إن الماء داخل قدح يعمل عمل العدسة، فهو يعطي صورة مشوّهة
لفم الهرّ.
وعمل العدسات في آلة التصوير هو الذي يمكّن بكل أمانة وصدق من ضبط الصورة التي
تثبّت على فيلم حسَّاس. أما أعيننا فتعمل مثل آلة التصوير وتنقل إلى المراكز
البصرية في دماغنا الصور التي تتكون على الشبكية.
* العين عدسة مهمة:
تندمج العدسات في الأشياء التي تواكب حياتنا اليومية: هناك المكبَّرة التي تُفحص
بواسطتها الطوابع المجموعة، وعدسة آل التصوير، والمنظار أو النظارات العادية التي
تصحح بصرنا.
ولكن هناك عدسة خاصة على قدر كبير من الإتقان لا تفارقنا أبداً، وهذه العدسة هي أحد
أهم أجزاء العين عند الإنسان، وتعرف باسم بلورية العين التي تمرّ خلالها الرسائل
الضوئية والألوان.
* لا ينتشر الضوء دائماً بخط مستقيم:
عندما يراد تحديد خط مستقيم بواسطة صورة ما، يستعان أحياناً بمثل الأشعة الضوئية،
لأن الضوء ينتشر فعلاً بخط مستقيم في الظروف العادية. فهل حال الضوء دائماً هكذا؟
إذا قمنا، في يوم مشمس، بمراقبة شعاع ضوئي دقيق يتسرب من خلال مصاريع مفتوحة جزئياً،
فإننا نلاحظ أن الضوء ينتشر بخط مستقيم، ولكن إذا تم اعتراض الشعاع بجسم شفاف (حرف
منفضة زجاجية مثلاً) فإن الشعاع ينقسم إلى عدة شعاعات من ألوان مختلفة لا تتبع
اتجاهها الأصلي، فزجاج المنفضة سبب إذاً انحراف الضوء..
هذه الظاهرة هي عامة: فكل
مرة يعبر فيها شعاع ضوئي من وسط شفاف إلى آخر، من الهواء إلى الزجاج مثلاً أو من
الهواء إلى الماء والعكس بالعكس، فإنه يغير اتجاهه. وخاصة انحراف الأشعة الضوئية عن
اتجاهها الأصلي تسمى انكساراً، والتشويه الذي يصيب صورة الهر من خلال الزجاج هو
نتيجة تبدد وتبعثر الضوء في عملية الانحراف عن الاتجاه الأصلي.
عندما تخترق أشعة ضوئية طبقات هوائية مختلفة الحرارة والكثافة فإنها تنكسر وتحدث
ظواهر "السراب" (شكل أ) وبينما يصل الشعاع (ش1) مباشرة إلى عين المراقب لأنه يخترق
طبقة هوائية واحدة، فإن الشعاع (ش2) يطرأ عليه انكسارات عدة تحنيه. والمراقب يشاهد
الشجرة بفضل الشعاع (ش1) ويشاهد شجرة معكوسة بفضل الشعاع (ش2) فيظن أن هناك كمية من
المياه في أسفل الشجرة تعكس الصورة (كون ش2 هو الشعاع الظاهر). أما صياد السمك
بواسطة القوس (شكل ب) فيأخذ عملية الانكسار بعين الاعتبار، فيسدّد سهمه إلى نقطة
أكثر انخفاضاً من صورة السمكة التي يشاهدها.
* المكبرة وآلة التصوير، والعين:
إن أول آلة بصرية تستعمل الانكسار الضوئي هي المكبرة العادية التي تتألف من عدسة
واحدة. وتسمى هذه العدسة الخاصة عدسة لأمّة، من خصائصها أنها تجمع وتقرّب الأشعة
الضوئية المختلفة التي تخترقها في نقطة واحدة هي نقطة تقاطع الأشعّة. ويمكن التثبت
من صحة هذه العملية بوضع عدسة لامعة على مسار أشعة شمسية متوازية في الأصل فيما
بينها، فنلاحظ إذّاك أن الأشعة المعترضة التي تخترق العدسة تتجمع في نقطة واحدة
مضيئة جداً، وإذا وضعت ورقة في هذا المكان فإنها تشتعل بعد مرور وقت معين.
لنُجرِ الآن تجربة أخرى،
فتضع عدسة لامعة بين شمعة وحجاب (قطعة زجاج مصقول أو ورقة). فعلى مسافة
معينة بين العدسة والحجاب نشاهد صورة الشمعة تتكون جلية واضحة المعالم على هذا
الحجاب. وهذه الصورة (أكبر من الأصل أو أصغر منه) تكون معكوسة بالنسبة إلى
الشمعة. فإذا أبعدت الشمعة أو قرّبت وجب إبعاد العدسة أو تقريبها كي تكون الصورة
واضحة جلية.
لنستبدل الآن الزجاج المسقول بفيلم تصويري تتثبت عليه الصور ولنضع جهازاً يمكن من
إبعاد العدسة أو تقريبها تدريجياً من الفيلم من أجل الحصول دائماً على صور جلية،
فإذا وضعنا كل ذلك في علبة سوداء تكون قد صنعنا آلة تصوير بدائية.
* من البسيط إلى المعقد:
يرتكز عمل جميع آلات التصوير على المبدأ الذي وصفناه: عدسة، فيلم حساس.
وآلات التصوير هي بالطبع أكثر اتقاناً، إذاً أكثر تعقيداً من العلبة التي تخيلناها
سابقاً، لكن العناصر الأساسية تبقى هي نفسها. فهي تحتوي مثلاً على عدة عدسات، على
أجهزة ذاتية الحركة تقيس المسافات (مقاييس المسافة)، وكمية الضوء اللازمة (الموضاع)
كي تحدد السجاف بدقة (يكون هذا الأخير أكثر انفتاحاً أو أقله حسب كمية الضوء
المطلوبة)، حساسية الفيلم إلخ..
* عدسة طبيعية:
اخترعت آلة التصوير في القرن الماضي، لكن الطبيعة كانت قد صنعت منذ ملايين السنين
آلات تصوير حقيقية مع مِوْضاع، ضبط آلي من بضع سنتيمترات حتى اللانهاية، طبع
بالألوان شبه فوري، ضبط آلي للسَّجاف؛ فيلم يلائم جميع أنواع الضوء.. هذه الآلة
العجيبة الأكثر اتقاناً من أغلى آلة تصوير بكثير هي عين الحيوانات.. والإنسان.
بلّورية العين هي التي تلعب دور العدسة في العين. وهي على كل حال العدسة الوحيدة
الموجودة في الطبيعة. تقوم الشبكية مقام الفيلم (شكل 3).
كما رأينا سابقاً، للحصول على صور جلية لأشياء تقع على مسافات مختلفة؛ يجب تعديل المسافة بين العدسة والفيلم وهنا بين بلورية العين والشبكية، لا تستطيع الأعين بطبيعة الحال تأدية هكذا نتائج لأنه يجب عليها أن تكون قادرة على التقدم أو الارتداد عند الطلب أو تغيير عدساتها. لكن الطبيعة اتخذت الترتيبات الضرورية لكل شيء. في الواقع، باستطاعة بلورية العين التقلص والتمدد مبدّلة بذلك انحناءها؛ ويحصل إذا صح القول تبديل طبيعي للعدسة تبعاً لمسافة الأشياء المراقبة.
تتحكم الحداثة وهي الثقب
الأسود في وسط القزحية بفتحة السّجاف أي بضبط كمية الضوء التي يجب أن تدخل العين.
إذا ما جلسنا أمام مرآة فوراً بعد معاينة مصدر ضوئي شديد (مصباح كهربائي مثلاً)
نتثبت من أن آلة التصوير البشرية مزودة بسجاف تلقائي الحركة. نرى حينئذٍ أن حدقاتنا
الصغيرة في بداية الأمر تتسع لتتلاءم مع كمية أضعف من الضوء. (شكل 4).