آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
لقد وضع الله عزّ وجلّ الخمر والقمار والميسر والأصنام في
الآية الشريفة (90) من سورة المائدة جميعاً في مرتبة واحدة، فقال عزّ وجلّ:
﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ
وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
ونحن نعتقد أنّ في الآيات القرآنية وروايات المعصومين الأطهار عليهم السلام لا توضع
الأشياء غير المتجانسة وغير المترابطة إلى جانب بعضها بعضاً، لذلك فإنّ لهذه
الأشياء والأمور الثلاثة قاسماً مشتركاً، منها فقدان العقل، فهل يدفع الإنسان ماله
أو يأكل شيئاً يوجب ضياع عقله؟ وهل هذا الأمر منطقي أو عقلائي؟ إنّ لعب القمار هو
نوع من الجنون، فكثير من الناس أضاعوا ثروة هائلة في ليلة واحدة بتوجُّههم إلى
أماكن لعب القمار، وخرجوا من تلك الأماكن في الصباح خالي الوفاض، أضاعوا كلَّ ما
جمعوه طوال حياتهم وخسروه فخرجوا في تلك الليلة فقراء، ألا يعدُّ هذا العمل جنوناً؟!
إنّ عبادة الأصنام أيضاً نوع من الجنون، فهل يمكن أن نعتبر شخصاً ما أشرف المخلوقات
وهو يجب أن يكون خليفة الله في الأرض إذا قام بصنع صنم بيده، يسجد له أو يقدِّم
ولده قرباناً له، وعند الفقر والحاجة يقوم بأكل الصنم الذي صنعه من التمر؟ فهل يعدّ
مثل هذا الإنسان عاقلاً؟! لذا فإنَّ شاربي الخمر ولاعبي القمار وعابدي الأصنام
كلّهم يشتركون في قاسم مشترك واحد، وهو الجنون وعدم العقل، فكما أنّ شرب الخمر
وعبادة الصّنم محرّمان فإنّ لعب القمار محرّم أيضاً.
* سبب تحريم القمار
يدعو الإسلام إلى كسب الإنسان رزقه من عمل مفيد. والعمل
المفيد ثلاثة أقسام هي:
الأعمال الإنتاجيَّة.
الأعمال التوزيعيَّة.
الأعمال الخدماتيَّة.
وتعتبر الزراعة والرعي وأمثالهما من الصناعات من الأعمال الإنتاجيَّة. وكذلك فإنَّ
التجَّار الذين يقومون بشراء البضائع المصنّعة والمنتَجَة من مصنِّعيها ومنتجيها،
ثمَّ يقومون بإرسال هذه البضائع إلى بائعي المفرَّق، حتَّى يقوم هؤلاء بإيصالها
ووضعها بيد الزبائن والعملاء، فإنَّ هؤلاء التجَّار يُعتَبرون من مسؤولي القسم
الثاني من الأعمال المفيدة؛ لأنَّ جميع الناس لا يستطيعون أن يتوجّهوا إلى مصانع
الإنتاج والمزارع والمراعي لكي يهيّئوا حاجاتهم منها، فلذا يقوم التجَّار والبائعون
بهذا العمل. أمَّا الأطباء والممرِّضون والسائقون ومسؤولو النظافة وأمثالهم فإنَّهم
يقومون بالأعمال الخدَميَّة. وإنّ أعمال المجموعات الثلاث مفيدة ومؤثِّرة. أمَّا
الذين يلعبون القمار ويربحون عن طريقه مبالغ عظيمة، ويقومون بتدمير حياة الطرف
المقابل، هنا نتساءل أي عمل مفيد يقومون به؟ إذ إنَّ مثل هذا الشخص لم يقم بشيء
مفيد البتة، بل ارتكب عملاً شيطانياً قبيحاً وأصبح ممن تنطبق عليه الآية (29) من
سورة النساء حيث يقول تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ
تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً
عَن تَرَاضٍ﴾.
وبالتالي فإنّ القمار بالإضافة إلى أنَّه عمل غير مفيد فإنّه أكلٌ للمال بالباطل
فهو محرّم.
