أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

فقه الولي: كيف تقلّد؟

الشيخ أكرم بركات


بعد أن تعرَّفنا في المقالتين السابقتين على فلسفة التقليد والدليل عليه نحاول هنا أن نتعرف على ثلاثة أمور تتعلق به أوُّلها يرتبط بالإنسان الذي يجب عليه التقليد فما هي صفاته؟ وثانيها يرتبط بالدائرة التي يجب فيها التقليد فما هي سعتها؟ وثالثها يرتبط بتحديد كيفية التقليد فما هي صورته؟ والبدء بالأول:

* شروط المقلِّد:
هل يجب التقليد على كل إنسان؟ أم أن هناك شروطاً يجب التقليد عند تحققها؟ والجواب أن هناك نوعين من الشروط لا يجب التقليد إلا عند تحققهما: الأول شرط تكويني: وهو عبار عن التكليف الذي شرف اللَّه تعالى به الإنسان وكرَّمه، وذلك لأنه يعبِّر عن قابلية الإنسان لتحمل المسؤولية الإلهية خلافاً لغيره من كائنات الأرض، وهذا ما عبَّر عنه تعالى ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ...(1) وعليه فإن أدى الإنسان المكلَّف ما أوجبه اللَّه عليه استحق ثواباً عظيماً. وإن عصى وخالف الأوامر الإلهية يستحق العقاب والعذاب لأنه يكون قد ظلم نفسه وخان الأمانة.

* شروط التكليف:
وللتكليف شروط لا يتحقق بدونها وهي:
1 - البلوغ، فالإنسان غير البالغ لا يتعلق التكليف في ذمته، فهو لا يُعاقب على ما في الآخرة. يقترف من أعمال سيئة لكنَّ فضل اللَّه تعالى قد يطالُ أعماله الحسنة لينال ثوابها في الآخرة. نعم عدم تسجيل سيئات على غير البالغ في الآخرة: لا يعني إعفاءه من المسؤولية في الدنيا فهو إن تسبب بإضرار الآخرين كإتلاف أموالهم أو سرقتها أو ما شاكل فيجب عليه بعد بلوغه أن يتحمَّل المسؤولية بسبب تصرفاته تلك. وللبلوغ علامات يصل إليها الإنسان عند تحقق أحدها وهي:

أ - أن يبلغ عمراً معيناً يختلف بين الذكر والأنثى‏ ففي الذكر يتحقق البلوغ عند وصوله إلى سن الخامسة عشرة قمرية وهي ما توازي أربعة عشر سنة وسبعة أشهر شمسية (ميلادية) تقريباً وفي الأنثى يتحقق البلوغ عند وصولها إلى سن التاسعة قمرية وهي ما توازي ثمانية سنوات وتسعة أشعر شمسية (ميلادية) تقريباً.
ب - خروج المني.
ج - نبات الشعر الخنثى على العانة التي هي الموضع الواقع بين العورة ونهاية البطن.
2 - العقل، فالمجنون غيرُ مكلَّف كما هو واضح فقد رُفع القلم عنه حتى يفيق من جنونه.
3 - القدرة: فمن عجز عن أداء التكليف لا يتوجَّه إليه لقول اللَّه تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا(2).

الثاني شرط علمي: وهو عبارة عن عدم وصول الإنسان إلى مرحلة الاجتهاد فالمجتهد وهو القادر على استنباط الحكم الشرعي من الأدلة يستطيع أن يحدِّد بنفسه تكليفه الشرعي على ضوء فهمه للشريعة المقدَّسة فهو عالم، والتقليد هو رجوعٌ من الجاهل إلى العالم، أما العالم فمرجعه إلى نفسه لا إلى عالم آخر. وكذلك فإن من استطاع أن يحتاط في أعماله بحيث يستطيع أن يحد1د تكليفه بصورة يتيقَّن أن ذمته بريئة أمام الواقع المجهول لديه، لا يجب عليه أن يقلِّد، بل يمكنه أن يحتاط في أعماله. لكمَّ العمل بالاحتياط ليس بالسهل إذ لا بد فيه من "مراعاة كل الاحتمالات الفقهية للمورد مما يحتمل وجوب مراعاته "كما عبَّر الإمام الخامنئي دام ظله(3). لذا أجاب حفظه اللَّه تعالى حينما سئل عن الأرجحيَّة بين التقليد والعمل بالاحتياط بقوله كما في أجوبة الاستفتاءات : "حيث إن العمل بالاحتياط موقوف على معرفة موارده، وعلى العلم بكيفية الاحتياط ولا يعرفهما إلا القليل، مضافاً إلى أن العمل بالاحتياط يحتاج غالباً إلى صرف الوقت الأزيد، فالأولى تقليد المجتهد الجامع. للشرائط"(4).

* بماذا تقلِّد؟
بعد أن تعرَّفنا على شروط من يجب عليه التقليد نُجيب على سؤالٍ مفاده: ما هي الأمور التي يجب على المكلف غير المجتهد وغير المحتاط أن يقلِّد فيها؟ هناك ثلاث دوائر لا يجب التقليد في اثنتين منها ويجب في الثالثة وهي:

الدائرة(1): أصول الدين‏ فقد مرَّ الكلام من عدم جواز التقليد في أصول العقيدة بل يجب فيها النظر والتحقيق للوصول إلى الحقيقة يقول المرحوم الشيخ محمد رضا المظفر في "عقائد الإمامية": "إن الذي نعتقده أن عقولنا هي التي فرضت علينا النظر في الخلق ومعرفة خالق الكون كما فرضت علينا النظر في دعوى من يدَّعي النبوة وفي معجزته، ولا يصح عندها تقليد الغير في ذلك مهماً كان ذلك الغير منزلة وخطراً"(5).

الدائرة (2): الضروريات‏ هناك أفعال واضحة الحكم عند المكلَّفين كالصلاة والصوم والحج، فوجوبها ضروري عند المسلمين دون أدنى شك وشبهة، فمثل هذه الأفعال لا يجب فيها التقليد فضلاً عن الاجتهاد. من هنا اعتاد الفقهاء في رسائلهم العملية أن يستثنوا الضروريات من وجوب التقليد لغير المجتهد والمحتاط. يقول الإمام الخميني قدس سره في تحرير الوسيلة: "اعلم أنه يجب على كل مكلف غير بالغ مرتبة الاجتهاد في غير الضرورات من عباداته ومعاملاته ولو في المستحبات والمباحات أن يكون إما مقلداً أو محتاطاً..."(6).

الدائرة (3): الفروع عير الضرورية فمن خلال عبارة الإمام الراحل قدس سره المتقدمة نفهم أن دائرة وجوب التقليد لغير المجتهد والمحتاط بعد استثناء أصول الدين تشمل كل الأفعال غير الضروريات بما يعمّ الأحكام التكليفية الخمسة: الوجوب والرمة والكراهة والاستحباب والإباحة.

* كيف نقلِّد؟
من المتفق عليه أن التقليد لا يشترط في تحققه أي تلفُّظ ولا أي أخطار صورة في الذهن بل هو يتحقق حينما يعمل المكلَّف وهو مستندٌ في عمله إلى فتوى الفقيه، يقول الإمام الخميني قدس سره "التقليد هو العمل مستنداً إلى فتوى فقيه معيَّن"(7). لكن وقع الكلام في أن الالتزام بفتوى المجتهد هل يُعدُّ تقليداً أم لا بدَّ من العمل إضافة إلى الالتزام، فمنهم من قال أن الالتزام يكفي من دون عمل، ومنهم من قال أن التقليد لا بد في تحققه من العمل بالفتوى كما يظهر من كلام الإمام الخميني قدس سره السابق. وتظهر الثمرة العملية بين القولين فيما لو التزم مكلَّفٌ ما بفتاوى نقية معين وقبل مبادرته بأيِّ عمل على ذمة المرجع تُوفي فهل يُعدّ ما قام به تقليداً أم لا؟ وهذا له أثر في مسألة تقليد الميت كما يأتي إن شاء اللَّه تعالى. يبقى أن نتعرَّف على صفات مرجع التقليد ونظرة الوليِّ في ذلك هذا ما نتابعه في المقال اللاحق بإذنه تعالى. والحمد للَّه رب العالمين‏


(1) سورة الأحزاب، الآية: 72.
(2) سورة البقرة، الآية: 284.
(3) أجوبة الاستفتاءات ج‏1 ص‏6.
(4) المصدر السابق ص‏5.
(5) تحقيق الطريحي ص‏234 235.
(6) ج‏1 ص‏7.
(7) المصدر السابق.



 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع