سارة الموسوي خزعل
تنتشر سمعة سيّئة للسمن على أنّه من مسبّبات البدانة وتراكم الدهون في الجسم. وينصح جميع الأطباء باجتناب استخدامه في الطبخ، إنْ لم نقل بمنعه تماماً عن بعض الأصحّاء فضلاً عن مرضى القلب والكولستيرول... فإلى أيّ مدى يعتبر ذلك حقيقة؟
*أنواع السّمن
لقد كان السمن هو الدهن المعتمد في طعام أجدادنا. وكان أجدادنا ذوي بنية قويّة وأقلّ عرضة للأمراض. إلّا أنّ العلم اليوم بات يحذّر من أضرار السمن ويحبّذ استبداله بالدهون النباتية. فما هي حقيقة السمن وأضراره أو منافعه؟ ما هي أنواع السمن؟ وأيّ السمن هو الأفضل، النباتيّ أو الحيوانيّ؟ وكيف نوفّق بين ما ورد عن السمن في الأحاديث الشريفة وما توصل إليه العلم اليوم؟
بعد أن عرّفنا في عدد سابق أن الزيوت أنواع، كذلك توجد أنواع للسمن، منها: السمنة أو الزبدة الحيوانية، السمنة أو الزبدة النباتية.
يصنّع السمن الحيوانيّ عن طريق استخراج زبدة الحليب دون إضافة موادّ أخرى صناعيّة أو غيرها. ويختلف قليلاً في طريقة تصنيعه عن الزبدة.
أ- السمن الحيوانيّ البلديّ:
يصنّع السمن الحيوانيّ البلديّ عن طريق استخراج زبدة الحليب، من البقر أو الماعز أو مخلوطهما، ثمّ يُغلى لمدة ربع ساعة تقريباً، ثم يجري تمليحه وتطييبه ببعض المطيّبات، وبعدها يوضع في أوعية من السيراميك التي تغلق بإحكام. وفي النهاية يخبّأ في التراب ليتخمّر.
ب- الشحم:
هو الدهن الصافي الذي تحتويه المنطقة الخلفيّة في المواشي وكذلك الدهن الذي يحيط بالكلى. وقد يُستخدم في الطبخ بديلاً عن الزيوت والسمن. ويحفظ عادة في البراد لمدة قصيرة أو في الثلاجة.
- من خصائص الدهن الحيوانيّ: يحتوي على نسبة عالية من الكولستيرول والدهون المشبعة، وكذلك الدهون الأحاديّة غير المشبّعة، مضافاً إلى احتوائه على الفيتامين A-K-E وكذلك الأوميغا 3 والأوميغا 6.
ج- السمن النباتيّ:
يُصنَّع السمن النباتيّ عبر هدْرجة الزيت النباتيّ وتعريضه لبعض المراحل الصناعيّة حتّى يصبح جامداً.
من خصائصه أنّه لا يحتوي على الكولستيرول، غير غنيّ بالدهون المشبعة، غنيّ بالدهون المهدرجة، غنيّ بأحماض الـ Trans؛ مضافاً إلى الفيتامينات المذكورة أعلاه، وأحياناً يدعم بالأوميغا 3 والفايتوستيرول.
حمض الـ trans: هو حمض ينتُج عن تعريض الزيت للحرارة، وهو:
- أكثر ضرراً من الدهون المشبعة.
- يزيد إفراز الكولستيرول في الجسم؛ لأنه ناتج عن التصنيع.
- مختلف في تكوينه عن الدهون في الجسم، وبالتالي تعدّه أجسادنا جسماً غريباً، ما يجعل الجسم يحاربه بشدة، ويعرّض الجسم بذلك لأمراض السرطان والقلب ونقص المناعة وغيرها.
الدهون المشبعة: هي دهون أثبتت الدراسات العديدة أن كثرة تناولها تؤدّي إلى:
- ارتفاع مستوى الكولستيرول والدهون في الدم.
- ازدياد خطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين.
وبناءً على ما تقدّم، فإن السمن الحيوانيّ يبقى أقلّ ضرراً من النباتيّ؛ لأنّه يحتوي على دهون شبيهة بالدهون التي في أجسامنا، بينما السمن النباتيّ يبقى سمناً صناعيّاً غريباً عن أجسامنا.
*أيّهما أفضل: السمن أم الزيت؟
عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "من أكل لقمةً سمينةً نزل من الدّاء مثلها من جسده، ولحم البقر داء وسمنها شفاء ولبنها دواء، وما دخل الجوف مثل السّمن"(1).
نرى في هذا الحديث الشريف وغيره من الأحاديث إشادة كبيرة بالسمن وحثّاً على تناوله وذكراً لمنافعه، إلّا أنّ العلم الحديث يحثّ على الحدّ من تناول الدهون المشبعة والموجودة في السمن، ويحثّ على تناول الدهون غير المشبعة والموجودة في الزيوت النباتيّة. ولكن كيف يمكن التوفيق بين الأمرين؟
من الممكن جداً التوفيق بينهما. ففي الزمان السابق كان تناول اللحوم أقلّ بكثير من تناولها اليوم. واللحوم على أنواعها، مضافاً إلى الألبان والأجبان –كما السمن- هي أيضاً مصدر جيد للدهون المشبعة، فكانت الأطعمة والتي تكون بمعظمها من الحبوب والبقول والخضار تحضّر بالسمن. لذلك لم يكن السمن ليزيد كثيراً من نسبة تناول الدهون المشبعة. ونرى أيضاً في أحاديث أهل البيت عليهم السلام الحثّ على عدم الإفراط في تناول اللحوم والحثّ على تناول الدهن؛ فبذلك يحصل التوازن. أمّا اليوم، فبسبب زيادة استهلاكنا للّحوم وازدياد أمراض القلب وقلّة الحركة، جاء العلم الحديث ليحذّر من تناول هذه الدهون، وبالتالي يحذّر من تناول السمن الحيوانيّ.
أضف إلى ما تقدّم، أنّ السمن بطيء الاحتراق ويتحمّل درجة حرارة عالية، كما إنه يحتوي على بعض الفيتامينات، وشبيه في تكوينه بمكوّنات الجسم. أمّا الزيوت، فكما ذكرنا في عدد سابق، فبعضها يتحمّل درجات حرارة أعلى من بعضها الآخر وتختلف المكوّنات من زيت لآخر.
وبالنتيجة، فالاعتدال في تناول الأطعمة هو المطلوب وفي الزيت والسمن أيضاً، حتى تتحقّق السلامة البدنية.
1- دعائم الإسلام، القاضي النعمان المغربي، ج2، ص111.