* أضرار القمار
إنّ الذين يلعبون القمار ويجعلونه حرفتهم، فإنّ مصيرهم في النهاية إمَّا الجنون أو
الإصابة بالأمراض العصبيَّة؛ لأنَّهم يعيشون دائماً حالة من التوتر ويرتفع ضغطهم أو
ينزل نتيجة لذلك، ويعيشون تحت الضغط سواء ربحوا أو خسروا فيُصابون بأنواع الأمراض،
وفي النهاية يلجأ بعضهم إلى الانتحار، إذ إنّ شخصاً يدخل أماكن لعب القمار ليلاً مع
ثروة عظيمة ويخرج منها صباحاً دون أن يكون في جيبه شيء ليس له طريق إلا الانتحار.
وبعض لاعبي القمار لا يخسرون كلَّ أموالهم فحسب، بل يخسرون أعراضهم أيضاً، ففي
الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام يقول: "كانت قريش تقامر الرجل في أهله وماله"(1).
وقد أصدر الإسلام حكم تحريم القمار في مثل هذه البيئة الفاسدة، ألا يعدّ مثل هذا
الحكم معجزة؟ إن لاحظنا الإحصائيَّات الموجودة حول أضرار القمار المختلفة نرى: 90%
من عمليَّات النشل، 50% من الجرائم المختلفة، و10% من المفاسد الأخلاقيَّة، 30% من
حالات الطلاق، و40% من النزاعات الدامية، و5% من حالات الانتحار تتمُّ من قِبَل
لاعبي القمار! والعجب كلُّ العجب، أنّ عالم اليوم قد اعترف بالقمار رسمياً، وصار
للاعبي القمار مدينة خاصة بهم، حيث يذهب المقامرون من كل أطراف العالم إلى هناك.
ولكن الإسلام حرّم جميع أنواع القمار، حتَّى أنه حرّم اللعب بالجوز بين الأطفال
التي يكون فيها الربح والخسارة(2)؛ لأنّ الأولاد ومن يلعبون هذه اللعبة لا يقومون
بعمل إنتاجي أو توزيعي أو خدماتي.
* مسابقات الخيل والرماية
لقد حرّم الإسلام كلّ نوع من الرِّهان الذي يوجد فيه ربح وخسارة ماليَّة، ولكنَّه
أجاز حالتين من الربح والخسارة الماليّة، لما فيهما من أهداف معقولة ومنطقية ويمكن
اعتبارها عملاً مفيداً، إحداهما مسابقة الخيول إذ يمكن للفرسان والمتنافسين أن
يشترطوا فيما بينهم أن يربح واحد منهم مالاً من الآخرين إذا فاز. وإنَّ فلسفة جواز
الربح والخسارة الماليَّة في مسابقات ركوب الخيل أنّ مثل هؤلاء الأفراد يمكن أن
يتدرَّبوا عن طريق هذه المسابقة للدخول إلى ميادين الحروب والقتال وهم يستطيعون
بذلك أن يدافعوا عن بلدهم إذا تعرَّضت لهجوم الأعداء وحملاتهم، أمَّا المسابقة
الأخرى فهي الرماية، حيث يجوز في مثل هذه المسابقة أن يشترط المتبارون فيما بينهم
على ربح أو خسارة مالٍ معيَّن. والرماية أيضاً من الفنون القتاليَّة التي تلعب دوراً
في إعداد الشباب من أجل الدفاع عن الإسلام والمسلمين.
* الرهان بأسلحة اليوم
سؤال مهم: هل يمكن جعل أسلحة كلِّ عصر وزمان بديلاً لمسابقات الرماية بالسهم
والنشّاب؟ فمثلاً في زمننا صارت المنافسة بأسلحة اليوم والبنادق وسائر الأسلحة
الأخرى التي أصبحت بديلاً للرمي بالسهام، هل يمكن القيام والمشاركة بهذه المنافسات
عبر هذه الأسلحة الحديثة؟ جواب: نعم، إنّ هذا الموضوع صحيح، لأننا على يقين من عدم
خصوصية القوس والنشّاب في ذلك، والمهم في ذلك الاستعداد القتالي للرماة، وهذا
الاستعداد في كلِّ عصر وزمان يجب أن يكون بسلاح عصره، وهذا الموضوع أيضاً يصدق حول
مسابقة الخيل، لذا فإنّ المنافسة والرهان بوسائل النقل الحديثة التي يمكن الاستفادة
منها في ميادين القتال والجهاد لا إشكال فيه.
