القائد آية الله السيد علي الخامنئي
* فلسفة الإمامة عند الإمام
من جملة الأشياء التي أراها جليّة وشديدة الأهمية في هذا القسم من بيانات الإمام السجاد عليه السلام تلك الكلمات التي يذكّر فيها بتجارب أهل البيت عليه السلام الماضية. ففي هذا القسم يشير الإمام عليه السلام إلى تلك الأيام التي مرّت على الشيعة من قبل الحكام الجائرين. مثل معاوية ويزيد ومروان. ووقائع مثل الحرة وعاشوراء وشهادة حجر بن عدي ورشيد الهجري وعشرات الحوادث المهمة. ويريد الإمام أن يحثّ أولئك المخاطبين من خلال ذكر تلك الحوادث الشديدة، على التحرك والثورة والتفتوا الآن إلى هذه الجملة: "فقد لعمري استدبرتم من الأمور الماضية في الأيام الخالية من الفتن المتراكمة والانهماك فيها ما تستدلون به على تجنب الغواة و..."
أي إنّكم تستحضرون تلك التجارب وتعلمون ماذا سيفعل بكم أهل البغي والفساد – أي حكام الجور – عندما يتسلطون عليكم؟ ولذلك يجب عليكم أن تتجنبوهم وتواجهوهم.
وفي هذا الخطاب يطرح الإمام مسألة الإمامة بصورة صريحة أي قضية الخلافة والولاية على المسلمين والحكومة على الناس وإدارة النظام الإسلام وهذا الخطاب لم يكن بمقدور الإمام في ذلك الوقت أن يوجّهه لعامة الناس. فيقول عليه السلام: "فقدموا أمر الله وطاعته وطاعة من أوجب الله طاعته".
وهنا يعين الإمام فلسفة الإمامة عند الشيعة، وأي إنسان يجب أن يطاع بَعْجَ الله. من هو ذلك الإنسان الذي أوجب الله طاعته. ولو فكر الناس في ذلك الوقت بهذه المسألة لعلموا بوضوح أنّه لا يجب طاعة عبد الملك، لأنّه من غير الجائز أن يوجب الله طاعة عبد الملك، ذلك الحاكم الجائر بكل فساده وبغيه. وبعد أن يقدم الإمام هذه المسألة يتعرض لردّ شبهة مقدّرة فيقول: "ولا تقدموا الأمور الواردة عليكم من طاعة الطواغيت وفتنة زهرةِ الدنيا بين يدي أمر الله وطاعته وطاعة أولي الأمر منكم".
ففي هذا الخطاب والخطاب السابق يركّز الإمام على مسألتين من المشاكل الثلاث التي أشرنا إليها سابقاً: الأولى: تدوين الفكر الإسلامي وإحياؤه في أذهان الناس والحث على تعلمه. والأخرى: مسألة الولاية السياسية أي الحكومة والقيادة للنظام الإسلامي. وعندما يعرّف الإمام هاتين المسألتين فإنّه يقوم في الواقع بتعريف النظام العلوي والنظام الإسلامي الإلهي.
* ضرورة التشكيلات
نوع آخر من بيانات الإمام السجاد عليه السلام وهو أهم من البيانين الأولين وفيه يدعو الإمام وبكل وضوح الناس إلى ضرورة إيجاد تشكيلات خاصة، وبالطبع فإنّ هذه الدعوة موجّهة إلى أولئك الذين يتبعون أهل البيت عليه السلام وإلاّ لو أنت إلى غيرهم من عامة الناس لأفشيت وأدّت إلى إيذاء الإمام وتعرضه للضغوط الصعبة، وبحمد الله يوجد من هذا النوع من البيانات نموذج في "تحف العقول".
يبدأ الإمام بهذه العبارة: "إنّ علامة الزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة، تركهم كلّ خليط وخليل ورفضهم كلّ صاحب لا يريد ما يريدون".
وهذا تصريح بالدعوة إلى إيجاد تشكيلات شيعية.
فهو عليه السلام يعرفهم أنّه يجب عليهم الابتعاد عن أولئك الذين يخالفهونهم في الدافع ولا يتبعون الحكومة العلوية وحكومة الحق.
وبالتأكيد ليكن هناك مراودة ومعاشرة، ولكن لتكن مثل ما حدث في إيران عندما كان الناس يعلمون أنّ البقال الفلاني عميل للسافاك أو أن ذلك الشخص يعمل مخبراً للنظام.
وهناك نوع آخر من بيانات الإمام لا يوجد فيها تلك المطالب الكلية التي أشرنا إليها. مثل رسالة الحقوق. ففي هذه الرسالة التي كتبها الإمام لأحد الأشخاص يذكر حقوق الأفراد والأخوان على بعضهم البعض. مثل حق الله عليك وحقّ أعضائك وجوارحك وحقّ العين واللسان و... كما يذكر حق حاكم المجتمع الإسلامي وحقك عليه.
وبدون أن يذكر الإمام اسم الحكومة والمواجهة والنظام يبين خصائص الحكومة الإسلامية التي يمكن أن تتحقّق في المستقبل.
ونوع آخر نجده في الصحيفة السجادية هذا الأمر يتطلب بحثاً مفصلاً ربما هو عمل أولئك الذين يعملون في هذا المجال.
فالصحيفة السجادية عبارة عن مجموعة من الأدعية في كافة المواضع التي يلتفت إليها الإنسان الحي والواعي. وأكثرها في الروابط والعلاقات القلبية والمعنوية للإنسان. في هذه الأدعية والمناجاة يحيي الإمام الدوافع نحو حياة إسلامية ويوقظ الناس إليها.
إحدى النتائج التي يمكن أن تحصل من الأدعية وقد ذكرناها مراراً هي إحياء الشعور السليم والصحيح في القلوب. فعندما تقولون: "اللهم اجعل عواقب أمورنا خيراً" فإنّ هذا الدعاء يحيي في قلوبكم ذكر العاقبة ويدفعكم للتفكر في المصير. فقد يغفل الإنسان أحياناً عن عاقبته، يعيش ولا يلتفت إلى مصيره. فإذا تلا هذا الدعاء يستيقظ فجأة إلى ضرورة تحسين عاقبته. أما كيف يتمّ ذلك فهذا بحث آخر. فقط أردت أن أضرب مثلاً حول الدور الصادق للدعاء. وهذا الكتاب المليء بالدوافع الشريفة للأدعية كاف لإيقاظ المجتمع وتوجيهه نحو الصلاح.
وإذا تجاوزنا ذلك، وجدنا روايات قصيرة وعديدة نقلت عن الإمام السجاد عليه السلام.منها ما ذكرته في أعداد سابقة: "أو لا حرّ يدع هذه اللماظة لأهلها". انظروا كم هو مهم هذا الحديث. فالزخارف الدنيوية والزبارج كلها بقية لعاب الكلب لا يتركها إلا الحر. وكلّ أولئك الذين يدورون في فلك عبد الملك إنّما يريدون تلك اللماظة. وأنتم أيها المؤمنون لا تنجذبوا إليها.
ونجد الكثير مثل هذه البيانات الثورية والملفتة للإمام عليه السلام. وسوف نصل إليها فيما بعد إن شاء الله. لقد كان الإمام السجاد عليه السلام شاعراً. وشعره يحتوي على معانٍ مهمة سوف نذكرها في المستقبل إن شاء الله.