مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أول الكلام: وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً

السيّد علي عبّاس الموسوي


يختلف الناس في أنماط تفكيرهم من جهة، كما يختلفون في فهمهم للأمور من جهة أخرى. وفي تكوين هذا الفهم عوامل اجتماعية ونفسية وتربوية تؤدّي دوراً يصحّ وصفه بالإيجابي تارة وبالسلبي أخرى. ولكن هذه العوامل لا ترفع عذر الإنسان في كونه مخلوقاً حرّاً مختاراً.

واذا انتقلنا إلى الواضحات البيّنة في المعقولات نجد مجموعة من المشتركات الإنسانية التي تذهب عميقاً في الفطرة ويدرك الإنسان درجات حُسنها أو قبحها بمدى قدرته على التحليل والاستنتاج العقليَّين؛ فلا يمكننا أن نجد العذر لأحد في أن يظلم إنساناً مثلاً، لكون فطرة الإنسان ترفض ذلك، وعقله يدرك قبح ذلك تماماً، وإنْ تباينت أفهام الناس في تحديد بعض مصاديقه. وكذلك الحال في مسألتَي العدل والإحسان، وكونهما خيراً مطلوباً ومرغوباً فيه.

وعندما تتأمل في الأفراد الذين خرجوا عن هذه المشتركات، فأنكروا وجود الخالق مثلاً؛ مبررين ذلك بعلوم حصلوا عليها، أو حقائق في الفيزياء والفضاء والكون وصلوا إليها، تستغرب تماماً كيف أنّ مشاهدة الآيات أدّت بهم إلى الضلال، بدلاً من أن تزيد في إيمانهم بالخالق ويقينهم بوجوده.
يشهد هذا على أنّ الحُجُب تصل في تأثيرها حدّاً لا يرى الإنسان عنده حتى الآيات الواضحات في الدلالة على الخالق؛ لذا لا بدّ من أن يبحث عن عوامل وصول الإنسان إلى ذلك.

قد ينشأ إنكار الخالق هذا من حالة نفسيّة أو اضطراب يعيشه المنكِر لوجود الخالق، وهو حجاب خفيّ حتّى لدى ذلك المنكِر. ويرجع هذا الحجاب إلى قصور في الفهم، أو ضعف في معرفة أسباب القلق والاضطراب، يظنّ بعضهم أنّه عندما يصل إلى إنكار الخالق يستريح، ولكنّه لا يتأمل كيف أن الإنسان، وطلباً منه للتحرُّر من عبوديّة الخالق، لا يجد سبيلاً سوى أن ينكر وجوده.

وقد ينشأ الإنكار من حالة اجتماعية، فيرى ممارسة الظلم في بعض المجتمعات الإسلامية سبباً لإنكار الخالق، مشكِّكاً في الحكمة من الخلق، وهو يتجاهل تماماً أن هذا المخلوق الإنسانيّ قد أعطاه الله القدرة والاختيار، ولم يخلقْه من جنس الملائكة وإلّا لكان ممّن لا يعصي الله طرفة عين.
وتتجلّى حكمة الخالق في رحمته بعباده أنّه أعطاهم العقل والحريّة في التفكير، ولكنّه في الوقت نفسه أحاطهم بسبل الهدى، وكشف لهم عن طرق الحقّ من كلّ جانب.

لم يكن الهدى الذي أراده الله عزّ وجل لإلقاء الحجّة على العباد فقط حتى يصحّ عقابهم، بل كان من منطلق حبّ الهدى لهم، ومحبة الله لعباده مع حكمة افترضت كلا الأمرين: أن يكونوا مختارين وأن تكون أبواب الهدى محيطة بهم.
وإحاطة أبواب الهدى بالإنسان تجعل من الغرابة بمكان، أن تشهد كيف يسري الضلال في الإنسان، وتدرك تماماً أنّ الضلال هو من نتائج فعل الإنسان نفسه، وأنّه لو تخلّى عن بعض "الأنا" الذي يسلم له قيادته، لأمكنه أن يشهد الخالق بأبهى صوره التي لا تنفد. قال تعالى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً﴾ (الكهف: 109).

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع