أمل القطّان
لقد لاحظتْ تعاليم الدين الحنيف أدقّ التفاصيل التربويَّة
في سبيل تنمية حسّ الحياء عند الإنسان، بدءاً بآداب العلاقة بين الزوجين، مروراً
بفترة الحمل والولادة والحضانة، وصولاً إلى مرحلة التمييز، فالبلوغ والرشد...
فكيف نربّي فتياتنا على الحياء والستر؟
ومتى تبدأ هذه العمليّة؟
وهل قرار ارتداء الحجاب يجب أن يتّخذه الأهل، أم يجب أن ينطلق من قناعة الفتاة
ورغبتها في التستّر والتعفّف، باعتباره جزءاً أساسيّاً من هويّتها الدينيّة؟
* مرتكزات التربية
في هذا المقال، سوف نتناول أهمّ المرتكزات التي يجب أن يلتفت إليها الوالدان في
تربية الفتاة على الحياء والعفّة والتستُّر، مع الإشارة إلى أنّ التربية على الحياء
والعفّة والتستُّر، ليست مقتصرة على الفتاة، بل للفتى نصيب مهمّ وضروريّ: "لا
إيمان لمن لا حياء له"(1). وكما يُروى من مواصفات النبيّ صلى الله عليه وآله
وسلم أنه كان أشدّ حياءً من العذراء في خِدْرها.
من المناسب تقسيم هذه العملية إلى ثلاث مراحل:
1- مرحلة التعليم وبناء القناعات:
إنّ أيّ سلوك يقوم به الإنسان يستند إلى مجموعة من الأفكار والقناعات التي يمتلكها
الفرد ويكتسبها عبر التعلُّم. وفي مسألة الحجاب، لا بدَّ من الالتفات إلى أهميّة
وضرورة وعي الحجاب وفَهمه، فالحجاب حصن منيع تتحصَّن به الفتاة لتحفظ ما أودع الله
فيها من جمال ولطف ورقّة، حتّى لا تتعرّض للأذى والتهديد
﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا
يُؤْذَيْنَ﴾ (الأحزاب: 59). وبالوقت نفسه لا يصبح وجودها في
المجتمع وحركتها فيه، تهديداً لدين الشباب وعفّتهم،
﴿ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ
وَقُلُوبِهِنَّ﴾ (الأحزاب: 53)
وهذا يعني أنّ الحجاب يهدف إلى توجيه الفتاة نحو اكتساب الكمالات المعنويّة
الاختياريّة، والتي تعمّق وجودها الإنسانيّ، ولا يجعلها تنصرف لإبراز جمالها في
دائرة المجتمع، بما يهدّد كيان الأسرة، ويؤثِّر سلباً على التوازن النفسيّ والعقليّ
للشباب، ويقلّل من إنتاجيّتهم العلميّة والاقتصاديّة، ويدفعهم نحو إشباع للغرائز
غير محمود العواقب.
فالحجاب ليس غطاءً للجسد فحسب، بل هو وقاية وحماية للفتاة حتّى لا تتحوَّل إلى أداة
إثارة تهدّد طاقات المجتمع بالجنوح والانحراف عن تحقيق الأهداف العليا على كافة
الصعد (العلميّة- الاقتصاديّة- الاجتماعيّة...). كما على الفتاة أنْ تعلَم أنّ
الحجاب ليس فقط غطاءً خارجيّاً، بل هو ستر لمَواطن الجمال عن الأجنبيّ، وحجب لكلّ
ما يثير الشاب من الصوت أو المشي أو النظر أو الكلام، هو ستر لمفاتنها النفسيّة
والعاطفيّة.
إنّ الحجاب أشبه ما يكون بضفّتَي النهر اللتين تساعدان الماء المتدفّق على الجريان
في مساره المحدّد، وتمنعان هدره وتصوّبان حركته، ليستمرّ رقراقاً، طاهراً، نقيّاً.
2 - مرحلة التعلُّق والحبّ:
لا بدَّ أن نلتفت إلى أنّ قرار التزام الحجاب يجب أن يكون صادراً عن الفتاة
ومنبثقاً من قناعتها بقِيَم العفّة والستر، وثمرة من ثمرات الحياء، الذي أودع الله
بذرته في نفس الفتاة، ورعى الوالدان نباتها الحَسَن، لتؤتي أُكُلها كلّ حين بإذن
ربّها، وليكون الحجاب والعفاف عبادةً دائمة، يختصّ الله بها الفتاة بالأجر والثواب،
تتعلّق بها الفتاة وتحبّ التزامها تقرّباً إلى الله سبحانه وتعالى.
* آداب إسلاميّة
من المهمّ، في هذا المقام، لفت نظر الأهل إلى مجموعة من التعليمات والآداب
الإسلاميّة التي تتكفَّل بنموّ بذرة الحياء في نفس الفتاة، وتكون المعين الأساس لها
في اتّخاذ هذا القرار المهمّ، والتي نورد بعضها اختصاراً وفق التالي:
1- تحصين عين الطفل وأذُنه من المشاهد المبتذلة والكلمات البذيئة منذ الصغر، فكلّ
ما يراه الطفل ويسمعه ويعايشه يُخزَّن وينطبع في نفسه.
2 - سلوك الوالدين العفيف والرصين، عبر تجنّب الظهور بلباس غير محتشم أمام أبنائهم،
حتّى الرضَّع منهم، وعدم إقامة العلاقة الخاصّة بينهما وفي الغرفة طفل، حتّى لو كان
نائماً.
3 - أن تكون عمليّة الاستحمام خاصّة بالطفل/ الطفلة مع محافظة الأمّ على لباسها
المحتشم أثناء ذلك، وعدم إدخال أكثر من طفل إلى الحمّام في الوقت نفسه.
4 - عدم المبالغة من قِبَل الأم بزينة ابنتها وجمالها الظاهريّ، واختيار الملابس
التي تناسب عمرها، والحرص على كشف ما يعتاد كشفه من جسدها (الرأس، اليدين،
والساقين) وسَتر ما عداها.
5 - تحصين الفتاة منذ الصغر من أجواء الاختلاط غير الضروريّ، سواء على صعيد
العلاقات العائليّة والاجتماعيّة، أو في المدرسة، بما يؤمّن الاستقرار النفسيّ
للفتاة، وهو ما عبَّرت عنه السيّدة الزهراء عليها السلام بالخيريّة: "خيرٌ
للنساء أن لا يَرينَ الرجال ولا يراهنَّ الرجال"(2).
6 - عدم اصطحاب الفتيات إلى مجالس النساء التي لا تُراعى فيها الحشمة، كالأعراس
والمسابح والحفلات.
7 - احتشام الأمّ بلباسها في المنزل خصوصاً مع وجود المحارم، فما ترتديه الزوجة
لزوجها لا يصحّ أن ترتديه أمام أبنائها.
8 - التفريق بين الأولاد في الأَسِرَّة، وعدم السماح للأولاد بالنوم في سرير
الوالدين.
9 - عدم ترك الأولاد يلعبون بمفردهم في مكان مغلق ولفترة طويلة دون رقابة الأهل.
10 - مَنْع الفتاة من الجلوس في حُجر رجل أجنبيّ بعد أن تبلغ ستّ سنوات ومنعه من
لمسها أو تقبيلها(3).
11 - الالتفات لما تشاهده الفتاة على التلفاز من البرامج والمسلسلات والأفلام
والاقتصار على الرصين والملتزم.
12 - حُسن اختيار المدرسة التي تراعي الضوابط الشرعيّة والأخلاقيّة، وعدم التضحية
بهذه المواصفات لحساب المستوى العلميّ والأكاديميّ.
13 - توجيه الفتاة ومساعدتها على اختيار الصديقة الصالحة.
14 - تركيز الأهل، وخصوصاً الأمّ، على أنّ قيمة الفتاة: بعِلمها وعَملها، وجمالها:
بأخلاقها وتديّنها فعندما تريد الأمّ أن تمتدح ابنتها أو تثني عليها، يكون مدحها
وثناؤها لكمالاتها المعنويّة والباطنيّة، وليس لجمالها الجسديّ.
3- مرحلة بناء القدوة:
إنّ كلّ ما ذُكر سابقاً لا يؤدّي دوره وأثره على الفتاة بالشكل المطلوب، إلّا عندما
تتعرَّف الفتاة إلى القدوة المتمثّلة بسيّدة نساء العالمين عليها السلام، من خلال
ما تجسّده الأمّ في سلوكها وأفكارها وقيمها التي تؤمن بها، خصوصاً في مرحلة ما قبل
التكليف، فالأمّ تلعب دوراً كبيراً ومؤثّراً في بناء المنظومة القيميّة والأخلاقيّة
والدينيّة لابنتها، وربط الفتاة بسيّدة نساء العالمين عليها السلام وسترها وعفافها،
وهي المسؤولة الأولى عن نموّ بذرة الحياء والعفّة عندها، وهذا مرتبط بمقدار الوقت
الذي عايشت فيه الفتاة أمّها. وهنا علينا أن نقدّر أهميّة ملازمة الفتاة لأمّها في
سنواتها التسع الأولى، وما لهذا من تأثير على ما تحمله الفتاة من أفكار، وما تعتقد
به من مبادئ، وما تتحلّى به من أخلاق، وتتبنّى من قِيَم، وما يرشح عن كلّ ذلك من
سلوك.
ويأتي في الدرجة الثانية، دور المعلّمة التي تساهم مساهمة مهمّة وخطيرة في نَحت
المعالم الأساسيّة لشخصيّة الفتاة، خصوصاً في مرحلة الروضات ومرحلة التعليم
الأساسيّ.
فلتنظر الأمّهات والمعلّمات إلى مقدار ما يساهمن في تشكيل شخصيّات فتياتهنَّ
وتلاميذهنَّ، وليتأمَّلن حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين
عليّ بن أبي طالب عليه السلام: "يا عليّ لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ
ممّا طلعت عليه شمس وغربت"(4) وليشاركنَّ إمام زماننا بدعائه ".. وتفضّل..
على نسائنا بالحياء والعفّة"(5).
أخيراً: على الأهل الالتفات إلى أهميّة الحياطة والتحصين والحماية من
استخدام أطفالهم للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعيّ، والاهتمام لما يشاهدون وما
يسمعون وما يعايشون. فكلّما كان حضور الوالدين في سنيّ الطفل الأولى، وخصوصاً
السنوات السبع الأولى قويّاً وواسعاً، كلّما ضمنَّا حمايته ووقايته من كلّ ما
يشوِّه فطرته، حتّى يكون قد قارب المرحلة التي يكون عقله قد نما فيها بالمقدار الذي
يؤهّله ليكون مخاطباً بالخطاب الإلهيّ ومسؤولاً عن أعماله وتصرّفاته.
1- الوافي، الفيض الكاشاني، ج4، ص436.
2- وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج20، ص67.
3- تحرير الوسيلة، روح الله الموسوي، ج2، ص244.
4- الإمام الحسين في أحاديث الفريقين، السيّد علي الأبطحي، ج2، ص292.
5- مفاتيح الجنان، الشيخ عبّاس القمّي، ص181.