسيلة ضغط. هذا هو الطريق وهذا هو المسار الذي أراده الله للأمّة الإسلاميّة.


(*) من خطبة الجمعة بتاريخ 18/7/1986م.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع