هنادي سلمان
الحياء عبارة عن الشعور بالانفصال والانكسار النفسي نتيجةً
للخوف من اللّوم والتوبيخ من الآخرين، وهو حالة نفسية تختص بالإنسان دون سائر
المخلوقات(1)، لأنه المخلوق الوحيد الذي يستحي ويشعر بحاجته لذلك، تلبيةً لميوله
الفطرية. وللحياء فائدة اجتماعية في منع الإنسان من ارتكاب الأعمال المنافية للآداب
العامة.
لذا يمكن اعتباره صمَّام الأمان الذي يحمي المجتمع من تصرفات مستهترة أو
متسيبة قد ينوي بعض الأشخاص القيام بها، فيمنعهم من ذلك استنكار الرأي العام له،
وخوفهم من اللوم، أو حبُّهم للمحافظة على بعض القيم والمبادئ الدينية، الأخلاقية،
أو الاجتماعية. ولا شك بأن وقع استنكار الرأي العام في بعض الأحيان يكون أشد من
السجن ومن البديهي عندئذ أن يكون تأثير الحياء أقوى من تأثير القرارات الجزائية من
ضمان تطبيق القوانين. فالرجل الذي سجن بسبب ارتكابه جريمة السرقة يتألم من محاكمته
ولكن تألمه يكون أكثر، إذا افتضح أمره وعُرِف في مجتمعه بالخيانة والسرقة(2).
إن
هذا النوع من الحياء الذي يضمن تطبيق القوانين ويمنع الأفراد من الانحراف والاعتداء
هو من الصفات المحبَّذة والفاضلة وهو ممدوح في الإسلام وقد وردت أحاديث كثيرة تؤكد
عليه. فعن الإمام علي عليه السلام أنه قال:
"الحياء يصدُّ عن فعل القبيح"(3). وعن
الإمام الحسن العسكري عليه السلام أنه قال: "من لم يتَّقِ وجوهَ النّاسِ، لم يتَّقِ
اللَّه"(4). إن هذه الحالة النفسية هي محبَّذةٌ لا بل مطلوبة في الكثير من الأحيان،
ولكنها قد تكون تافهة وغير مناسبة في بعض الأحيان فتعتبر من الصفات الذميمة التي
يجب معالجتها والتخلص منها. وهنا لا بد من أن نميز بين نوعين من الحياء: الحياء
المحبَّذ والحياء المفرِط غير المحبَّذ الذي يسميه علماء النفس بالخجل.
فما هو
الخجل؟ ما هي أسبابه وعوارضه؟ وكيف نقي أولادنا منه؟
* الخجل: أسبابه وعوارضه:
الخجل مرض اجتماعي يعبِّر عن شعور سلبي تجاه الذات وعن إحساس بالدونية والنقص. إن
هذا الشعور يُفقد المرء الجرأة على الاتصال بالناس والمشاركة العامة حيث يسيطر عليه
الإحساس بأنه أقل قدراً من الآخرين، الأمر الذي يمنعه من إقامة علاقات إيجابية في
المجتمع. وهو من الصفات الذميمة التي قد تصيب الإنسان منذ طفولته وتلازمه في كافة
مراحل حياته.
إن حالة الخجل النفسية، التي تنبع من ضعف في الشخصية، قد تترافق مع
عوارض جسدية وأمراض عضوية متنوعة كالكآبة والقلق، لأن المريض في هذه الحالة يكون
محباً للعزلة والانطواء على الذات. فاتصاله بالآخرين يشكل له وضعاً مربكاً يسبب
تلعثماً في الكلام واحمراراً بارزاً في الوجه. كل ذلك بسبب خوفه من الوقوع في
الخطأ. لذلك يفضِّل الابتعاد عن الأجواء التي تدخله في مواقف محرجة تشعره بالإهانة
والحقارة. وما أكثر الذين لا يملكون الجرأة على الاتصال بالناس بسبب الخجل الذي
يعانون منه ويشعرهم بالحقارة والدونية ويتخوفون من المشاركة في المجالس العامة
والاتصال بالأشخاص حتى أنهم يمتنعون عن الذهاب إلى بيوت أقاربهم والتحدث معهم نظراً
لما يُحسِّون به من خجل وحياء. وما أكثر التلاميذ الذين درسوا بكل جد وتتبع
واستوعبوا المناهج الدراسية بإتقان، ولكنهم أصيبوا في الامتحان وفي القسم الشفهي
منه بالخصوص، بالخجل والحياء الشديدين بسبب من ضعف النفس. وبالتالي عجزوا عن الجواب
وحصلوا على أدنى الدرجات، فحرموا من التقدم في سنواتهم الدراسية(5).
فسلوك الطفل أو
المراهق الذي يترافق مع التحقير أو الإهانة هو من أهم العوامل المسبِّبة لظهور
الخجل. لأن المرء الذي(6) يقع موقع السخرية والتحقير منذ صغره، يرى نفسه حقيراً
وتافهاً ويشعر بتدنيه ونقصه عن الآخرين. إن هذا الطفل يكون فريسة سهلة للإصابة بمرض
الخجل إذ أنه من البديهي أن يتخوف من الاتصال بالناس. هنا لا بد من الإشارة إلى
الخطر الذي يسببه تأصُّل داء الخجل وضعف الشخصية في أعماق قلوب البعض، إلى درجة أنه
يحطِّم شخصيتهم، ويجعلهم مصابين به حتى بعد البلوغ. وكثيرة هي العوامل التي تسبب
ظهور هذا المرض النفسي المزمن، منها على سبيل المثال: عدم مساعدة الطفل على بناء
شخصيته من خلال اعتياده الاتكال على الآخرين لتسوية أموره. أو وجود العاهات العضوية
والأمراض المزمنة، أو الشعور بالنقص لسبب ما... على أن أسلوب التحقير والإهانة،
يبقى من أهم هذه العوامل.
* كيف نقي أولادنا من الخجل؟
الوقاية من الخجل خير من علاجه. لهذا لا بد من الانتباه إلى الطريقة التي نتعامل
فيها مع أطفالنا حتى نمنع حدوث هذه الآفة لديهم.
من أهم الخطوات التي يجب اتباعها:
1 - أن نترك للطفل أو للمراهق حرية التعبير عن آرائه ومشاعره، بالشكل الذي يتلاءم
مع مراحل عمره.
2 - تشجيع أطفالنا على الأعمال الصائبة التي يقومون بها مدرسياً، اجتماعياً،
ودينياً، وعدم التركيز على التوبيخ المؤذي على أفعالهم، حتى لو كانت عظيمة بنظر
الأهل فالتوبيخ يجب أن يرتكز على أسس سليمة مبتعداً عن اللَّفظ الجارح، حتى يكون
هدفه التوجيه وليس التجريح بشخصية الطفل. على أن الاعتدال في تأنيب الطفل أو مدحه
هو الطريق الأفضل للتربية السليمة. وقد روي عن الإمام علي عليه السلام قوله:
"أكبر
الحمق الإغراق في الذم والمدح"(7).
3 - لا يجب أن نضرب الطفل أو أن نعاقبه، دون أن يعرف السبب الذي يعاقب عليه.
4 - الصداقة عنصر هام وفعَّال في بناء شخصية الطفل. فتواجده مع من هم في مثل عمره،
يعطيه حرية أكبر للتعبير عن آرائه، فيعتاد على ذلك في المجتمع، لذلك يجب أن نشجِّع
أطفالنا على إقامة علاقات اجتماعية وعلاقات صادقة مع الآخرين من خلال دمجهم
وإشراكهم في النوادي والمخيمات الكشفية التي تعمل على بناء شخصيتهم وبلورتها، لتكون
شخصية اجتماعية مستقلة وبنَّاءة.
5 - على الوالدين أن يشرحا لطفلهما، الفرق بين الحياء من القيام بما ينافي الدين
والآداب العامة، وبين الخجل الذي يعد نفوراً من المجتمع ومن العلاقات الاجتماعية.
6 - أن نشرح للطفل نظرة الدين من الشخص الخجول، حيث حذَّر الرسول الأعظم صلى الله
عليه وآله والأئمة عليهم السلام من الخجل في كثير من الأحيان.
ونحن لا بد من أن نقتدي بسيرة الرسول صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام
واتباع تعاليمهم الإسلامية القيِّمة.
7 - أن نربي الطفل على أن لا يخجل من أن يقول: لا أعلم ففي حديث عن الإمام علي عليه
السلام: "ولا يستحين أحد منكم إذا سُئل عما لا يعلم أن يقول: لا أعلم"(8).
(1) كيف تنمي مواهب أبنائك؟ مؤسسة الفكر الإسلامي.
(2) الطفل بين الوراثة والتربية محمد تقي فلسفي.
(3) غرر الحكم ودرر الكلم للآمدي، ص51.
(4) بحار الأنوار للعلامة المجلسي، ج17، ص218.
(5) عقدة حقارت، ص21.
(6) الطفل بين الوراثة والتربية محمد تقي فلسفي.
(7) غرر الحكم ودور الكلم للآمدي.چ
(8) نهج البلاغة، شرح الفيض الأصفهاني، ص113.