تحقيق: نقاء شيت
ها هو العام الدراسيّ الجديد على وصول، والمدارس عادت
لتفتح أبوابها أمام الأهالي الكرام الراغبين في تسجيل أولادهم في الصفوف الدراسية.
ومع اقتراب هذه الأيّام، يزداد الهاجس عند الأهل في اختيار المدرسة الأكثر كفاءةً
وجدارةً لتحمل على عاتقها تأسيس جيل شبابيّ ملتزم دينيّاً، واعٍ ومثقّف. فأيّ
المدارس هي القادرة على تأسيس جيل بهذه المواصفات؟ في محاولة من مجلة "بقية الله"
لمساعدتكم في اختيار الأفضل لأطفالكم من بين المدارس، قمنا باستطلاع عام لنرى كيف
يختار الأهل المدرسة لأبنائهم، وما هي الأولويّات التي يبحثون عنها في المدرسة.
بعدها حملنا آراءهم وتوجّهنا بها إلى خبراء تربويّين.
* العلم للمدرسة
سناء (ابنها في المرحلة الابتدائية)، تقول: "إنّ المدارس الإسلامية لا تهتمّ باللغة
الأجنبية بشكلٍ كافٍ ومشجّعٍ لنسجّل الطلّاب فيها، على عكس اهتمام المدارس غير
الإسلامية التي تهتمّ بذلك".
محمّد (ابنته في الصف التاسع أساسيّ) يرى أنّ المستوى التعليمي في بعض المدارس
الخاصّة أفضل، وقد اختارها أيضاً لأنّ ابنته لديها امتحانات رسميّة في نهاية العام.
أما والدا فادي (ابن الحادية عشر عاماً)، فلم يحبّذا المدارس الإسلاميّة؛ لأنّها
تهتمّ بالدين أكثر من اهتمامها بالعلم، ويتخرّج منها الطالب "معقّداً دينياً"!! كما
عبّر والده. وهذا، برأيه، لا يسمح له مستقبلاً بالتكيّف مع المجتمع بشكل عامّ!!
بينما تقول سوسن (ابنتها طالبة في المرحلة الثانوية): "إنّ المدارس الإسلامية غير
مجهّزة بمرافق تعليميّة كافية، كمختبرات العلوم والتكنولوجيا والمعلوماتيّة وغيرها".
وبما أنّ ابنتها مقبلة على مرحلة جامعيّة فهي تفضّل أن تتلقّى التعليم التطبيقيّ
المرافق للنظريّ خلال دراستها.
وعند سؤالنا لهم عن كيفية تحصيل أبنائهم المسائل الدينيّة التربويّة، اعتبروا أنّ
ذلك يمكن أن يتمّ عبر الأهل أو من خلال دروس دينيّة خاصّة في المنزل.
* الدين أساس في اختيار المدرسة
من جهة أخرى، كان هناك فئة تؤيّد تسجيل أولادها في المدارس الخاصّة الإسلاميّة،
منها فاطمة (ابنها في المرحلة الابتدائية) التي قالت: "يسعدني أن يعود ابني من
المدرسة مردّداً الأدعية والسور القرآنية، ويتعرّف إلى اللياقات الاجتماعية والآداب
الإسلامية. يشعرني هذا بدور تكامليّ تقوم به المدرسة مع دورنا كأهل، ولا تُسبّب
تعارضاً في شخصيّته..".
أما رشا، وهي مدرّسة خصوصيّة، فقد أخبرتنا أنّها تلاحظ فرقاً واضحاً بين طلاب
المدارس الإسلامية وغيرها من المدارس؛ قائلة: "لا يمكن إغفال قدرات الطالب الذهنية
واستعداداته، فبعض طلاب المدارس الإسلامية متفوّقٌ بشكل لافت على نظرائه في المدارس
الخاصّة"، ذاكرة أن البرامج التعليمية تكاد تكون متشابهة في الأسلوب والمنهاج
والمستوى اللغوي بين المدارس الإسلامية وغيرها.
فيما التفت عمّار (ابنه في البريفيه) إلى ملاحظة هامّة، قائلاً: "إنّ أبناءنا يقضون
وقتاً طويلاً في المدرسة مع الأساتذة والمربّين وزملائهم، وهم يتطبّعون بطباع
زملائهم ومعلّميهم أكثر من أسرهم أحياناً؛ لذلك أحرص أن يكون الدين سمة أساسية
محترمة في مدرستهم. فالدين منهج حياة وقيم تمارس عمليّاً". وعن فارق اللغة أو
الكفاءة العلمية، يجيب مصطفى (والد لأبناء في المرحلة الابتدائية والثانوية): "إنّ
نتائج التفوّق في لبنان وثيقة واضحة في نسبة تفوق طلاب المدارس الإسلامية التي بلغت
نسبة النجاح في معظمها 100 %".
* المدارس الإسلاميّة رسالة وعلم
قامت مجلة "بقية الله" بإجراء مقابلة خاصة مع مدير الإشراف في المؤسسة الإسلاميّة
للتربية والتعليم (مدارس المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف)، الدكتور غالب العلي
ومع المرشد الدينيّ في المؤسسة الشيخ محمّد الحمود؛ لتسليط الضوء على هذا الموضوع
من خلال رؤية إسلامية وتعليمية.
"تعمل المؤسسة على محورين: تربية المتعلّم وتثقيفه من الناحية الدينية؛ باعتبار أنّ
طابعها دينيّ إسلاميّ، وتعليم المناهج التربوية الدراسية". هكذا بدأ الدكتور غالب
العلي كلامه.
"في شقّ تربية المتعلّم، تسعى المؤسّسة الإسلامية للتربية والتعليم، إلى تزويد
الطالب بكلّ ما له علاقة ببناء شخصيّته الصحيحة في المجتمع". هذا البناء ينقسم إلى
فروع بحسب الدكتور العلي، "البعد العقائديّ، البعد الإيمانيّ، البعد الانفعاليّ
للشخصية. وبالتالي تركّز المدارس الإسلامية على تنمية الأخلاق لدى الطالب، وتعزيز
التعاليم الدينية لديه، وإرشاده، في هذا السياق، إلى البحث عن الكفاءات وتطوريها
عبر أنشطة مختلفة".
أما في ما يتعلّق بتعليم المنهج التربويّ، فإنّ المدارس الإسلامية، بحسب الدكتور
العلي، مجهّزة بكادر تعليميّ يخضع بشكل دائم لدورات تدريبيّة بهدف تطوير أدائه بحيث
يواكب التحديثات التي تطرأ على الطرق التعليمية. كما إنّ البناء المدرسيّ مزوّد بما
يلزم من المكتبات ومختبرات العلوم والتكنولوجيا والمعلوماتية وغيرها؛ ما يساعد
الطالب على اكتساب المناهج بشكل أفضل ويمنحه فرصة التطبيق على الأرض.
إضافةً إلى أن المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم تراعي البعد التدينيّ خلال وضع
المناهج؛ أي أنه حين يريد المعلّم أو التربويّ إعطاء نموذج قصصيّ أو أمثلة تعليميّة
تربوية للطلّاب، يجب أن تلائم التعاليم الدينيّة ولا تتنافى معها.
* المدارس الإسلامية تفوّق وتألّق
وخلال ردّه على كلام بعض أولياء الأمر عن المستوى التعليميّ المتوسّط أو المتدنّي
في المدارس الإسلامية، ولا سيّما من ناحية اللغة الأجنبية، يورد الدكتور العلي "أنّ
طلاب هذه المدارس يحرزون نتائج مبهرة ومتألقة، لا سيّما في الامتحانات الرسمية،
وتصل نسبة النجاح إلى 97% في الامتحانات الرسمية، وتقديرات ما بين الممتاز والجيّد
إلى نسبة 40% أو أكثر، وهذه نسبة لا يستهان بها. كما إنّ معظم طلّابنا من الخرّيجين
يجتازون امتحان اللغة في الجامعات الخاصّة، دون الحاجة إلى الخضوع لدورات تدريبية".
