مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

تربية: يا بُنيّ.. المالُ مالُ الله

الشيخ سامر توفيق عجمي(*)



لا تخفى أهميّة العامل الاقتصاديّ الماليّ في حياة الإنسان المعاصر، حيث تحضر العولمة الاقتصادية بقوّة، ويغلب الطابع الرأسماليّ على الأنشطة المالية، وتشيع ثقافة التسوّق والشراء (Shopping)، وتنشط حركة الإعلانات والدعايات التجارية التي تستند إلى دراسات سيكولوجية وغيرها، وتعتمد تصاميم ذكية ومؤثّرات بصرية وسمعية تدفع مخّ الطفل إلى ضغط زرّ الشراء بنحو يُضعف قدرة الطفل على مقاومة إغراء ما يعرض من سلع وبضائع. فأينما يولِّ الطفل وجهه ثمّة محفّزات للشراء، في الشارع، وفي التلفزيون...، بنحو أدّى إلى حصول تبدّل كبير في نمط الحياة (Lifestyle)، وأصبح المجتمع الإسلامي يعيش حالة انفصام وازدواجية بين القيم الدينية إيمانياً، والواقع الاقتصاديّ سلوكيّاً، وهذا يضاعف حاجتنا إلى التربية الاقتصادية للطفل.


•التربية الاقتصادية بالقدوة الحسنة
أول نقطة ينبغي للأب المربّي أن يستحضرها في ميدان التربية الاقتصادية هي التربية بأسلوب القدوة والنموذج السلوكيّ الحسن. وفي هذا السياق، نطرح مسؤوليات الأب الاقتصادية في الأسرة:
أولاً: أن يتكفّل بتأمين كل ما يحتاج إليه الطفل في حياته، من سكن وطعام وشراب ولباس وطبابة وتعليم وترفيه وألعاب...، ليعيش حياة طيبة.

ثانياً: أن لا ينفق على الآخرين ويتصدّق عليهم بحرمان أطفاله من احتياجاتهم الحياتية.

ثالثاً: أن يوسّع على أطفاله، فيغدق عليهم فوق احتياجاتهم الضرورية، فوق الحقّ الواجب، إنْ أوسع الله عليه.

رابعاً: أن يجعل أطفاله يشعرون أنّه هو القيِّم الاقتصاديّ عليهم، وأنّ يده ليست قاصرة، فإنّ هذا يمنحهم الثقة باقتدار الأب وقوّته، ويشعرون بالأمان والطمأنينة بين يديه، بل الأب نفسه يعيش السعادة. عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: "من سعادة المرء أن يكون القيّم على عياله"(1).

خامساً: على الأب الإنفاق على أطفاله باختيار العمل الحلال، والحرص على طيب المال بالابتعاد عن الرشوة أو السرقة أو الغصب، وكذلك مراعاة حقّ الله بإخراج خُمسه وزكاته...
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "من طلب الدنيا حلالاً استعفافاً عن المسألة، وسعياً على عياله، وتعطّفاً على جاره، لقي الله ووجهه كالقمر ليلة البدر"(2).
وعلى المربّي أن يعرف أنّ للمال الحلال أو الحرام أثره على بناء شخصية الطفل، فطلب الحلال شرط للتربية السليمة، والحرام مانع عنها. عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "مَن أكَلَ الحَلالَ أربَعينَ يَوماً ، نَوَّرَ اللهُ قَلبَهُ"(3).

سادساً: على الأب أن يُحسن إدارة أموال طفله وشؤونه الاقتصادية بما هو أصلح، إذ قد يحصل الطفل على المال من طريق ما كالإرث أو الصدقة أو الهدية.

سابعاً: أن يراعي حقوق الله تعالى والناس في أموال الطفل، فيخرج ما تعلّق به من الزكاة مثلاً، أو يضمن ما أتلفه الطفل بالتعدّي على أموال غيره.

• بين التربية الاقتصادية والعقائدية
من أهمّ أصول التربية الاقتصادية والمالية العملُ على ربطهما بالتربية العقائدية للطفل(4)، من خلال الإشعار الدائم للطفل بأنّ كلّ ما يملكه من أطعمة وأشربة وألبسة وألعاب وهدايا... هو هبة ونعمة من الله تعالى. عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "المال مال الله، جعله ودائع عند خلقه"(5).

وبالتالي يرتبط الطفل وجدانياً بالله تعالى ويزداد حبّاً له. وعلينا الحذر من أن نُشعِر أطفالنا بأنّ الفقر وقلّة الموارد المالية هما من الله تعالى، كي لا نغرس في نفس الطفل حالة من تحميل المسؤولية لما يشعر به من ألم الحرمان لله تعالى.

ويمكن تقديم الفكرة للطفل بنموذج، فيقال له مثلاً: إنّك تملك هذه اللعبة، وأنت مسؤول عنها، ألا تشعر أنّه إذا أراد طفل آخر أن يلعب بها، ينبغي له أن يأخذ الإذن منك؟ وإذا سمحت له باللعب بها، ألا تظنّ أنّه ينبغي للطفل أن يلعب بها بنحو ترضاه ولا يثير غضبك؟ والله تعالى خالق هذا الكون ومالكه، فإذا أردت أن تتصرّف في نعمه ينبغي أن يكون ذلك بإذن منه ورضاه سبحانه وتعالى.

كما على المربّي العمل على ربط الالتزام بالقيم الأخلاقية بالآثار الاقتصادية والمالية، كالصدق والأمانة والوفاء بالعهود والمواثيق والتبسّم وطلاقة الوجه. ويبرز دور هذه القيم في زيادة الرزق وفتح أبواب النماء الاقتصاديّ والبركة. عن الإمام عليّ عليه السلام، قال: "حسن الخلق من الدِّين وهو يزيد في الرزق"(6).

• الاعتدال في السّعة والضيق

ينبغي تعويد الطفل على أنّ الأوضاع الاقتصادية تتّسع وتضيق، ولا ينبغي أن يؤدّي الضيق إلى البخل والتقتير، بل إلى الحرص وحسن التدبير، ولا ينبغي أن تؤدّي السعة إلى السرف والتبذير، بل إلى القصد والادّخار.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "إنّ المؤمن أخذ من الله أدباً، إذا وسع عليه اقتصد، وإذا أقتر عليه اقتصر"(7).
فينبغي تربية الطفل على أنّ الاقتصاد ليس مختصاً بحالي الفقر والضيق فقط، بل يشمل الغنى والرخاء.

•أسـاليب وتقنيات مساعدة
1- جعل الطفل يعيش ضـمـن المستــوى العام لمعيشــة أبناء مجتمعـه حتّى لو كان الأب غنيّاً؛ لأنّ الإنفاق على الطفل بكَثرة قد يجعله مدلّلاً لا يعي قيمة المال ويؤدّي إلى الإلهاء. عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "ما قلّ وكفى خير ممّا كثُر وألهى"(8).

2- تعيين لائحة المشتريات اليومية للطفل، وإشعاره أنه ليس كلّ ما يطلبه ينبغي أن يتمّ توفيره وتأمينه.

3- تحديد القيمة الشرائية للاحتياجات اليومية للطفل بثمن خاص، وعدم السماح له بشراء ما يزيد ثمنه عنها.

4- تجنّب الانسياق وراء رغبات الأطفال في السوق عند الشراء مهما ألح أو بكى.

5- اصطحاب الطفل إلى السوق وإتاحة الفرصة له للتسوّق والشراء بنفسه، تحت رقابة الأهل وإشرافهم، بهدف تنمية حسّ حسن الاختيار، والتعرّف على الثمن والمُثمن.

6- تعويده على ترتيب النفقات والموازنة بينها في ضوء الأولويات والتدرّج من الحاجات الأكثر أهمية إلى الأقل.

7- تجنّب إعطاء الطفل مبالغ مالية لا تتناسب مع مرحلته العمرية.

8- تعويده على ادّخار المال لوقت الحاجة، ولاستثماره لاحقاً في شراء أغراض معينة من ماله الخاص الذي ادّخره.

9- إسناد موازنة أعمال صغيرة في المنزل إلى الطفل تتناسب مع عمره ووعيه، لإكسابه مهارة الموازنة بين الموارد المتوفّرة والإنفاق، وتنمية حسّ إدارة الأموال في حياته.

10- اختبار الطفل بإعطائه مبلغاً معيهناً من المال، فإذا أنفقه في وجوه الصلاح، يكافأ ويُمدَح.

