من جملة المهام الخطيرة التي تقع على عاتق المؤمنين والخيرة من عباد اللَّه، والتي يقترن وجوبها بإقامة الحكم الإلهي في أية بقعة من بقاع الأرض، هي إقامة الصلاة التي منحها القرآن شأناً خاصاً وجعل لها مكان الصدارة، فقال: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ ..﴾.
ولو لم يكن لإقامة الصلاة أهمية أساسية ولو لم ينظر إليها كعمود راسخ من أجل تحقيق الأهداف الكبرى للنظام الإسلامي، لما كانت قد حظيت بكل هذا التأكيد. والحقيقة أن الصلاة بما لها من دور تربوي جسيم وتأثير عميق في تحقيق الطمأنينة والسكينة في قلوب المؤمنين، وغرس روح التوكل والتقوى والإخلاص في قلب المصلي، وإشاعة جو زاخر بالنفحات القدسية والمعنوية من حوله، وتنزيهه والآخرين عن ارتكاب المعاصي، إضافة إلى ما تنطوي عليه ألفاظها وأذكارها من معان ودروس في المعرفة، فهي أكبر من مجرد فريضة فردية، بل لها دور حاسم في إدارة شؤون الفرد والمجتمع. والتأكيدات البليغة التي وردت بشأن أداء هذه الفريضة، والمهمة التي ألقيت على عاتق الأبوين في تعويد أولادهما منذ الصغر على الأنس بها، أعطتها صفة لا تضاهيها فيها جميع الفرائض الأخرى. ويعود السبب في هذا إلى الدور الاستثنائي للصلاة في تهذيب الحوافز الروحية لدى الإنسان وتمهيد الأجواء الإيجابية التي تمكّنه من تحمل الأعباء الثقيلة لواجباته في المجتمع.
وفي ضوء كل هذه الأبعاد يجب حقاً اعتبار الصلاة كأفضل الأعمال. وشعار "حيّ على خير العمل" الوارد في نداء الصلاة يُعتبر بحق كلاماً فياضاً بالحكمة. الصلاة هي التي تنفخ في روح الإنسان دواعي الإيثار ونكران الذات والتوكل والتعبّد، باعتبارها السند الحتمي للواجبات الخطيرة والمهام العسيرة كالجهاد والنهي عن المنكر والزكاة، وتدفعه لتقحّم تلك الميادين بكل بسالة. عندما يقع هجوم من الأعداء تصبح لفريضة الجهاد أهمية استثنائية، أو حينما تواجه بعض الشرائح الاجتماعية ضغوطاً معاشية تصبح فريضة الزكاة والإنفاق شاملة للجميع، وربما تؤدي الجهود المحمومة للأعداء في ميادين الثقافة والأخلاق إلى أن تتخذ فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صيغة شمولية، في كل هذه الظروف لا تضعف الصلاة عن كونها (خير العمل) ولا تهبط من هذه المرتبة بل تزداد أهمية بسبب ما تضفيه من دعم روحي ومعنوي لجميع ألوان الجهاد والإيثار وتقحّم المخاطر. لقد بات الإنسان والإنسانية اليوم يرزح تحت وطأة الحياة الآلية وضغوطها، وذلك لهيمنة الماكينة على المجتمعات البشرية كافة. حتى صار كل واحد من بني الإنسان يجد نفسه مرغماً على برمجة نمط حياته الفردية والاجتماعية مع الإيقاع الثقيل والممل للماكينة والحياة الآلية.
ومن الطبيعي أن سجايا الرأفة والشفقة والإيثار والتضحية وغيرها من القيم الأخلاقية الأخرى تفقد تأثيرها في خضم صخب هذا الإيقاع وتغدو باهتة لا روح فيها، وتُهدم وتُسحق في ظل مثل هذه الأوضاع أسس الأسرة، وعلاقات الألفة والمحبة فيها.
وقد استشعر معالم هذا الخطر وحذَّر منه قبل عشرات السنين الحريصون وذوو النظرة الثاقبة حتى في قلب الحضارة الصناعية والآلية، ولكن ممّا يؤسف له أن ملايين الناس وخاصة من الشباب أصحاب النفوس الرقيقة والأكثر عرضة للضرر لا زالوا يعيشون هذا البلاء الكبير مجردين من كل وسيلة دفاع ومجابهة. هذا هو السبب الذي يجعل العلاقة المعنوية مع الرب الرحيم والكريم لجميع بني الإنسان اليوم أكثر أهمية من أي وقت مضى. وتبرز الصلاة هنا كأفضل وأجدى أداة لتأمين هذه الحاجة. البشرية اليوم أكثر حاجة من أي وقت مضى للصلاة الخالصة والكاملة.
وفي الختام أوصي بالنقاط التالية:
1 - على المطلعين على المعارف الإسلامية بيان شأن الصلاة وجوهرها ومحتواها وتأثيرها العميق في النفس بأساليب بليغة ومعبرة، لا سيّما المتخصصون في حقل الفن إذ يمكنهم تسخير وسيلة الفن المؤثرة لإنجاز هذه الغاية.
2 - على الآباء والأمهات تعليم هذه الفريضة مظهراً وجوهراً لأولادهم، وإذا كان لا بد لهم من الاستعانة بالآخرين فعليهم بقراءة الكتب الجميلة المبسطة في هذا المجال لأطفالهم.
3 - على معلمي المدارس المسارعة إلى الصلاة قبل الآخرين عند حلول وقتها، وحث الفتيان ذكوراً وإناثاً على الحضور في مصليات المدارس.
4 - يجب على المسؤولين التربويين في المدارس أن يجعلوا الصلاة في مقدمة برامجهم التربوية.
5 - أن يجعل مسؤولو القطاع الرياضي في البلد جو الرياضة مفعماً بذكر وإقامة الصلاة. وعند تعيينهم لأوقات المسابقات الرياضية يُفترض أن تكون الأجواء مهيَّأة من حيث الزمان والمكان لإقامة الصلاة في وقتها.
6 - على المسؤولين عن حركة وسائط النقل كالطائرة والقطار وغيرهما أن يضعوا نصب أعينهم حين البرمجة لحركة هذه الوسائط توفير الظرف الزماني والمكاني الذي يتيح للمسافر أداء الصلاة في وقتها.
7 - يجب على أئمة الجماعة المحترمين أن يجعلوا المساجد نشطة وقادرة على استقطاب الناس على الدوام، وأن تتضمن برامجهم تعليم مفهوم وجوهر الصلاة بشكل حديث وجذاب.
8 - على مؤلفي كتب المعارف الخاصة بالمدارس الإعدادية والجامعات أن يجعلوا الصلاة من ضمن المواضيع التي تتناولها تلك الكتب بالدراسة، وأن يقدّموا في هذا الصدد بحوثاً علمية وعميقة.
9 - على الشباب الأعزاء أن يخصصوا دقائق من وقتهم لأداء الصلاة، ويجب أن يؤدّوها بانتباه وحضور قلب قدر الاستطاعة، ليؤمنّوا لنفوسهم وأرواحهم موجبات الذكر والخشوع والسكينة.
10 - على الجميع أن يقدّموا الصلاة، لما فيها من شفاء للروح وسكينة ونورانية، على جميع الأعمال الأخرى، وأن لا يحرموا أنفسهم منها مهما كانت الظروف. ولا يفرّطوا تحت ذريعة كثرة المشاغل والمشاكل بهذا الحضور المبارك بين يدي الخالق الرحيم والكريم والعزيز.