مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

المسؤوليات العشر للمدير والقائد: إيجاد الدافع

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

* نماذج من تاريخ الإسلام
إن حادثة "بيعة الرضوان" التي سمّيت أيضاً ببيعة الشجرة تعد أفضلَ سند، وقدوةً كبرى لجميع المسلمين في هذا المجال. لقد ذكرنا من قبل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عزم في السنة السادسة للهجرة على أداء مناسك العمرة مع 1400 نفر من المسلمين، كان هذا في وقت اشتدت العداوة بين المسلمين والمشركين في مكة، ولم تغب عن الذاكرة حروب بدر وأحد والأحزاب حيث ظهر أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد انتقل بشكل واضح من حال الدفاع إلى الهجوم. وقد كان هذا العمل أمراً إلهياً عبَّر عن الشخصية الفائقة الشجاعة لنبي الإسلام في حركته السياسية. لأن هذا التحرك مع هذا العدد غير المجهَّز (كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يحملون السيوف وهي ما يعد في عرف العرب من حمولة المسافر) والذهاب إلى منطقة نفوذ وقدرة العدو بدون أي ملاذ أو حماية يعد أمراً عجيباً وخطراً حتى قال المنافقون إن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه لن يرجعوا من هذا السفر أبدا، كما جاء في القرآن الكريم: ﴿بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبداً وزين ذلك في قلوبكم.

وكان هذا الإقدام يحمل معاني سياسيةً وعسكرية ونفسية عديدة، وفي الحقيقة كان استعراضاً لا نظير له للقوة لمنع قريش من التفكير مجدداً في الهجوم على المدينة. وليظهرَ لجميع العرب أنمه مثلهم يحترم ويقدس كثيراً الكعبةَ الشريفة، وبهذه الطريقة يُحبِطُ كل آثار الهجوم الإعلامي والتضليل الذي كانت تمارسه قريش.
ومن جانب آخر ليثبت لقريش أن موقعية "مكة" لن تتزلزل بانتصار نهضة الإسلام وسوف تبقى مقدسة كذلك في نظر المسلمين.

وَصَلَ المسلمون إلى "الحديبية" وهي قرية قريبة من مكة (تبعد حوالي 20 كلم)، وكما كان يتوقع وقف مشركو مكة مقابلهم لمنعهم من الدخول إليها. وتبادل الطرفان السفراءَ والرسل حتى أدى هذا الأمرُ إلى عقل صلح الحديبية الذي انتهى بنصر عظيم وامتيازات مهمة لصالح المسلمين وكان له وقعُ الانفجار الكبير في كل جزيرة العرب، وفَتَح طريقاً لتقدم الإسلام السريع. والتحليل والبحث في هذا الأمر في غاية الأهميّة لأنه من أهم أحداث التاريخ الإسلامي إلفاتاً.
المقصود أنه في أثناء تبادل السفراء اعتقلت قريش أحدَ رسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم تبع ذلك شائعةٌ مفادها أنه قد تم قتله. فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: ﴿لا نبرح حتى نناجز القوم فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله الناس إلى البيعة. وجلس تحت شجرة قريبة حيث أقبل جميع المسلمين عليه فرداً فرداً فبايعوه وأعلنوا تجديدَ الوفاء له، وبذلَ أنفسهم دونه.

وكانت هذه البيعة التاريخية سبباً في رضا الله تعالى ولذلك سميت ببيعة الرضوان، حيث يقول القرآن الكريم: ﴿لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعوك تحت الشجرة.. (الفتح/ 18).
وكانت هذه البيعة تحكي عن عزم النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين للقتال حتى آخر نفس وآخر قطرة دم، فألقت في قلوب الأعداء الرعب وكانت عاملاً مؤثراً في إقامة الصلح مع تلك الامتيازات الكبرى، وفي جانب آخر حققت انسجاماً كبيراً بين جنود الإسلام مع بثِّ تلك الروحية العالية في صفوفهم.
هذه إحدى الحركات الإلهية والمبتكرة التي أنجزت في تلك اللحظات الحساسة.

* إيجاد الدافع وتقوية المنعويات من أهم عوامل نجاح العمل

* نموذج:
الملفت أنه بعد فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة (بعد سنتين من صلح الحديبية) وحينما كان الإسلام ينتشر بسرعة بين القبائل العربية قررَّت قبائل "هوازن" و"ثقيف" و"بني سعد" أن تقضي على المسلمين وهي قبائل كبيرة في الجزيرة العربية يبلغ تعداد جنودها ثلاثين ألفاً في وقت لم يكن تعداد المسلمين يزيد عن أثني عشر ألفاً مما يعني أن المعركة لن تكون متكافئة.

وكان لوادي حنين ممرٌ اختاره الأعداء لينصبوا فيه كميناً فينقضوا بسرعة البرق على المسلمين ويحسموا المعركة لصالحهم مستغلين فقدان الجيش الإسلامي القدرة على التصرف في ذلك الوادي.
كانت تلك اللحظة، إحدى اللحظات المصيرية والحساسة في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث كان ينبغي أن يقوم بمل جبار ليحفظ الجيش من التفتت، وَيَبْعَثَ فيه روحاً جديدة تحفظُه من الوقوع في هزيمة كبرى.
بمعونة الإمدادات الغيبية أقدم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على عملين مبتكرين فمن جانب أقدم على امتشاق سيفه والدخول في المعركة بنفسه وهذا لم يكن مسبوقاً من قبل.
ومن جانب آخر استلهم "العباس" عم الرسول من النبي صلى الله عليه وآله وسلم حادثة "بيعة الشجرة" ليعيدَ إلى الأذهان تلك الواقعة، وبصوت جهْوَريِّ هتف: "يا معشر الأنصار! يا أهل بيعة الشجرة! يا أصحاب سورة البقرة!" وأراد بذكر سورة البقرة، قصة طالوت وجالوت وما جرى فيها.

وكان هذان الأمران سبباً لالتئام جيش المسلمين المتشتت والانطلاق من جديد للهجوم على جيش الأعداء والقضاء عليه بعد أسر عددٍ كبير منهم.
هذه مسائل تكثر نماذجها في تاريخ الإسلام، ويمكن أن تكون مهمة ومعلمة لجميع المدراء والقادة مع اختلاف الظروف والحالات.

* نموذج آخر
من المعروف أنَّ "طارق بن زياد" قائد الجيش المسلم الذي تقدم لفتح أسبانيا، عندما رأى ذلك الجيش الجرارَ من الأعداء أقدمَ على تنفيذِ خطة ذكية وشجاعة لولاها لكانت الهزيمة المنكرة بانتظار الجيش المسلم في الأندلس. فقد أمر بحرقِ السفن التي جاؤوا فيها إلى أسبانيا، وإبقاءِ طعامٍ وزادٍ ليوم واحد فقط ثمّ وقفَ أمام جيشهِ وفي خطبةٍ قصيرةٍ ومؤثّرةٍ قال: "يا أيها الناس! أين المفر؟ والبحر من ورائكم والعدو أمامَكم، فليس لكم والله إلا الصدقُ والصبر، وأعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيعُ من الأيتام في مأدبِ اللئام! وقد أستقبلكم عدوكم بجيشه وأسلحته، وأقواته موفورة وأنتم لا وِزْرَ1 لكم غير سيوفكم، ولا أقوات لكم غير ما تستخلصونه من أيدي أعدائكم".

وكان لهذا الابتكار أثرٌ عظيمٌ في إيجاد الحماسِ الذي دَفع بجيش المسلمين إلى الهجوم كالبرق الصاعق على العدو وهزيمته هزيمةً منكرة وفتح تلك البلاد.


1 وِزْرَ: سلاح.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع