فاطمة برّي بدير
* شَعِثاً مُغبَرّا
روى ياقوت الحموي في "معجم الأدباء" أنّ "جابر بن هبة الله" قرأ على القاسم بن علي
الحريري مقاماته حتّى وصل إلى عبارة "شَعِثاً مُغبَرّا":
ولا لقيتم ما بقيتم ضرّا |
"يا أهل ذا المغنى وقيتم شرّا |
إلى ذراكم شَعِثاً مُغبَرّا" |
قد دفع اللّيل الذي اكفهرّا |
وكان يظنّ أنّها "سغباً
معتراً" فقرأها كما يظنّ، وحين سمعها الحريري فكّر ساعة، ثمّ قال لجابر: "والله،
لقد أجدتَ في التصحيف، فإنّه أجوَد، فربّ شعثٍ مُغبر غير محتاج، والسغب المعتر موضع
الحاجة، ولولا أنّي كتبت خطي إلى هذا اليوم على 700 نسخة قرئت عليّ لغيّرتُ "الشَعِثَ"
بالسغبِ، و"المغبرَّ" بالمعترّ".
* يعطي الجوز مَن لا عنده أسنان
قال الحضرمي "أقمتُ مرّة بقرطبة"، ولازمتُ سوقَ كُتبها مدّة، أترقّب فيها وقوع كتاب
كان لي بطلبه اعتناء، إلى أنْ وقع، وهو بخطّ جيد وتسفير مليح، ففرحت به أشدّ الفرح،
فجعلتُ أزيد في ثمنه، فيرجع إليّ المنادي بالزيادة عليّ إلى أنْ بلغ فوق حّده.
فقلت له: "يا هذا، أرِني مَنْ يزيد في هذا الكتاب حتّى بلغه إلى ما لا يساوي".
قال: فأراني شخصاً عليه لباسُ رياسةٍ، فدنوتُ منه وقلتُ له:
"أعزّ الله سيّدنا الفقيه، إنْ كان لك غرضٌ في هذا الكتاب تركته لك، فقد بلغتْ به
الزيادة بيننا فوق حدّه".
قال: فقال لي: "لستُ بفقيهٍ ولا أدري ما فيه، ولكنّي أقمتُ خزانةَ كتبٍ واحتفلت
فيها لأتجمَّل بها بين أعيان البلد، وبقي فيها موضعٌ يسع هذا الكتاب، فلمّا رأيته
حسنَ الخط جيّدَ التجليد استحسنتُه ولم أبالِ بما أزيد فيه. والحمد لله على ما أنعم
به من الرزق فهو كثير".
قال الحضرمي: "فأحرجني! وحملني على أن قلت له: نعم، لا يكون الرزق كثيراً إلّا عند
مثلك! يعطي الجوز من لا عنده أسنان، وأنا الذي أعلم ما في هذا الكتاب وأطلب
الانتفاع به يكون الرزق عندي قليلاً، وتحول قِلّةُ ما بيدي بيني وبينه!"(1).
* حين مشى الطاووس باعوجاج!
مَشَى الطاووسُ يوماً باعْوجاجٍ
فقلّدَ شكلَ مشيتهِ بنوهُ
فقالَ علامَ تختالونَ؟ قالوا:
بدأْتَ به ونحنُ مقلّدوهُ
فخالِفْ سيركَ المعوجَّ واعدلْ
فإنّا إنْ عدلْتَ معدّلوه
أمَا تدري أبانا كلُّ فرعٍ
يجاري بالخُطى مَن أدّبوه؟
وينشَأُ ناشئُ الفتيانِ منا
على ما كان عوَّدَه أبوه(2)
* طول الرمح وعرضه
دخل على "موسى بن عبد الملك" يوماً صاحب خزانة السلاح، فقال له: قد تقدّم أمير
المؤمنين (يقصد المتوكّل) ليبتاع ألف رمح طول كلّ رمح أربعة عشر ذراعاً، فقال: هذا
الطول، فكمْ يكون العرض؟ فضحك الناس، ولم يفطن لما غلّط فيه.
1- من كتاب: التلمساني، أحمد بن محمد المقري. "نفح الطيب من غصن الأندلس
الرطيب". تحقيق د. إحسان عباس.
2- لم يتم توثيق هذه الأبيات الشهيرة التي ينسبها بعضهم إلى الأصمعي وقد لا يكون
قائلها، فبقيت بلا نسب.