مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الشخصية العبادية للإمام الخميني قدس سره

الشيخ يوسف عاصي


لقد كان للإمام الخميني قدس سره مزايا استثنائية عظيمة وصفات حميدة كونت شخصيته الفريدة في هذا العصر.. فهو شجاع بصير مؤمن صابر حليم عطوف ثاقب النظر قوي الإرادة مرهف الحس زاهد في الدنيا إلى غير ذلك من الصفات التي تصنع القادة والعظماء .. إلا انه ما كان ليصل إلى هذا النجاح وهذا القدر من النصر الذي حققه لولا تمسكه بصفة العبودية المطلقة لله عز وجل وارتباطه التام بمصدر النعمة والسلطة والقدرة في الحياة، هذه العبودية التي طبعت حياته وفكره وحركته وجهاده وأعطته كل القوة والثبات والوضوح في جهاده ضد الطغاة والظلمة فاستحق كل الإجلال والاحترام والتقدير لا للمنصب الدنيوي الذي وصل إليه وإنما لما تحلى به من مزايا وصفات صنعت منه شخصية إلهية قل نظيرها في التاريخ محبوبة في أعين أهل الأرض والسماء .

ومن هنا فان الحديث عن شخصيته أمر صعب لأمثالي ولا بد أن يكون ناقصاً .. لأنه حديث يتصل بالحديث عن الأنبياء وأهل بيت العصمة والطهارة ويضعنا أمام مصداق كامل لمنهجهم وخطهم وسيرتهم في الحياة حتى استطاع أن يقدم الدليل (كما ينقل عن الشهيد الصدر رضي الله عنه) أن علياً لم يكن شخصاً معيناً قد انتهى وإنما هو خط الإسلام الذي لا ينتهي . ومهما يكن الحال فلا بد للعطشان أن يغترف وللقلم أن يكتب شيئاً عن شخصيته العبادية حتى نتلمس موقعها في شخصيته الطاهرة .

* معنى العبودية : تعتبر العبودية لله ابرز أهداف بعثة الأنبياء والرسل وأولى المهام الأساسية لهم في دعوة الناس نحو الإطاعة والخضوع والتسليم لله الواحد الأحد .. لذلك كانت السمة البارزة والواضحة في حياة أولياء الله والمؤمنين به في الخضوع والتسليم لمشيئته وأداء الطقوس والعبادات كما افترض وأمر .

أقسام العبودية : والعبودية في المخلوقات المجبرة (العبادة التكوينية) تعني انتظام كل شي‏ء في محله ونظامه لا يحيد عنه قيد شعرة كما خطط له المولى وقدر .. وهي تعبر عن جلاله وعظيم قدرته في الكون . أما في المخلوقات المخيرة كما عند البشر العبادة التخيرية فهي تعني التزام البشر بكل ما أراد الله سبحانه وتعالى في مختلف شؤون الحياة سواء على المستوى الفكري أو العاطفي أو السلوكي وغير ذلك التزاماً لا يبقى معه لمؤمن ولا مؤمنة الخيرة من أمرهم في شي‏ء .. وتأتي العبادات البدنية على اختلافها كمظهر من مظاهر العبودية التي أمر بها الله سبحانه وأراد من خلالها التعبير عن الخضوع والتعبد له جل وعلا كالصلاة والصيام والحج والدعاء وغير ذلك .

وبعد هذا التوضيح العمومي لمعنى العبودية وموقع العبادات منها وعندما نريد الحديث عن شخصية الإمام في بعدها العبادي لا بد من الاعتراف سلفاً بصعوبة البحث من جهتين:

الأولى: أن الإمام كما أشرنا ذو شخصية مترامية الأطراف في الفكر والسياسة والعرفان والاجتماع وغير ذلك .. والغوص في أي جانب في شخصيته يكشف لك عن مصداق صادق وحقيقي لمنهج أهل بيت العصمة والطهارة بأعلى المراتب والدرجات مما يقلل من قدرة أمثالي على الإحاطة به .

الثانية: أن الحديث عن الجانب السياسي والفكري أو الاجتماعي في شخصيته يمكن تتبعه وتلمسه في مواقفه السياسية المعلنة وكتبه المنتشرة وعلاقته الشفافة والواضحة مع الناس ..  أما العبادة في شخصيته بمعنى التهجد والاجتهاد في الصلاة والواجبات والمستحبات فهو أمر يصعب الوقوف عليه تماماً لأنه مبني على الكتمان والتستر عن الناس ، وأرقى مراتبه بالخلوة والتفرد مع الله عز وجل وهذا هو دأب وديدن علمائنا الأبرار وقد عرف عنه قدس سره شدة حرصه على التكتم بشأن حالاته الخاصة مع مولاه الحق جل وعلا .  ومع كل ذلك هناك محطات في سيرته تكشف عن موقع العبادات الهام في شخصيته وحياته اليومية وأثرها على مواقفه.

* علاقته بالقرآن : كان الإمام قدس سره شديد الالتصاق بكلام الله المجيد تلاوة وتدبراً وتقديساً وإجلالاً وعملاً .. فقد روى المقربون منه انه كان يختم القران كل عشرة أيام وانه نظم أوقاته اليومية بحيث تتاح له الفرصة للتلاوة ثمان مرات يومياً على الأقل وأحياناً يغتنم فرص الفراغ الطارئة للتلاوة .. وكانت نسخة المصحف الشريف لا تفارقه . (قبسات من سيرة الإمام الخميني ج‏3/ص‏20) 

* علاقته بزيارة أهل البيت عليهم السلام: كان لزيارة المعصومين عليهم السلام عن بعد أو في مراقدهم الطاهرة موقعاً ثابتاً في برنامج الإمام اليومي وهذا متواتر نقله عنه كثيرون ممن عرفوه وشاهدوه.. فهو بعد إبعاده من تركيا إلى العراق أول عمل قام به هو زيارة كربلاء.. وفور وصوله إلى النجف الأشرف توجه لزيارة قبر أمير المؤمنين عليه السلام .. وأثناء إقامته في النجف طيلة أربعة عشر عاماً كان مواظباً على هذه الزيارة بعد الغروب بثلاث ساعات وأثناء الزيارة كان يقرأ زيارة (أمين الله) قائماً ثم يجلس ويقرأ الزيارة الجامعة ولم يكن يمنعه عنها حر ولا برد ولا مرض ولا خطر وهذا الاهتمام الشديد منه لأنه كان يعتقد كما صرح (أن كل ما لدينا هو من أهل البيت عليهم السلام) .

* علاقته بالصلاة : عرف عن الإمام قدس سره اهتمامه بالصلوات المفروضة ونوافلها فكان يحرص على أدائها في أول وقتها وكان شديد الالتزام بذلك ففي إحدى المرات قطع المؤتمر الصحفي في نوفل لو شاتو عند حلول وقت الصلاة .. (قبسات من سيرة الإمام الخميني ج‏3/ص‏68)  وسألته ابنته السيدة فريدة مرة عن معنى الاستخفاف بالصلاة فأجابها أن المقصود هو أن يحل وقت الصلاة فلا يصليها في أول وقتها ويرجح عليها عملاً آخر .. (قبسات من سيرة الإمام الخميني ج‏3/ص‏84)  كما كان يحرص على أدائها جماعة فهو لم يترك الحضور في صلاة الجماعة طيلة إقامته في قم المقدسة ، كما انه لم يغير برنامجه اليومي في النجف الأشرف بأداء صلاة الجماعة يوم استشهاد ولده مصطفى .  (قبسات من سيرة الإمام الخميني ج‏3/ص‏57)  وكان يهتم بمستحبات الصلاة والتطيب لها وبتعقيباتها وبحقائقها المعنوية فكتب حول ذلك (الآداب المعنوية للصلاة).

* اهتمامه بالمستحبات وورعه عن المكروهات: ففي شهر رمضان كان يلغي لقاءاته ليتفرغ أكثر للدعاء والعبادة وقراءة القران الكريم وكان يقول (أن شهر رمضان بحد ذاته عمل). وبرغم حر النجف الشديد كان يواظب على الصيام في مختلف أيام السنة .. وكان يهتم بالكثير من المستحبات سواء للصيام أو الصلاة ومقدماتها وأداء النوافل وصلاة الليل التي لم يتركها قط حتى في اشد حالات المرض وكان يتجنب التظاهر بالمستحبات والورع والقدسية ويحب عبادة السر ..

هذا نزر قليل مما اتسع المقام لذكره . ومما لا شك فيه أن هذه العبودية وهذا الارتباط التام بمصدر القوة وبإلزام الفطرة قبل إلزام الوحي هو الذي أعطاه القوة والثبات في وجه الأعداء ومنحه النصر المؤزر ، وهو الذي أعطاه قوة البصيرة ووضوح الرؤية فهو يقول في إحدى مواعظه : "اعبدوه لأنه أهل للعبادة لتستطيعوا اختراق حجب النور والوصول إلى معدن العظمة". والحمد لله رب العالمين.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع