مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أهمية إقامة الصلاة

آية الله مشكيني



 ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ  [لقمان/17].
في الحلقة الماضية تعرضت الآيتان الخامسة عشرة والسادسة عشرة من سورة لقمان المباركة إلى أصلين من الأصول الاعتقادية المهمة هما: البداء والمعاد. وقد مضى الحديث حول هذين المطلبين.
أما الآية السابعة عشرة- موضوع البحث- فتتمحور حول مجموعة من المسائل الفرعية وهي:
1- إقامة الصلاة.
3- النهي عن المنكر.
2- الأمر بالمعروف.
4- الاستقامة في أداء الوظائف.
في هذه الحلقة سنقصُر الحديث حول بيان الأمر الأول؛ أي إقامة الصلاة؛ تاركين المسائل الفرعية الأخرى إلى الأعداد اللاحقة إن شاء الله تعالى.

* إقامة الصلاة:
تطالعنا الآية بقوله تعالى: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ . وفي تفسير هذا القول وجهان: الأول أن يكون المقصود من ﴿أَقِمِ الصَّلَاة  أمراً فردياً يتعلق بشخص ابن لقمان عليه السلام؛ أي أن لقمان يأمر ولده أن يقيم الصلاة ويؤديها ولا يترك أو يهمل هذه الفريضة أبداً.
والثاني أن يكون المقصود من إقامة الصلاة إحياءَها في المجتمع. فالتكيف ليس أداء الصلاة كفرد فقط، بل دعوة الناس إلى إقامة هذه الفريضة الإلهية وترغيبهم بها وتشويقهم إليها. كما أننا عندما نتوجه لزيارة الإمام الحسين عليه السلام ونقول: "أشهد أنك قد أقمت الصلاة" فإن المقصود بالتأكيد هو هذا المعنى الثاني.

* الصلاة في الشرائع السابقة:
الثابت في الروايات أن الصلاة كانت جزءاً أساسياً في جميع الشرائع الإلهية التي أنزلت عبر الأنبياء السابقين من نبي الله آدم أبي البشر عليه السلام وحتى خاتمهم وسيدهم. إن بعض الأحكام والتشريعات من الأهمية للبشر بمكان بحيث تخلو منها أي من الشرائع السماوية مثل وجوب الصلاة وحرمة الشراب. ففي الحديث الشريف أنه لم يبعث نبي من الأنبياء إلا وفي شريعته حرمة الشراب. ووجوب الصلاة كذلك أيضاً، حيث نجد من خلال مطالعة سريعة لآيات القرآن الكريم التأكيد الشديد لأهمية الصلاة والمحافظة عليها كلما تعرض لذكر الأنبياء ورسالاتهم، فهذا إبراهيم الخليل عليه السلام بعد الانتهاء من بناء الكعبة يقول: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء[إبراهيم/40]. وإقامة الصلاة مما أُوحي إلى موسى عليه السلام كما في سورة يونس حيث قوله تعالى: ﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يونس/87]. وكان إسماعيل عليه السلام آمراً بالصلاة كما في سورة مريم في قوله تعالى:  ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّاَ  [مريم/55]. وقد أمر الله تعالى الملائكة بمخاطبة زكريا عليه السلام أثناء الصلاة:  ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ  [آل عمران/59]. والمحصل أن الصلاة لأهميتها وعظيم شأنها عند الله عزّ وجلّ فقد جعلها فريضة عامة في كل الشرائع والرسالات السماوية دون استثناء.

* الشريعة والدين:
قبل متابعة الحديث حول الصلاة، أود أن نقف قليلاً للتمييز ولو بشكل مختصر بين الدين من جهة والشريعة من جهة أخرى. فالدين- كما يقول تعالى- هو الإسلام: ﴿إن الدين عن الله الإسلام. أي أن هناك ديناً واحداً لا أدياناً متعددة، وقد بعث جميع الأنبياء لتبليغ هذا الدين الذي هو الإسلام لا غير. أما الشريعة فكانت تختلف بين نبي وآخر في أحكامها وتشريعاتها التفصيلية. فالدين هو الأصول الكلية الثابتة بينما الشريعة هي الأحكام الجزئية المتغيرة تبعاً للظروف المناسبة لهداية البشر، وبالإمكان اعتبار الدين بمثابة الجسد والشريعة بمنزلة اللباس، حيث أن المتغير مع بعثات الأنبياء الإلهيين العظام هو اللباس [الشريعة]، أما الجسد [الدين] فهو ثابت دائماً.

* روح الصلاة:

للصلاة روح وجسد. فالجسد عبارة عن الأفعال والحركات والأذكار التي يجب القيام بها، أما روح الصلاة فهو حضور القلب والتوجه الكامل إلى الله تعالى أثناء هذه الأفعال. لقد تكفلت كتب الفقه بالبيان التفصيلي لأحكام أفعال الصلاة حيث شغلت حيِّزاً مهماً من الفقه الإسلامي، لكن ما هو أهم من ذلك هو روح الصلاة؛ أي خلوص النية والتوجه القلبي إلى الله. الروايات والأحاديث المستفيضة الواردة حول هذا الأمر تدلّل بوضوح على أهميته، وعلى أن الصلاة من دون خلوص النية كالجسد من دون روح أو كالشجر الذي أصابه اليبس والذبول. فكما أن الشجر اليابس لا يورق ولا يثمر، كذلك صلاة الغافل غير المتوجه إلى الله المتعال ليس لها أي قيمة.
جاء رجل إلى أحد العلماء وشكا له أنه كلما شرع في الصلاة سرح خياله في الأبقار والأغنام والبساتين والمزرعة التي يملكها ولا يلتفت إلا وقد فرغ من صلاته. فقال له ذلك العالم: أنت ليس لك قلب واحد بل عشرة لتتعلق بالحيوان والمزرعة بدلاً من الله عزّ وجلّ.