في ختام حديثه، ينصح الدكتور غالب العلي الأهل بالنظر إلى جانبين في اختيار المدرسة
لأولادهم، أولاً: إلى مدرسة تقدّم لهم التعليم الأنسب لمستقبل أفضل، ثانياً: اختيار
المدرسة التي تحافظ على أخلاقيّات الطالب وحسن سلوكه، وتزرع داخلَه تعاليم تتناسب
مع دينه ومجتمعه، قائلاً في النهاية: "كما نهتمّ بتأمين الحياة الدنيويّة الأفضل
لأطفالنا، لنفكّر أيضاً في حياتهم الآخرة، ونختار لهم مدرسة تمهّد لهم الطريق السويّ
لتلك الحياة".
* المدرسة والقيم الدينية
في الشقّ الدينيّ، أشار فضيلة الشيخ محمد الحمود إلى أهمية الحرص على دورٍ تكامليّ
للمدرسة مع الأهل في تنشئة الطالب دينيّاً وأخلاقيّاً، فالمدرسة بمثابة البيت
الثاني للمتعلّم، ولها دورٌ أساس في التوجيه وغرس القيم، ورعاية الشؤون الدينية
ونشر الأخلاق والثقافة الإسلاميّة، وتصحيح المفاهيم الدينيّة الخاطئة ومحاربة
الأفكار الهدّامة، وإشباع الجانب الروحيّ والوجدانيّ لدى الطلّاب. مضيفاً قولاً
للإمام الخامنئي دام ظله: "علينا أن نهتمّ بالدرجة الأولى في بناء وتشكيل البُعد
الروحيّ لأطفالنا".
ومن المعلوم، بحسب فضيلته، أنّ المدارس الإسلامية تهتمّ بمسألة التكليف بشكلٍ خاصّ؛
لما يحتّله هذا الموضوع من أهمية كبيرة في الإسلام والثقافة الإسلاميّة، حيث يقول
الإمام الخامنئي دام ظله، وبحسب فضيلته دائماً: "إنّ حفل التكليف في الحقيقة هو حفل
تشرّف الإنسان بساحة اللطف الإلهيّ وتوجُّه الله سبحانه إليه، فاعرفوا قدر ذلك".
* المدرسة تطبع هويّتها على طلّابها
من الضروريّ أنْ يكون هذا الوسط التعليميّ بيئة صالحة، تنمو فيها بذور الأخلاق
الحميدة والقيم الفاضلة، وتعطي ثماراً تشكّل صلاحاً للفرد والمجتمع. والمعلّم هو
قدوة للمتعلّمين. فإذا كان المتعلّم في مدرسة علمانية لا هويّة دينية لها، سيعيش
صراعاً بين البيئة البيتية الإيمانيّة وبيئة المدرسة، التي لا اعتبار للدين في
تعاليمها ومناهجها. وهذا يشكّل خطراً على فكر التلميذ وسلوكه، والأهل يتحمّلون
المسؤوليّة أمام الله في ذلك.
* رسالة أخيرة للأهل
ينقل الشيخ الحمود قولاً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جعل فيه تعليم الطفل
باباً من أبواب الرحمة الإلهية للأب، حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: "رحم
الله عبداً أعان ولده على برّه؛ بالإحسان إليه، والتآلف له وتعليمه وتأديبه"(1).
ويختم بقوله: إن أهمل الوالدان أمر تربية أولادهما فالعاقبة ستكون وخيمة. فكما
يُروى بحسب فضيلته، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نظر إلى بعض الأطفال، فقال:
"ويلٌ لأولاد آخر الزمان من آبائهم! فقيل: يا رسول الله من آبائهم المشركين؟
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: لا، من آبائهم المؤمنين، لا يعلمونهم شيئاً من
الفرائض، وإذا تعلّموا أولادهم منعوهم، ورضوا عنهم بعرض يسيرٍ من الدنيا. فأنا منهم
بريء، وهم منّي بُراء"(2).
1. مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج15، ص169.
2. (م.ن)، ص164.
العراق
Fatima_bk
2017-09-04 19:05:48
مقالة جيدة ، بارك الله بكم.