11- تعويده على رعاية الممتلكات الخاصة به وأغراضه وألعابه وتحمّل مسؤوليتها. إضافة إلى عدم تخريب ممتلكات المنزل؛ كأن يمسح يديه بعد الطعام بأثاث المنزل، أو يكسر الأشياء ويخرّبها.

13- تعريفه على أنّ إهدار المال لا يحصل بالطريقة المباشرة فقط، بل له طرق أخرى، كهدر الماء والكهرباء وسوء الحفاظ على أغراضه المدرسية.

•احترام ممتلكات الناس
تعويد الطفل على احترام أموال الآخرين وممتلكاتهم، باعتماد الأساليب التالية:
أ- تدريبه على تجنّب التصرّف في أموال الأطفال الآخرين بدون إذنهم وعدم التعديّ عليها.
ب- تعويده على احترام الممتلكات العامة والمؤسسات الخاصة كالمدارس والملاعب والحدائق والشوارع و...
ج- تعويده على احترام حقّ الآخرين في الممتلكات المشتركة بينه وبينهم، مع إثارة روح المودّة في داخله وتعويده على عدم الاستحواذ على القدر الأكبر من استخدامها بسبب شراسة طبعه.
د- تجنيبه الدخول في أنشطة مالية ومعاملات اقتصادية تحتوي على الغشّ والاحتيال، أو تشجيعه على التجنّب بمدحه أنه ماهر وحاذق...
هـ- تعويده على ردّ حقوق الناس إليهم، كردّ مال صاحب الدكّان إليه إذا أعطاه قيمة زائدة... إلخ.

•تعويد الطفل على الإنفاق والصدقة
تعويد الطفل على القيام بالأنشطة الاقتصادية ذات الطابع التكافليّ، باعتماد الأساليب التالية:
أ- إشعار قلب الطفل الرقّة والرحمة على الفقراء والمحتاجين والأيتام... وتقديم النظرة إليهم على أنّهم يلعبون دوراً إيجابياً في الرحمة الإلهية بالمجتمعات. عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "... إنّما تُرْزَقون وتُنْصَرون بضُعَفائِكم"(9).
ب- تعويده على إنفاق المال في صلة الرحم والمعروف وحسن الضيافة.
ج- تربيته على التصدّق بنيّة القربة إلى الله تعالى. عن محمد بن عمر بن يزيد، عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال: "... مُرِ الصبي فليتصدّق بيده بالكسرة والقبضة والشيء وإن قلّ..."(10).

•تعويده على قيمة العمل الحلال
من اللازم تعويد الطفل على تقدير قيمة العمل الحلال، باعتماد الأساليب التالية:
أ- ذمّ الكسل وتبغيضه إلى نفس الطفل.
ويمكن تقديم ذلك للأطفال من خلال أسلوب القصص الواقعية عن الحيوانات.
عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "أيعجز أحدكم أن يكون مثل النملة، فإن النملة تجرّ إلى جحرها"(11).

ب- إبعاد الطفل عن الألعاب الربحية التي فيها روح القمار.

ج- إشعاره بخطأ سلوك المتسوّلين في الشوارع
من دون أن تلازمه النظرة الدونية والاحتقار.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "اليد العليا خيرٌ من اليد السُّفلى، واليد العليا المنفقة والسفلى السائلة"(12).

د- تعريفه على أنواع الكسب غير المشروع
كالربا والغشّ والسرقة والاحتيال...، وشرح آثارها الضارّة على حياة الإنسان في الدنيا والآخرة.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ومن كسب مالاً من غير حلّه، أفقره الله عزّ وجلّ"(13).


(*) أستاذ في الحوزة العلمية.
1.من لا يحضره الفقيه، الصدوق، ج3، ص168.
2. مستدرك الوسائل، الطبرسي، ج13، ص17.
3. عدة الداعي ونجاح الساعي، ابن فهد الحلّي، ص140.
4. اقتصادنا، محمد باقر الصدر، ص296.
5. جامع أحاديث الشيعة، البروجردي، ج17، ص108.
6. تحف العقول، ابن شعبة الحرّاني، ص373.
7. (م.ن)، ص106.
8. من لا يحضره الفقيه، (م.س)، ج4، ص376.
9. سنن الترمذي، الترمذي، ج3، ص123.
10.الكافي، الكليني، ج4، ص4.
11. (م.ن)، ص79.
12.سنن أبي داود، أبو داود، ج1، ص372.
13.الأمالي، الطوسي، ص182.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع