ولكن.. تعقيب على رسالة أمة إقرأ لماذا لا تقرأ
إلى العزيز الحبيب السيد عباس نور الدين عبر مجلة بقية اللَّه.
طالعت في العدد السابق صرخة "الآخ" الموجعة التي خرجت من أعماقكم بدون تكلف تنطق
بوجعنا وتردد في الأصداء، أمانينا المعذّبة والمكتوبة بنار "الجهل والجاهلين"، أجل
أيها الحبيب لقد وضعت إصبعك على الجرح ولكن لمستك التي ما عهدتها منك إلا حانية قست
على الجرح فأوجعته، وضغطت على قرحه وآلمته، فأجعت بشفافيتها "الحارقة" وآلمت
باستفزازيتها "الساطعة"، فأدرجت ما ابتغت واستنفرتني ثم استفزتني فامتشقت القلم،
وسودت بياض السطور، شاكراً لك منوهاً باستهدافاتك، عاتباً على بعض انحيازك وتقريعك
الذي ما عهدته إلا مبتغياً "القربى إلى اللَّه".
1) حول مفهوم القراءة ومادتها جرى الخلط بين "إقرأ" جبريل عليه السلام
لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، و"إقرأ" تراث محمد وآل محمد عليه السلام مع
أن القراءة الأولى هي سبر غور عالم المعرفة بأدات القلب والروح والعقل الكامل
للإنسان الكامل لعلم العلوم "علم الكتاب".
أما "إقرأ" الثانية وهي بيت القصيد في مقالكم فقد وقعت تحت مغالطة فادحة، ليس أقلها
اتهام "العلارب" رسول الحضارة الإسلامية إلى أوروبا وغيرا، هم من طوع العلوم لخدمة
الرسالة بدءاً من طلاب جامعة أهل البيت في المدينة المنورة "جابر بن حيان وغيره"،
وصولاً إلى علماء الطائفة الكبار "الشيخ المفيد، العلامة الطوسي، الفراهيدي الشهيد
الأول والثاني وغيره من الكبار، وما شهدته أحقاب التاريخ على مدار العصور يدلل أن
العلم لم يختلف أبداً مع لغة القرآن بل بقي صورة ناصعة عن حركة علمية متفاعلة مع
حضارات قديمة وحديثة العهد رغم أن معجزة القرآن الكبرى هي أنها أطلقت جحافل العلم
والتعلم في بداوة الصحراء وأخضعتها لمتطلبات المجتمعات الحضرية والريفية، ومن
المؤكد أن لا حركة علمية يمكن لها أن تستمر وتتعاظم وتنمو إلا بتفاعل مؤكد وجدّي
بين العلماء والمجتمعات المتلقية والقارئة.. وعليه فإني أسجل عليك أيها الحبيب نقطة
"إطلاقك" صفة "كره العلم والإطلاع" بدون تحفظ على كل الحضارة الإسلامية السالفة
والتي تعرض قسم كبير منها للإتلاف والإحراق والتدمير إبان الغزوات الخارجية الكبرى
وكفى بهذه الإشارة مغزى..
2) بالنسبة لما أشكلته على أنظمة التربية والتعليم أوافقك الرأي كاملاً على ما
طرحته وأزيد على ما تفضلتم به فكرتين صغيرتين تتبعان الطرح:
الأولى: فرض نطام تربوي واحد في العديد من الدول الإسلامية لا يتوافق مع خصائص
هذا البلد وأدبياته وقيمه وعادة ما يكون هذا النظام التربوي بكامل مفرداته مستورداً
بشكل "حرفي" من الخارج، أو أن هذا النظام التربوي يكون منتجاً على يد من درسوا
وتأثروا بالغرب وعادوا إلى بلادهم ليعيدوا تعريب ذلك النظام بصفة مشوّهة..
الثانية: حتى ولو وجد في أنظمتنا التربوية تشجيع على الكتابة والقراءة فإن هذه
الأنظمة تفرض مساراً محدداً للمطالعة يعطي ظهره في غالبية الأحيان للمتطلبات
الحضارية والمعرفية لهذا المجتمع..
3) حول المواضيع المطروحة للقراءة: طالما أنك اعتبرت المكتبة العربية متخلفة
وغثة فإنك لم تلفت النظر إلى أسباب ذلك وهو أصبح معروفاً ومحدداً بعناوين ثلاثة:
أ) تخلُّف مجمل الخطاب الثقافي وتبلده في قضيا حقبة الستينات والسبعينات
الثقافية.
ب) خضوع الثقافة والكتاب في المكتبة العربية لمبدأ العرض والطلب ولمنطق السوق
والاستهلاك واعتبار الثقافة العربية المطبوعة لهذا اللحاظ ثقافة تجارية واستهلاكية..
ج) ربط التجهيل وغثاثة المواضيع الحساسة المطروحة في المكتبة العربية بمجمل مشروع
السلطة الاستبدادية في هذه المنطقة وعلاقة هذا التجهيل بمحاولات الهدم الثقافي
الغربي وبمحاولات التطبيع الثقافي الصهيوني.
4) الإشكالية الرئيسية التي طرحتموها في رسالتكم "أمة إقرأ، لماذا لا تقرأ؟" هي أن شعبنا لا يقرأ. أقول لكم نعم إن شعبنا يقرأ ولكن ماذا قرأ؟ إنه يقرأ "السياسة" وهو مستغرق في الجريدة استغراقاً اكتفى به في
عصر السرعة
ببعض المانشيتات والتحليلات التي تشبع فضوله المتأثر بوتيرة التسارع التي يداهمه
بها التلفزيون والراديو والكمبيوتر.. وهذه الوسائل الاتصالية تجعله أسير إشباع
حاستي "السمع والبصر" إشباعاً آنياً يعطل عقله ويفرض عليه لغرق بدون اعتراض أو
تحقيق في "قرية الإعلام العالمية" التي تبث كماً هائلاً من المعلومات والتي يمكن
لها أن تصنع مسخاً لإنسان، وليس إنساناً عاقلاً يفكر.. إن الكتاب والأبحاث، تتراجع
وتنسحب لمصلحة سمّ "التلفزيون والأقمار الصناعية، والكمبيوتر الإنترنت" المدسوس في
العسل..
أما وقد سجلت بعض ملاحظاتي على ما ورد في رسالتكم الكريمة "أمة إقرأ لماذا لا تقرأ"،
فإني أضم صوتي إلى صوتكم وأدق أجراس الخطر معكم وأدعو كل مخلص أن يدلو بدلوه في هذا
المجال وأشكر لمجلة بقية اللَّه التي أتاحت لنا هذه الفرصة..