إعداد: نسرين سلمان
يستغرب البعض عندما يقال لهم بأن اللغة العربية هي من أصعب لغات العالم على الإطلاق إلا أنهم لا يعرفون أن صعوبتها تكمن ليس فقط بتشعب، قواعد نحوها وصرفها، وتعدد معانيها وتوسع آفاقها البلاغية والبيانية بل لأن لغة الضّاد تحوي من الحركات ما يجعل موقع أي حركة مغيراً للمعنى الذي نريده كلياً "فالحركة والمعنى لا يفترقان، إذا تغيّرت الحركة تغيّر المعنى، وإذا تغير المعنى تغيرت الحركة"(1).
وهذا ما يؤدي بنا إلى الوقوع في الكثير من الأخطاء حيث يأتي ما نقوله في المحل غير المناسب. والكثير منا يقرأ القرآن ويلحن بقراءته فيغير بذلك معنى آية كريمة بكسر حرف بدلاً من ضمه أو العكس. ومن ذلك يُحكى أن أعرابياً، بينما كان يقرأ سورة "براءة" ولدى وصوله إلى قوله تعالى: "وأذان من اللّه ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن اللّه بريءٌ من المشركين ورسولُه"، قرأ "ورسولُه" بالجر عطفاً على "من المشركين"، ومعنى هذه القراءة أن اللّه بريءٌ من المشركين وبريءٌ من رسوله أيضاً وهذا خطأ لأن قراءة الرفع تعني الابتداء، ف "رسوله" مبتدأ خبره محذوف وتقديره "ورسوله بريء منهم".
وحتى لا تكون قراءتنا للقرآن الكريم كقراءة هذا الأعرابي علينا نحن كعرب وخاصة كمسلمين التمحص والتفحص بقواعد اللغة العربية والدخول إلى أدق تفاصيلها للوصول إلى الحركات، معرفة مدى تأثيرها على تغير وجهة المعنى في قراءاتنا وكلامنا. وقصة أبي الأسود الدؤلي مع ابنته، بهذا الخصوص شهيرة وهي تعطي مثالاً أيضاً على تغيُّر المعنى عند تغيّر الحركة. فقد رووْا أن أبا الأسود زار ابنته في وقْدة الحرِّ بالبصرة. فقالت له: "يا أبتِ ما أشدُّ الحرِّ" ورفعت "أشد" ففهم أبو الأسود أن ابنته تستفهم عن أشدِّ الأوقات حرارةً، فقال لها: "شهر ناجر". فقالت: "يا أبت إنما أخبرتُك، ولم أسألك". ولو كانت تخبرُ متعجبةً، كان حقها أن تفتح آخر "أشدَّ" لأنه فعل ماضٍ للتعجب مبني على الفتح، أما وقد رفعتْ، فتكون "ما" استفهامية، وتُعرَب خبراً مقدماً و"أشد" مبتدأ مؤخراً(2). فانظر كيف غيرت الحركة المعنى، من التعجب إلى الاستفهام. ومن الأمثلة أيضاً على مدى تأثير الشدة على تغيّر معنى الكلمة أنه يقال "ولّدت" الغنم ولاداً، وفي الآدميَّات: "ولدت" المرأةُ ولادةً، ومن الناس من يجعلهما شيئاً واحداً(3).
والأمثلة على تأثير الحركات على تغير معنى الكلام عديدة منها:
1- في حديث ابن أُمِّ مكتوم(4) يقول: "إنَّ لي قائداً لا يلاومني" هكذا يرويه المحدثون وهو غلط والصواب: "لا يلامني" أي لا يوافقني ولا يساعدني(5). فأما الملاومة فإنما تكون من اللوم ومنه قوله تعالى: ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ﴾ (القلم: 30).
2- منها قول الرسول صلى الله عليه وآله: "هو الطَّهُورُ ماؤُه الحِلُّ ميُتتُهُ" وعَوَامُّ الرُّواة يُولعُون بكسر الميم من الميْتَةِ يقولون: "مِيتتُه" وإنما هي "مَيْتتُه" مفتوحة الميم وكسرها خطأ. أما إذا كانوا يُريدون حيوان البحْرِ إذا مات فيه، فهي مكسورة الميم، أيضاً إذا كان يعني الحالة التي مات عليها: يُقال مات فلان مِيتة حسنةً، ومات مِيتةً سيئة، كما قالوا: فلان حَسَنُ القِعدة والجِلسة والرِكبة والمِشية والسِيرة والنِيمة يُراد بها الحال والهيئةُ(6). وأيضاً هناك الرواية المتواترة التي تقول: من مات ولم يعرف إمام زمانه مات مِيتة جاهلية(7). وهنا يراد بها تبيان الحالة التي يموت عليها الإنسان.
3- هناك فرق بين الخُبْثُ والخَبَثُ والخَبْثةُ فأما الخُبُثُ مضموم الباء فهو جمع خبيثٍ والمرادُ به ذكور الشياطين. وأما الخَبَثُ مفتوحة الباء فهو ما تنفيه النارُ من رديءُ الفِضَّة والحديد ونحوهما. والخبثَةُ فالريبة والتهمة ويقالُ لا خَبْثَة فيه أي لا تُهمةَ فيه من غصْبٍ أو سرقةٍ أو نحوها(8).
4- قوله صلى الله عليه وآله: "رُفع عن أُمتَّي الخطأ والنسيان". والعامة يقولون: "النَسَيان" على وزن الغَلَيان وإنَّما هو "النِسْيان" مكسورة النون ساكنة السين والخطأ مهموز غير ممدودٍ، يُقال أخطأ الرَّجُل إخطاءً إذا لمْ يصب الصواب أو جرى فيه الذنب وهو غير عامدٍ، وخطىء خطيئةً إذا تعمَّد الذَّنبَ(9). قال اللّه تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ (النساء: 112).
(1) الشوارد النحوية والفوائد اللغوية ص12.
(2) المصدر السابق، ص13.
(3) إصلاح الأخطاء الحديثة ص23.
(4) هو عمرو بن قيس بن زائدة الأعمى.
(5) إصلاح الأخطاء، ص23.
(6) المصدر نفسه، ص13 12.
(7) المعارف الإسلامية ص43.
(8) إصلاح الأخطاء، ص17 16.
(9) إصلاح الأخطاء، ص38.