* رهان المتفرِّجين ممنوع
أحياناً يقوم المتفرِّجون على مسابقات ركوب الخيل بالرِّهان فيما بينهم، فمثلاً
يراهن مئة شخص على الحصان رقم (1) ومئة آخرون على الحصان رقم (2)، ويضع كلُّ واحدٍ
منهم مئة ألف ليرة مثلاً، ويتَّفقون على أنَّه إذا احتل حصان ما الرتبة الأولى
يجمعون المال ويقسمونه بين من راهنوا على ذلك الحصان. إنَّ هذا الرهان حرام لأنَّ
المتفرجين لا يقومون بعمل إيجابي ولا ينجزونه.
* ألعاب القمار غير المرئية
لقد أفرز عصرنا الحالي أنواعاً من ألعاب القمار المبهمة التي تتمظهر في لبوسات
تجاريَّة وصفقات وعمولات من حقوق السمسرة وأمثال ذلك، وللأسف فقد خلّفت ضحايا كثيرة
لحدّ الآن، خَدَع القائمون بها أفراداً كثيرين، واحتالوا عليهم فوقعوا ضحيَّة لها،
حيث إنَّهم يضعون مثلاً بغرض شراء بضاعة معيَّنة مبلغ 500.000 ليرة في حساب شركةٍ
ما، ومن ثمَّ يقوم الشخص المشتري بالبحث عن زبون، فإذا قاموا بتعريف وتقديم زبونين
إلى الشركة فإنَّهم سوف يحصلون على عمولة من ذلك، وهذان الزبونان الجديدان كذلك
يبحثان عن زبونين آخرين حتَّى يحصلا على عمولة لنفسيهما، وهكذا يصبحون أربعة زبائن
جدد، كلٌّ منهم يبحث عن زبونين آخرين وتستمر هذه الشبكة وتمتد، وبعد عدَّة أشهر
يلاحظ مسؤول المجموعة أنَّ حسابه البنكي قد أصبح فيه مبلغ عظيم من المال بعنوان
عمولة حق السمسرة، في حين لم يقم بأي عمل مفيد وإيجابي لا من الناحية الإنتاجيَّة،
ولا من الناحية التجاريَّة، ولا من الناحية الزراعيَّة ولا من ناحية الرعي، بل إنَّ
الشركة المذكورة قد احتالت على كثيرٍ من الناس ووضعت المبلغ الأساسي ممَّا حصدته في
جيبها، وأعطت مبالغ لرؤساء المجموعات، أمَّا الأفراد في الرتبة الأخيرة من هذه
الحلقة فهم يُعدّون من خاسري الأموال الحقيقيين. فإذا نظرنا في الرتبة الأخيرة من
الشبكة المؤلَّفة من 100.000 شخص، كل واحد منهم دفع 200.000 ليرة، نلاحظ أنَّ مجموع
ما دُفِعَ يصبح 20.000 مليون ليرة، في حين أنَّهم لم يحصلوا على ألف واحد من ذلك!
وقد أفتى مراجع التقليد بحرمة هذا العمل. وقد حظر مجلس الشورى الإسلامي في إيران
هذا العمل، وقامت السلطة القضائية بالتصدِّي له، وقامت قوى الأمن الداخلي باعتقال
وسجن عدد من الناشطين في هذا المجال، ولكن نظراً للربح الهائل لهذا القمار العالمي
للشركة الأصليَّة والمنابع الرئيسة لهذا العمل، فإنَّه لحدِّ الآن تستمر هذه
الفعاليَّات والنشاطات المشبوهة، على الرغم من أنّ المال المتحصّل من القمار إذا
دخل منزلاً من المنازل، فإنَّه يسلب بركة ذلك المنزل ويسيء إلى أهله ويكون سبباً
لشقائه.
1- بحار الأنوار، ج79، س234، الحديث 11 و12.
2- ميزان الحكمة، ج ، س3485، الباب3419، الحديث 17103.
ghcggvhv
وائل
2023-12-15 17:14:23
رائع