الشيخ بسّام محمد حسين
قال تعالى: ﴿وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ
فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ (الحج: 32). إذا كان أحد معاني الشعيرة يعني
العلامة الدالّة على صاحبها، فإنّ في إضافة الشعيرة إلى الله تعالى نسبةً وتشريفاً
خاصّين، يعبّران عن حقيقة هذه الشعائر الدينية عموماً، والحسينية خصوصاً. وفي
الإضافة هذه إشارات:
1- الإخلاص والتوجّه إلى الله تعالى بها: فإنّ انتساب الشعيرة إلى الله تعالى،
يدلّ على ضرورة قصد طاعته من خلال العمل بها، فمحور هذه الشعائر هو الله تعالى،
وإذا قُصد بها غيره، لم تعبّر عن شعيرة دينية، بل كانت شعيرة أخرى بدافع العادة أو
العرف أو القبلية ونحوها.
2- الهدف من الشعائر دينيّ: بمعنى أنّ أيّ شعيرة من الشعائر الإلهية، ومنها
الحسينية، تساهم في توجيه الناس نحو الله تعالى الواحد الأحد. فإنّ تعظيم شعيرة من
شعائر الحسين عليه السلام بما تمثّل من إحياء لذكر وليّ الله وحجّته على خلقه، يربط
الناس بالله تعالى الذي يُنتسب إليه ويُرجع إليه.
3- تعظيم الشعائر: إنّ المطلوب تعظيم الشعائر وتقديسها، والتعامل معها بنوع
خاصّ من الاهتمام والاحترام، لأنّها تنتسب إلى الله تعالى، شأنها في ذلك شأن سائر
المقدّسات التي تنتسب إليه سبحانه.
4- تقوى القلوب: إنّ لهذه الشعائر أثرها الخاص على الإنسان، بما تتركه على قلبه
من علاقة بالله تعالى. والتعبير في الآية بـ﴿تَقْوَى
الْقُلُوبِ﴾ فيه إشارة خاصّة، ففرق بين أن تكون التقوى في الأفعال
والأعمال، وبين أنْ تكون في القلب فقط، فللشعائر دورها في ترسيخ العلاقة القلبية مع
الله تعالى وتساهم في تقوية إيمان الإنسان وتديّنه.
يبقى أن نشير إلى أنّ مصاديق هذه الشعائر على نحوين:
ـ الأول: ما ورد النصّ عليه بخصوصه، كالأذان وصلاة الجماعة وبعض شعائر الحجّ
ونحو ذلك، أو بعض الشعائر الحسينية؛ كالبكاء واللطم وإنشاد الشعر وغيره.
ـ الثاني: ما لم يرد فيه نصّ بخصوصه، إلّا أنّ مصاديقه تندرج تحت عنوان عام،
كترويج الدين والدعوة إلى التعلّم مثلاً، حيث يندرج تحته كلّ أسلوب حديث يدعو إلى
التفقّه أو التعلّم والتعليم بالأساليب المستحدثة. وكذلك في مجال الشعائر الحسينية
فإنّ عنوان (إحياء أمرهم) صلوات الله عليهم، يندرج تحته كل ما من شأنه أن يُحيي ذكر
الحسين عليه السلام في قلوب محبيه، طالما لم يُعد من مصاديق عنوان آخر منهيّ عنه؛
كالضرر المحرّم المعتدّ به، أو هتك الحرمة، أو عدم انسجامه مع طبيعة الهدف المنشود،
بحيث يؤدّي خلاف غرضه.
ختاماً، إنّ للشعائر الحسينية دوراً كبيراً في الحفاظ على الرسالة المحمدية
الإلهية، ولولا هذا الإحياء المتجدّد في كلّ عام، لما قامت لهذا الدين قائمة؛ ولذا
قال الإمام الخميني قدس سره: "إن كلّ ما لدينا هو من هذه المجالس". فما
تبثّه هذه الشعائر وتثيره في النفوس من روح الوحدة بين جميع الفرق والتيارات،
وجمعهم تحت عنوان واحد من رفض الظلم، والوقوف في وجه الطغاة، ونصرة المظلومين،
والدفاع عن المحرومين، والتضحية بكلّ شيء لأجل الأهداف النبيلة والمقدسة، وإرساء
القيم والمبادئ وغيرها، كلّ ذلك من شأنه أن يقوّي شوكة الدين ويحفظ تعاليمه، ويرفع
شأنه وشأن أتباعه ومحبيه، أينما كانوا، وفي أي أرض حلّوا.
وهذا كلّه مدين لتلك الوقفة التاريخية لسبط المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم،
يوم العاشر من المحرم سنة 61 للهجرة، الذي رفع شعار العزّة والكرامة قائلاً:
"هيهات منّا الذلة"، وسقى شجرة الإسلام بدمه الطاهر ودماء أهل بيته وأنصاره، في
واقعة دامية لم يشهد التاريخ نظيراً لها؛ فـ"لا يوم كيومك يا أبا عبد الله".
فالسلام عليك يا مولاي يا أبا عبد الله الحسين عليه السلام يوم ولدت، ويوم استشهدت،
ويوم تُبعث حيّاً.