مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

زينب عليها السلام.. أمٌّ في بيتين


الشيخ تامر حمزة


الزواج سنّة كونيَّة جارية فيمن خلق الله من ذكور وإناث فلا تتخلّف في شيء منها ولا تختلف, وما ديمومة الحياة واستمرارها إلا بالزواج والإنجاب ولولا ذلك لما تقلّب في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهّرة نور الأنبياء والأوصياء؛ وذلك أكّده نبيّ الرحمة محمّد صلى الله عليه وآله بقوله: "النكاح سنّتي فمن رغب عن سنتي فليس مني"(1). وبناء على هذه المعادلة يكون التبّتل والرهبنة حالتين شاذتين تصادمان سنن التاريخ وخارجتين من مدرسة النبوّات ورسالات السماء.

* كفاءة الزوجين
إنَّ الزواج الذي يكون ضمن الشروط والآداب مهم لضمان قيام الأسرة وحفظها من التحلّل والانحراف، وأساس أركانها وأصل قواعدها هو التكافؤ بين الزوجين. وفي حال حدوث خلل في واحد من الطرفين ينعدم التوازن فيها ولا يبقى ما يضمن استمرارها أو استقامتها. وأمَّا في حال تحقّق الكفاءة بين الطرفين فينتج عن ذلك بنون وبنات يُصبحون قدوة وأسوة في تاريخ البشرية كالحسنين عليهما السلام وزينب الكبرى أولاد علي وفاطمة عليهما السلام.

* قران العقيلة الهاشمية
عندما ولدت السيدة زينب عليها السلام جاءت بها أمها فاطمة الزهراء عليها السلام إلى جدِّها رسول الله صلى الله عليه وآله فهبط جبرائيل عليه السلام عليه، وبعد أن أقرأه السلام من ربِّه أمره بأن يجعل اسمها زينبَ(2)، فإن كان اختيار اسمها الشريف بيد خالقها فأولى أن تتدخل العناية الإلهيَّة في شأن زواجها لما لهذا الأمر من حساسية ودقة في مسار حياتها لا سيما بملاحظة اختيار القرين الكفؤ, وهذا ما تحقَّق بالفعل إذ تعلَّقت المشيئة الإلهيَّة بأن تقترن العقيلة الهاشمية بواحد من أعظم وأنبل شباب بني هاشم وهو عبد الله بن جعفر بن أبي طالب, بعد أن رفض أبوها علي عليه السلام تزويجها من الخاطبين الوافدين على بيته. وهذا يكشف أنَّه لمَّا جاء الخاطب الكفؤ لها تمَّ الأمر.

* من هو عبد الله بن جعفر؟
نظراً لعظمة شخصيَّة السيدة زينب عليها السلام لا بدَّ من تسليط الضوء ولو قليلاً على القرين الكفؤ, فهو عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، ويعدّ المولود الأوّل بعد الهجرة الأولى إلى الحبشة. وقد استشهد أبوه في معركة مؤتة, وأمَّا أمُّه فهي أسماء بنت عميس الخثعمية, وعُدَّ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام الذي تولَّى تربيته، وكذلك ترعرع مع الحسنين عليهما السلام ومن بعدهما عاصر الإمام السجاد عليه السلام. وقد كان رابط الجأش قوي القلب, شجاعاً ويمتاز عن غيره نسباً وحسباً, وكان من أغنى بني هاشم وأيسرهم حيث كان له ضياع كثيرة ومتاجر واسعة وكذلك كان أسخى رجل في الإسلام. وقد قال ابن حيّان: كان يقال لعبد الله بن جعفر قطب السخاء(3). وقد أخرج ابن أبي الدينار الخرائطي عن محمد بن سيرين أنَّ دهقاناً من أهل السواد كلّم ابن جعفر في أن يكلّم علياً في حاجة, فكلّمه فيها, فقضاها فبعث إليه الدهقان أربعين ألفاً, فردّها وقال: إنّا لا نبيع معروفاً(4).

* زينب(عليها السلام) أمّ أخوتها وبنيها
حينما توفيَّت أمّها كان لها من العمر ست سنوات فتحمَّلت رعاية شؤون أخويها الحسنين تنفيذاً لوصيّة أمِّها السيدة الزهراء حين أوصتها بأن تصحب أخويها وترعاهما وتكون لهما أماً. وزينب هذه لم تنس طيلة حياتها وصيّة أمها الزهراء(5) وحتَّى أنها بعد انتقالها إلى بيت الزوجية وإنجابها استمرَّت في طوافها بين بيت أولادها وبيت إخوتها تمارس دور الأمومة في كليهما. وممَّا تجدر الإشارة إليه هو أنَّ زينب كانت شديدة التعلَّق بأخيها الحسين ولم تستطع مفارقته منذ الصغر سواء حال نومها أو يقظتها, ويروى أنَّه كلَّما افتقدتها أمها وجدتها نائمة بجنب أخيها الحسين عليه السلام وما كانت تستقر إلا في حجره فروت فاطمة ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فبكى وأخبر بمصابهما واشتراكهما في ذلك(6).

* أولاد السيِّدة زينب عليها السلام
بالرغم من كلِّ المشاغل والمتاعب التي كانت تواجه السيدة زينب منذ صغرها فإنَّها لم تشكِّل حائلاً بينها وبين دور الأمومة كدور أساسي في بناء الأسرة الصالحة والرساليَّة. فلقد منّ الله سبحانه على مولاتنا بفلذات أكباد كانوا خير أولاد يواسون أخ أمهم بمهجهم في وقت عزّ فيه الرجال, فحبُّ أولاد زينب لخالهم الحسين نابعٌ من حبِّ زينب لأخيها. وممَّا تجدر إليه الإشارة حصول اختلاف في عدد وأسماء أولادها مع الاتِّفاق على بعضٍ منهم(7).

- عون بن عبد الله
وقد نال الشهادة في كربلاء على يد عبد الله بن قطنة البنهائي لعنه الله.
- محمد
وكذلك نال شرف الشهادة مع خاله الحسين عليه السلام في كربلاء.
- علي
وقد اشتهر بالزينبيِّ وفي نسله الكثرة والعدد ويعتبر أحد أرجاء آل أبي طالب الثلاثة.
- أم كلثوم
لقد اتَّفقت كلمات المؤرخين على أنَّ للسيدة زينب بنتاً واحدة اسمها أم كلثوم، وقد تحلَّت بمكارم الأخلاق ولذلك تسابق الخاطبون على طلب يدها ومن جملتهم معاوية لولده يزيد وكلّف واليه على المدينة مروان بن الحكم أن يخطبها من أبيها فقال أبوها: إن أمرها ليس لي إنَّما هو إلى سيدنا الحسين عليه السلام خالها. فأخبر الحسين عليه السلام بذلك فقال: أستخير الله عزّ وجل. اللهم وفق لهذه الجارية رضاك من آل محمد صلى الله عليه وآله. فلمّا اجتمع الناس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله أقبل مروان حتَّى جلس إلى الحسين عليه السلام ودار حوار أبرز فيه مروان ما يرى من صفات في يزيد وقد ردّ عليه الحسين عليه السلام مبيِّناً الوجه الحقيقي ليزيد وكاشفاً عن شخصيَّته الواقعية ثمَّ قال عليه السلام: "فاشهدوا جميعاً إني قد زوّجت أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر من ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر على أربعمئة وثمانين درهماً وقد نحلتها ضيعتين بالمدينة وأن غلتها بالسنة ثمانية آلاف دينار ففيهما لهما غنى إن شاء الله تعالى فتغيّر وجه مروان"(8). وهذا الموقف للإمام الحسين عليه السلام إنّما هو تنفيذ لوصيّة جده رسول الله حينما نظر إلى أولاد علي وأولاد جعفر بن أبي طالب فقال: بناتنا لبنينا وبنونا لبناتنا(9).


1- التحفة السنية، السيد عبد الله الجزائري، ص261.
2- زينب الكبرى من المهد إلى اللحد - القزويني ص36 نقلاً عن ناسخ التواريخ.
3- الإصابة، ابن حجر، ص38.
4- زينب الكبرى، النقدي، ص86.
5- ففي كتاب إعلام الورى بأعلام الهدى للطبرسي ص204 أن عددهم أربعة (علي وجعفر وعون الأكبر وأم كلثوم) وفي تذكرة الخواص لابن الجوزي ص175 بدل جعفر عباس.
6- عقيلة الطهر والكرم ص114.
7- من كتاب المرأة العظيمة ص105عن مجلة الموسم ص858.
8- زينب الكبرى، النقدي ص129وبحار الأنوار ج44- ص119ج13.
9- مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب ص305.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع