الشيخ أكرم بركات
بعد أن تعرفنا في المقالات السابقة على فلسفة التقليد والدليل عليه وشروط المقلِّد وبماذا يقلِّد وكيف يقلِّد نتابع الحديث عن صفات وشروط مرجع التقليد التي لا بد من توفِّرها فيه فما هي؟ ذكر الفقهاء شروطاً لا بد من توفِّرها في المرجع ليصحّ تقليده وهي:
1 الحياة، والمقصود من هذا الشرط أن المكلَّف في بداية أمره لا بد أن يتوجه إلى المرجع الحي، فلا يجوز تقليد الميت ابتداءً على رأي مشهور الفقهاء بل قال العالم المحقق الفاضل التوني "لا يجوز مطلقاً لفوات أهليته بالموت، وهذا هو المشهور بين أصحابنا خصوصاً المتأخرين منهم، بل لا نعلم قائلاً بخلافه ممن يُعتدُّ بقوله"(1). ويتأكَّد الإشكال في تقليد الميت الذي مضى على وفاته وقت طويل، وذلك للتطوُّر الحاصل في نظرة الفقهاء إلى الأدلَّة الشرعية، والتفاتهم إلى دقائق بحيث لو اطَّلع المتقدمون من الفقهاء على التفاتات المتأخرين لأثَّر ذلك على استنباطهم للأحكام الشرعية. هذا كله في المكلف الذي يريد التقليد بداية في أول أمره، أما من كان يقلِّد مرجعاً فمات فإن حكمه يختلف فمن الخطأ أن يرجع إلى فتوى الميت في مسألة تقليد الميت بل لا بدَّ في هذه الحال من التوجُّه إلى مرجع التقليد الحي الذي تتوفر فيه شروط التقليد وهذا المرجع هو الذي يقرِّر له حكمه وتكليفه. فقد يقول له: "يجب عليك البقاء على تقليد المرجع الميت في كل فتاواه طالما هو بنظرك أعلم من الأحياء". وقد يقول له كالقول الأول ولكن لا في كل فتاواه بل بما حفظ منها ولم ينسَ. وقد يخيِّره بين البقاء على تقليد الميت وتقليد الحي. وكمثال عملي على ذلك نعرض هذه المسألة:
لو أن مكلَّفاً كان يقلِّد الإمام الخميني قدس سره وبعد وفاته رحمه الله وجد شروط مرجعية التقليد في الإمام الخامنئي دام ظله فرجع إليه ليسأله ما هو تكليفي في التقليد، فجواب الإمام الخامنئي "دام ظله" هو التالي: أنت أمام خيارات ثلاثة يجوز أن تتبع أياً منها:
الأول: أن تبقى على تقليد الإمام الراحل قدس سره في كل فتاواه.
الثاني: أن تقلدني في كل فتاواي.
الثالث: أن تبقى على تقليد الإمام قدس سره في فتاواه وتقلِّدني في أيِّة فتوى شئت بدون استثناء حتى لو كان رأيُ الإمام الراحل قدس سره مخالفاً لرأيي على نحو الفتوى لا الاحتياط، ولكن بعد عدو لك إليَّ لا يجوز لك الرجوع إلى رأي الإمام الراحل قدس سره فيما عدلت إليَّ من الفتاوى. فمثلاً لو بقيت على تقليد الإمام قدس سره في فتاواه لكنك عدلت إليَّ في فتوى صلاة المسافر وكانت فتواي الإتمام في الصلاة بينما كان رأي الإمام قدس سره التقصير فيها، فهنا بعد عدولك إليَّ في هذه الفتوى يتعيَّن عليك الإتمام في الصلاة ولا يجوز لك الرجوع إلى فتوى الإمام قدس سره التي هي وجوب تقصير الصلاة.
*شروط مرجع التقليد:
- البلوغ، وهذا الشرط محرز في الفقهاء، عادة وإن كان بعض فقهائنا كالعلامة الحلي والفاضل الهندي قيل فيهم أنهم وصلوا إلى رتبة الاجتهاد قبل مرحلة بلوغهم.
- العقل، وهو شرط واضح.
- الذكورة، وقد نسب إلى العلماء التسالم عليه لأدلَّة ذكرت في محلها.
- طهارة المولد، أي عدم التولد من زنا وذلك لحساسية منصب المرجعية.
- فتوى المرجع بتقليد الميت تموت بموته.
- الإيمان، أي كون المرجع على مذهب أهل البيت عليهم السلام إمامياً اثنا عشرياً وهذا شرط واضح أيضاً مذكور في عدة أخبار واردة عن أهل البيت عليهم السلام كقول الإمام أبي الحسن عليهم السلام لعلي بن سويد: "لا تأخذن معالم دينك من غير شيعتنا"(2).
- العدالة، وقد فسَّرها الإمام الخميني قدس سره: "بأنها ملكة راسخة باعثة على ملازمة التقوى من ترك المحرَّمات وفعل الواجبات"(3). ومعنى كونها ملكة أنها صفة راسخة في النفس تجعل الإنسان يفعل الواجب ويترك الحرام بدون تكلُّف شديد كما هو حال من كان في بداية التزامه بعد انحراف مضي كما يحصل عادة ـ. وتفسير الإمام قدس سره للعدالة بأنها ملكة راسخة في مقابل من فسَّرها بأنها تقتصر على فعل الواجبات وترك المحرَّمات حتى لو لم يكن لدى الإنسان ملكة في ذلك. ولتوضيح الفرق بين كون العدالة ملكة تبعث على فعل الواجبات وترك المحرمات وكونها مقصورة على فعل الواجبات وترك المحرمات وإن لم تكن ملكة نمثل للتوضيح بالمثال التالي:
إن التعلم الصحيح على الآلة الكاتبة يكون بوضع الأصابع على أزرار الآلة بشكل خاص والمتعلم في بداية تدرُّبه يُلاحظ وضعية الأصابع على الأزرار بشكل دقيق وفي هذه الفترة قد يكتب بشكل سليم دون أية أخطاء، ولكن ببطء وتكلّف. لأنه لم يحصل على "ملكة" الضرب على الآلة الكاتبة، وبعد فترة تدريبية نجده يكتب بسرعة فائقة دون التفات دقيق إلى وضعية أصابعه على الأزرار ودون أن يشعر بتكلُّف وذلك لأنه أصبح لديه "ملكة" في الضرب على الآلة الكاتبة. إنه مثال توضيحي لتفسير معنى الملكة المأخوذة في العدالة عند بعض الفقهاء وإن كان فيه بعض المسامحة في التعبير. وعلى كل حال فإن معنى العدالة وإن كان ما مرَّ إلا أنها في المرجع مطلوبة بصفة أكد لحساسية موقعه لذا قال الإمام الخميني في تحرير الوسيلة: "يجب أن يكون المرجع للتقليد عالماً مجتهداً عادلاً ورعاً في دين الله، بل غير مكب على الدنيا، ولا حريصاً عليها وعلى تحصيلها جاهاً ومالاً على الأحوط، وفي الحديث "من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلِّدوه"(4). وقد أكَّد الإمام الخامنئي دام ظله على أهمية الصيانة النفسية في مرجع التقليد بقوله: "نظراً إلى حساسية وأهمية منصب المرجعية يشترط على الأحوط وجوباً في مرجع التقليد، إضافة إلى العدالة، التسلط على النفس الطاغية وعدم الحرص على الدنيا"(5).
- الاجتهاد، فأدلة التقليد انصبت على اتباع العالم العارف بالقوانين الإسلامية وكيفية فهمها واستنباطها من الأدلة، وقد عبَّرت عنه النصوص بالفقيه تارة "من كان من الفقهاء صائناً لنفسه.. فللعوام أن يقلدوه" والعارف والناظر تارة أخرى. وقد اشتهر التعبير عنه بالمجتهد نظراً للجهد الكبير الذي يحتاجه الإنسان للوصول إلى مرحلة استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة المقرَّرة.
والاجتهاد على قسمين:
1 اجتهاد كامل ويسمى ذو الاجتهاد الكامل بالمجتهد المطلق وهو القدير على استخراج الحكم الشرعي من دليله المقرَّر في مختلف أبواب الفقه.
2 اجتهاد ناقص، ويسمى ذو الاجتهاد الناقص بالمجتهد المتجزِّىء وهو الذي اجتهد في بعض المسائل الشرعية دون بعض فكان قديراً على استخراج الحكم الشرعي في نطاق محدود من المسائل فقط. والقدر المتيقن من الاجتهاد الذي هو شرط في مرجع التقليد هو الاجتهاد المطلق أما الاجتهاد الناقص ففيه تفصيل وارد في محلِّه. يبقى الكلام عن الأعلمية وشرطيتها في مرجع التقليد وهي نقطة حساسة وغاية في الأهمية نرجئ الحديث عنها إلى المقال اللاحق.
جدرا
حنين كساب
2022-05-01 17:31:29
اذا كنت قد قلدت السيد السيستاني قبل ان اتكلف و طلباً من والدي و لكن لا اعلم جميع فتواه بل القليل منهم لبعض الامور التي لم اكن اعلم حكمها ، و انا الآن اريد تقليد الامام الخامنئي . ما الاعمال المترتبة عليّ؟
لبنان
نيڨين
2022-09-17 14:01:19
انا اريد ان أقلد الإمام الخامنئي هل يوجد نية يجب ان تقال؟