أيهما أفضل: شخص حسن الهندام جميل المنظر صحيح الجسم ولكنه ضعيف العقل قليل الأدب فاقد للقيم الإنسانية والمعنوية، وفي المقابل شخص ليس لديه من الكمالات الجسمية والمادية ما عند الأول ولكنه قوي العقل حسن الأدب سابق في مضمار الكمالات العلمية والمعنوية؟! أيُّ الشخصين أفضل وأحق بالإجلال والاحترام؟ هكذا الصلاة. في يم القيامة الصلاة التي لها قيمة واعتبار هي الصلاة التي لها روح، الصلاة التي يتوجه الإنسان بكلِّه إلى الله المتعال في تمامها؛ من تكبيرة الإحرام وحتى السلام. أما صلواتنا العادية، فلو قدر لإنسان أن يسجل ما يتوارد عليه من أفكار وخيالات أثناء صلاته ثم يستمع إلى شريط أفكاره وخيالاته المشتتة هذه بعد الانتهاء من الصلاة، فإنه سوف يخجل من نفسه لا محالة.
قيل لشخص إن أمير المؤمنين عليه السلام كان لا يغفل في صلاته عن الله تعالى لحظة واحدة. فقال: أنا أستطيع ذلك. فذهب إلى المسجد واستقبل القبلة، ولما شرع في الصلاة وكبّر تكبيرة الإحرام وقع بصره على منارة المسجد، فراح يحصي ما فيها من اللبنات ويتفكر في هيئتها وجمال صنعتها إلى أن انتهى من صلاته. فأين هذه الصلاة من الصلاة الحقيقية التي تنهى عن الفحشاء والمنكر؟

* الحاجة إلى الصلاة:
الصلاة وسيلة لصناعة الإنسان وتربية الروح واكتساب الكمالات الروحية والمعنوية، وهي للروح كالهواء للجسم. فكما أن جسم الإنسان لا يستطيع النمو والاستمرار من دون الهواء، وإذا كان الهواء ملوثاً فسوف يصاب بأنواع من الأمراض، كذلك الروح لا يمكن أن تُهذَّب وتتحلى بالكمالات المعنوية من دون الصلاة النقية الخالصة لله تعالى. ولذلك وصفها تعالى في محكم كتابه فقال: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ [آل عمران/19]، فما لم يؤدِّ المصلي حق صلاته، ولم يحافظ على التوجه والحضور القلبي التام فيها، فهو في الحقيقة لم يتزود بالزاد الروحي الكافي ولم يشبع حاجته الروحية هذه. إن علامة الصلاة الخالصة أنها تنهى عن المعاصي. فالتاجر الكاذب الذي يخادع الناس ويطفف في المكيال أو يعطي صورة عن بضاعته أفضل مما هي عليه في الحقيقة والواقع فهو ممّن لم تنهَهُ صلاته عن المنكر وليس لها أي قيمة واعتبار عند الله عزّ وجلّ.

والصلاة بعد هذا من أهم الوسائل لارتباط الإنسان بالله عزّ وجلّ، فقد ورد في الحديث الشريف: الصلاة معراج المؤمن. في هذا المعراج تتخلص روح الإنسان من سفاسف التعلقات المادية والرذائل الدنية وتتوجه نحو الله لتحلّق في سماء ملكوته زياد في القرب والزلفى لديه. ففي الحديث الشريف أن: "الصلاة قربان كل تقي".
وللصلاة فوائد كثيرة من الناحية السياسية أيضاً. فالثورة الإسلامية المباركة في إيران وما فيها من عظمة لا مثيل لها من بركات صلوات الجمعة والجماعة. الذين ثاروا وجاهدوا ضد نام الطاغوت كانوا يجتمعون في المساجد ويؤدون صلاة الجماعة ويستمعون إلى علماء الدين المخلصين فيتعرفون من خلال ذلك إلى الأوضاع التي تدور حولهم وما هو الواجب عليهم إزاء ذلك. ومن هنا ولدت الثورة وانتصرت.

* الصلاة أول الوقت:
ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "لا يزال الشيطان هائباً لابن آدم ذعِراً منه ما صلّى الصلوات الخمس لوقتهن، فإذا ضيعهن اجترأ عليه فأدخله في العظائم".
يبين هذا الحديث الشريف أهمية الصلاة في أول الوقت بما لا يدع مجالاً للشك. وسواء كان المقصود من الشيطان النفس الأمّارة للإنسان أم إبليس نفسه وأعوانه، فالفرد أو المجتمع الذي يراعي أوقات الفضيلة للصلوات الخمس فإن الشيطان يخاف منه "هائباً له ذعراً منه"، ولا يطمع بإغوائه وإضلاله وإن فقد مراعاة وقت الفضيلة تجرأ الشيطان عليه.
صلاة الجمعة- على وجه الخصوص- من الصلوات التي تخشاها الشياطين حتى الشيطان الأكبر "أمريكا" لأن هذه الجموع الضخمة التي تحضر إلى صلاة الجمعة تظهر المزيد من الحماس والاندفاع والتأييد للثورة والإسلام مما يضعف آمال الأعداء في التغلب عليها.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع