إعداد: محمد ناصر الدين
* نشأته ونبوغه
نشأ السيد الصدر قدس سره في النجف الأشرف ولم يكتمل له من العمر عشرون سنة حتى بلغ
درجة الاجتهاد. امتاز الإمام الشهيد منذ صباه مع عبقريته الفذة وذكائه المفرط
بالجرأة والشجاعة الأدبية. تفوَّق الإمام الشهيد رضي الله عنه على أقرانه فصرف إليه
أنظار معلميه ورفاقه بل اشتهر اسمه خارج المدرسة ليكون المثل والقدوة وقد حال خلقه
الرفيع وهدوءه ووداعته وودّه دون أن يبغضه أحد ويظهر له العداوة. ولشدة ذكائه كان
كثيراً ما يُشكل على معلميه بشكلٍ لا يتصور أنه يصدر من طفل في مرحلة الابتدائية بل
في صفوفها الأولى، حتى أنه أشكل يوماً على معلم التربية الإسلامية الذي أثبت وجود
الخالق بأدلة قرآنية فقط فقال له الإمام الصدر رضي الله عنه: إن هذه الأدلة لا تلزم
إلا من آمن بالقرآن فتصور أنني لا أؤمن بالقرآن.
* أخلاقية الأبوّة
كان السيد الشهيد قلباً واسعاً يحتضن الجميع ويحمل همّ الجميع ويتفقد الجميع ويخدم
الجميع، ويتحسس آلام الجميع... من مواقفه المسجّلة في هذا السياق، أنَّه كان
يُقدِّم أفضل ما لديه من طعام إلى خادمه بحيث كان المقربون يغبطون هذا (الخادم
الأخ) على حظوته في خدمة هذا العالم الرباني الجليل ويتمنى الكثيرون أن يكونوا
مكانه في خدمته رضي اللَّه عنه. في إحدى المرات جاءه أحد أفراد الأمن البعثي
معتذراً، وكان هو الذي كبّل يديه عند اعتقاله، فما كان من جواب السيد الشهيد إلاّ
أن قال له: "إن الابن قد يُسيء، ولكنّ الأب يجب أن يبقى أباً لأولاده، وتبقى
أبوّته محفوظة لهم". كان يُعطي قسطاً كبيراً من وقته الثمين لكلّ أصناف الناس،
حتى للأطفال الصغار، وشوهد يوماً وهو يتحدّث إلى طفلٍ لم يتجاوز الثالثة عشرة أكثر
من ساعتين في المسجد المذكور. وخلاصة مشكلة هذا الطفل الشابّ أنه كان يعاني من
معارضة والديه له لتديّنه والتزامه وعدم تديّنهما أو التزامهما، وكان السيد يُشير
إليه بأفضل الطرق على برّهما والتعامل معهما، ويحثّه على الاستقامة والثبات لعلّ
اللَّه تعالى يكتب على يديه هدايتهما.
* زهده وإيثاره
أهداه تاجرٌ عراقي يوماً عباءةً من الوبر مرتفعة الثمن وكان في المجلس الذي أهدى
فيه هذا التاجر هذه العباءة أحد الطلبة، وعندما خرج هذا التاجر أهدى السيد الشهيد
تلك العباءة إلى ذلك الطالب... وفي مناسبة أخرى أوصى أحد التجار بإعطاء سيارته بعد
وفاته إلى السيد الشهيد فلما توفي نفّذ الورثة وصيته، فقدّموا السيارة إلى السيد
ولكنه رفض استعمالها، وألحّ عليه طلبته وتلاميذه أن يجعلها لسفراته الطويلة، ولكن
سماحته أبى ذلك وأمر ببيع السيارة وصرف أموالها على الطلبة... وكان يتنقل بسيارات
الأجرة العامة. ولم يكن في بيت السيد الشهيد أو بيت بنت الهدى من الأثاث والأواني
حتى ما كان يحتويه أفقر البيوت أو ما تملكه أفقر العوائل العراقية آنذاك. يروي
الشهود أنه لم يشتر ثلاجة إلى البيت وكان يكتفي بأواني فخارية يحفظ فيها الماء
بارداً، حتى ضاق بذلك أحد محبيه يوماً فاشترى له ثلاجة سنة 1974م.
ولم تكن في البيت
غسّالة حتى انتقل إلى ربه راضياً مرضياً... ومن زهده أيضاً أنه ترك داراً، كان
يسكنها في الكوفة مساحتها 600 متر مربع، قيل أنه تركها لسعتها وأنه يرى أنها لا
تتناسب معه كونه عالماً متصدّياً يُفترض أن يكون أسوة لتلامذته لكي (لا يتبيّغ
الفقير منهم) بفقره ولكي يشاطرهم (جشوبة العيش ومكاره الدهر) كما قال أمير
المؤمينين عليه السلام... فضلاً عن هدفه الرشيد في تجسيد الغاية الكبرى للثوار
والمصلحين في مواجهة الترف الذي هو أساس الفسوق وأول خطوة في خراب الأمم وفساد
الشعوب... ومن زهد السيد وترفعه على حطام الدنيا أيضاً، أنه أبى أن يشتري داراً
وحين كان يُعرَض عليه ذلك من قِبَل التجار المؤمنين كان يرفض دائماً ويؤكّد أن بيته
يكفيه ثم يقول: "إذا وهبتموني داراً فسوف أجعلها مدرسة للطلبة"!!.
* تواضعه
وعن تواضعه رضي اللَّه عنه أنه لم يُشعر أحداً يوماً أنه أكبر منه وأرفع أو أثقب
رأياً. وقد عُرف عنه رضي اللَّه عنه أنه كان إذا دخل مجلساً فإنه يجلس حيث ينتهي به
المجلس ولا يُكلّف أحداً بتمييزه أو النهوض إليه توقيراً أو تبجيلاً، كما كان
متعارفاً في الوسط الحوزوي. ولعلّ أعظم ما يمكن قوله عن نكرانه لذاته هو تصريحه
الشهير، أنه مستعد أن يكون وكيلاً صغيراً للسيد الإمام الخميني، وفي أية قرية
يختارها له رضي اللَّه عنه باعتباره الرجل الذي جسدّ حلم الأنبياء في ثورته
الإسلامية وإقامته أول حكومة إسلامية بعد قرون من الغياب أو التغييب...
كما أوصى
السيد الشهيد كلّ محبيه ومريديه، أن يذوبوا في الإمام الخميني كما ذاب الإمام في
الإسلام... كان قدس سره يدعم المرجعية المتصدية في زمانه، ولم يحاول أن يطرح
مرجعيته في عَرضها، رغم الإلحاح الشديد من قبل مقلديه بطرح نفسه، وأنه حين بلغه أن
أحد أبناء المراجع قال لمدير أمن النجف يوماً: "ماذا تنتظرون بالصدر؟ هل تريدونه
خمينياً ثانياً في العراق؟ لماذا لا تعدمونه؟!". فإنه قدس سره لم يزد عن جملة: "غفر
اللَّه لك يا فلان، إن قتلوني اليوم، قتلوكم غداً". ويشتد التواضع كلما اشتد السيد
الشهيد رضي الله عنه وقوي وكبر حتى أصبح في مراتب العلماء الأعاظم والمراجع الأكابر
فلم يأخذ الكبرياء منه مأخذه فظل هو ذاك محمد باقر الوديع الودود يحترم العلماء من
أقرانه وأنداده ويعطف على من هو دونه ومما يروى عن تواضعه الجمّ أنه سأل أحد
تلامذته مسألة فلكية فقال له: افرضوا إني تلميذكم فاشرحوها لي.
* شجاعته:
أما شجاعته فهي مما ورثه الإمام الشهيد رضي الله عنه عن أجداده الطاهرين عليه
السلام فتجده لا يعبأ في مقارعة الظالمين بقسوتهم وشدة بطشهم وفتكهم ولا يخاف ما
يؤول إليه مصيره ما دام ذلك في ذات اللَّه وفي مرضاته وفي سبيل إعلاء كلمته ففي
الظروف الحرجة التي تَعُزُّ فيها النفس يبادر السيد الصدر للتضحية ويسترخص النفس،
وفي اليوم الذي تبلغ القلوب الحناجر ويلوذ الجميع إلى الصمت مخافة بطش الحاكمين يقف
الشهيد مستنكراً الظلم ويتحدى جلاوزة الظالمين، فيوم كان المدّ الأحمر يغزو الشارع
العراقي يفتك بكل من يعارض يتصدى الشهيد الصدر رضي الله عنه للردّ على الأفكار
الإلحادية بكل موضوعية وفي الوقت الذي يخشى أن يصادر الكتاب وهو في طريقه إلى
المطبعة.ولما طُلب من السيد الشهيد رضي الله عنه إدانة الثورة الإسلامية والتعرض
بسوء لشخص قائدها الإمام الخميني قال السيد الشهيد مخاطباً ضابط الأمن "لقد كان
هدفي وأمنيتي في حياتي تأسيس حكومة إسلامية والآن وقد تأسست في إيران وتحققت أمنيتي
فكيف أقول شيئاً ضدها؟ وعندما قال له الضابط بأنه سيُعدم قال له السيد الشهيد: إذا
كنت مأموراً بتنفيذ حكم الإعدام فنفذه الآن وأنا انتظر الإعدام منذ فترة والشهادة
طريق آبائي وأجدادي فما كان من ضابط الأمن إلا أن بكى وقبَّل يد السيد الشهيد.
* حياته العلمية معالم مدرسته
كان الشهيد رضي الله عنه طموحاً بعيد النظر، قوي العزيمة، وهذا ما جعله مدرسة خاصة
متميزة قل نظيرها. وإن جلّ كتابات وبحوث الإمام الشهيد وليدة الحاجة والضرورة فهو
يعنى بما يفتقر إليه المجتمع من الغذاء الفكري فيبادر إلى إشباع هذه الحاجة فهو في
حالة تأهب مستمر للدفاع عن الثغور الإسلامية في الفكر والعقيدة ويستهدف القضاء على
الأمراض الفكرية المستوردة بعد تشخيص العلاج الناجح الذي يستأصل جذورها واقتلاعها.
وكانت بحوث وإبداعات الشهيد... كلها بدافع سد الحاجة الإسلامية لتلك المجالات التي
درسها والملاحظة التي نريد تأكيدها أن الشهيد لم يبحث عن شيء من غير هدف إسلامي
ولهذا لا نجد دراساته وبحوثه إلا نافعة ومعمقة ذلك أن التفاعل مع الهدف والإخلاص له
يترشح إلى تمام العمل ويسري إليه ويمنحه القوة والعمق... ومن معالم مدرسة الشهيد
الصدر رضي الله عنه التجديد وذلك على مستويين:
الأول: التجديد في طريقة التفكير والثاني:
التجديد في المنهجية، فعلى المستوى الأول فإن الشهيد لا يقتصر على محاكاة ما خلَّفه
السلف من نظريات وأفكار بل يضيف إليها أفكاراً ونظرياتٍ تعمقها وترمم بنيانها تارة
أو يعيد صياغتها من جديد بشكل يتباين معها. والمَعْلم الآخر في مدرسة الشهيد الصدر
رضي الله عنه الإحاطة والدقة والشمول، فعندما يتناول الشهيد الصدر رضي الله عنه
مسألة ما فإن قلمه لا يدعها إلا وقد ذكر جميع الاحتمالات والوجوه بحيث لا يترك
مجالاً لغيره من بعده الذي لا يجد مبرراً لتناول البحث وقد سبقه إليه قلم الشهيد
الصدر رضي الله عنه. وتتميز مدرسة الشهيد الصدر بالجرأة والإقدام في طرح الحقيقة
والنظريات التي يتوصل إلى استنتاجها ولا يحاول إخفاءها خشية الرد عليها من المشهور
لأنه يعتقد أن الحقيقة العلمية لا بد أن يكشف النقاب عنها وإذا ما تجلت لأحدٍ وجب
عليه إبرازها إلى حيّز الوجود وإن كان في إبرازها تخطئة للسلف والمشهور وذلك في كل
المجالات التي بحثها السيد الصدر رضي الله عنه. ومن المعالم التي طبعت بها مدرسة
الشهيد رضي الله عنه هو الحياد تجاه النطريات والمذاهب والأفكار التي يطرحها الخصوم
ولا يحاول أن يقفز إلى النتائج دون مناقشتها بل يعمد إلى دراستها بشكل موضوعي ثم
يصدر أحكامه عليها. ومن معالم مدرسته أيضاً أنها خرجت من نطاقها ودائرتها الإقليمية
لتخترق الحدود المصطنعة وتنفذ إلى قلوب المسلمين في كل مكان.
* مع الشهيد الصدر فقيهاً
اشتهر صيته في مجالات متعددة رغم وعورة مسالك العلوم والمعارف التي عرف بها فكان ذا
نظرية في الاقتصاد والفلسفة وذا رأي في علم الرجال والتأريخ واللغة وذا مدرسة
مستقلة متميزة في المنطق والأصول ولكنه كان قبل ذلك كله فقيهاً من أكابر الفقهاء
ومرجعاً من أعاظم المراجع قل نظيره وندر مثيله. وقد عرف نظره الثاقب وغوره البعيد
ورأيه السديد في مسائل الفقه ومواضيعه منذ صباه حتى إذا حضر بحث السيد الخوئي قدس
سره فكان أبرز تلامذته وأصغرهم سناً وأوفرهم حظاً في الفقه ومسائله فقضى ثلاث عشرة
سنة في ملازمة السيد الخوئي قدس سره. شرع بإلقاء أبحاثه العالية في الفقه وحضر لديه
الكثير من العلماء والفقهاء واستمرت بحوثه لما يقرب من العشرين عاماً إلى قبيل
استشهاده.
وكانت بحوثه الفقهية من أروع البحوث كما اعترف بذلك أعلام الفقه يقول
السيد عبد الكريم الموسوي الأردبيلي: "إنني أتحرج في الحديث عن هذه الشخصية
شخصية السيد الصدر المثلى خصوصاً وإن ذلك يحتاج إلى معرفة دقيقة بكل الظروف التي
أحاطت بها إلا أنني أكتفي بإيراد بعض النقاط عن هذه الشخصية ذات الأبعاد المتعددة،
ومنها عنصر الأصالة الاجتهادية التي قل نظيرها". طبع من أبحاثه الفقهية أربعة
مجلدات باسم "بحوث في شرح العروة الوثقى" وقام بتوسيع أفق البحث الفقهي لشتى أبواب
الحياة بالشكل المنسجم مع متطلبات اليوم وبأسلوب يتجلى به أن الفقه يعالج كل مناحي
الحياة ويواكب الوضع البشري الفردي والاجتماعي حتى النهاية وبشكل يتضح أن البحث
الفقهي متحرك يواكب حركة الحياة. وقد شرع رحمه اللَّه لتجسيد هذا الجانب في رسالته
العملية المسماة (الفتاوى الواضحة) إلا أن استشهاده قد حال بينه وبين إكمال الكتاب.
* مع الشهيد الصدر أصولياً
فكما نبغ السيد الشهيد قدس سره في الفقه منذ صباه فإنه نبغ في علم الأصول منذ تلك
الفترة ومن آيات نبوغه هذا الإيرادات التي أشكل بها على كتاب "المعالم في الأصول"
يوم تتلمذه على يد أخيه السيد إسماعيل الصدر قدس سره فكانت تخطر بباله الإشكالات
التي أوردها صاحب الكفاية الآخوند الخراساني في كفايته التي تعد من أدق الكتب
الأصولية. وكذلك ما كتبه في علم الأصول في مبحث الاشتغال "غاية الفكر" وقد خالف فيه
نظريات المشهور من علماء الأصول وأساطين هذا العلم.
مع الشهيد الصدر مفسراً
لقد كان السيد الشهيد قدس سره مفسراً ذا أفق بعيد ومنهج تفسيري جديد انعكست فيه
المعالم ذاتها التي تقدم ذكرها والتي تتميز بها مدرسة الشهيد قدس سره، لم يصنف
تفسيراً سوى ما خلفه للأمة الإسلامية من كتابات ومقالات ومحاضرات بيد أنها كافية
لأن تضعه في مقدمة علماء التفسير لأنه صاحب مدرسة جديدة في التفسير وهو التفسير
الموضوعي الذي أشاد معالمه قدس سره إلى جانب آرائه القيمة المتناثرة هنا وهناك.
* مع الشهيد الصدر فيلسوفاً
يقول السيد حسن النوري: "لقد كان الشهيد الصدر فيلسوفاً من غير منازع، استطاع تكوين
نظرية جديدة في المعرفة ولقد دخل ميدان النظريات القديمة في المعرفة وناقشها وانتهى
إلى عدم قدرتها الكاملة على طرح النظرية الصحيحة في تفسير المعرفة الإنسانية...
فكان من الذين قدموا نظرية جديدة في المعرفة".
*
فلسفتنا
كتاب "فلسفتنا" هو أشهر أثر فلسفي خلفه الإمام الصدر قدس سره فينبغي للباحث أن
يتلمس من خلال مراجعته كتاب "فلسفتنا" الذوق والحس الفلسفي لدى السيد الشهيد قدس
سره ومتانة براهينه وقوة حججه واستدلالاته الفلسفية والطابع التجديدي الذي ارتداه
هذا الكتاب. ودخل كتاب "فلسفتنا" ميدان الصراع الفكري فتهاوت أمامه صروح الفلسفة
المادية المتهاوية فباتت على عروشها خاوية وقد اعترف بذلك أساتذة المعرفة والفلسفة.
* مع الشهيد الصدر مؤرخاً
اتسعت اهتمامات الشهيد لتشمل أكثر حقول العلم والمعارف الإنسانية، ومن ذلك ميدان
التأريخ ليسجل روائع أفكاره وآرائه التي توصل إليها قدس سره. ولم يقتصر الشهيد قدس
سره على بحث الحقائق التأريخية ودراستها بلغة تأريخية صرفة فهو المؤرخ الواعي الذي
لا يسلِّم بالحقائق التأريخية بعيداً عن القرآن والسنّة والعقل والذوق العام.
* مع الشهيد الصدر اقتصادياً
قدّم السيد الصدر رضي الله عنه رسالة للأمة الإسلامية نظرية الإسلام الاقتصادية،
حيث جاء كتابه "اقتصادنا" ليكرِّس الأصالة الإسلامية ويعكس الفكر المستقل في
الشريعة الإسلامية ولذلك يلقي السيد الشهيد قدس سره نظرة دقيقة لواقع الأمة
الإسلامية والمذاهب الاقتصادية المستوردة فيحلل المجتمع المسلم ومدى قابليته
للتفاعل مع هذه المذاهب بينما يبرهن على تجاوب المجتمع الإسلامي مع عقيدته ورسالته
وبذلك يكون المذهب الاقتصادي في الإسلام هو العلاج الناجح الوحيد للقضاء على التخلف
الاقتصادي في الدول الإسلامية.
* الشهيد الصدر إمام المناطقة
مما كتبه الشهيد الصدر قدس سره في المنطق كتابه "الأسس المنطقية للاستقراء" الذي
حقق قفزة حضارية لا مثيل لها في التاريخ.
هموم الشهيد والأمة الإسلامية
لقد كان همّ الشهيد الصدر قدس سره كبيراً تعدى العراق وتجاوز حدود الطائفة الشيعية
فعاش لأبناء الأمة الإسلامية يفكّر في محنتهم وآلامهم جميعاً ويتمنى لهم الخلاص
ونيل الحرية وكسر قيود الذل والصغار. كان يُروِّض نفسه للتفكير في شعوب البلاد
الإسلامية كتفكيره بشعب العراق. وفلسطين كانت الجرح الدامي في قلبه، هذه التراب
المقدسة كانت عيون الإمام الشهيد الصدر ترمق إليها بأسى وألم وتستنكر الصمت والخنوع
الذي خيمّ على المسلمين.
وقد خاطب ضمير الأمة مستنهضاً:
"أريد أن أقتل أمام الناس ليحركهم مشهد قتلي ويستثيرهم دمي، هل تراني أملك غير
سلاح الدم...".
علاقة السيد الشهيد بالثورة الإسلامية والإمام الخميني
قدس سره
ترجع صلة الإمام الشهيد بالثورة الإسلامية في إيران إلى 16 سنة قبل انتصارها. ينقل
تلاميذه المقربون نماذج من العلاقة بينه وبين قائد الثورة الإمام الخميني وتبادل
وجهات النظر معه في مراحل مختلفة من هذه الثورة المباركة. وواكب الشهيد السعيد
أحداث الثورة بعد الانتصار واستلام السلطة، وأرسل إلى قيادة الثورة ستة بحوث من
الفقه السياسي التطبيقي الحديث الذي تحتاجه التجربة الإسلامية الوليدة. وكان البحث
الأول حول مشروع دستور الجمهورية الإسلامية الذي استُفيد منه لصالح الدستور الحالي
والمطبّق في إيران. وأرسل إلى الإمام الخميني قدس سره رسالة تجسِّد علاقته به: "...
تلقيت برقيتكم الكريمة التي جسدت أبوتكم ورعايتكم الروحية للنجف الأشرف الذي لا
يزال منذ فارقكم يعيش انتصاراتكم العظيمة، وإني استمد من توجيهكم الشريف نفحة
روحية، كما أشعر بعمق المسؤولية في الحفاظ على الكيان العلمي للنجف الأشرف وأود أن
أعبر لكم بهذه المناسبة عن تحيات الملايين من المسلمين والمؤمنين في عراقنا العزيز
الذي وجد في نور الإسلام الذي أشرق من جديد على يدكم ضوءاً هادياً للعالم كله".
* السيد الشهيد في عالم الشهادة
في السنوات الأخيرة صعّد السيد الصدر من نشاطه في صفوف أبناء الأمة الإسلامية
خُصوصاً الشباب المثقف والجامعي وانتشر وكلاؤه في معظم المناطق بالشكل الذي تسمح به
الظروف الداخلية لشؤون المرجعية وهذا ما سبَّب القلق المتزايد للنظام تجاه السيد
الصدر فكثّفت عمليات المراقبة لداره والمرتبطين به. وقام النظام بعمليات اعتقال
واسعة شملت الآلاف من أبناء الشعب العراقي واختنق العراق بالإرهاب اللامتناهي
وطاردت السلطات كل من عرف عنه التدين واعتقل السيد الصدر قدس سره، وظل القلق يساور
النظام الحاكم في بغداد ثم تم الإفراج عنه ورفع الإقامة الجبرية لأسبوع، وفي 5-4-
1980 تمّ استدعاؤه إلى بغداد لينفذ فيه حكم الإعدام وذلك في الثامن أو التاسع من
شهر نيسان 1980م مع أخته الفاضلة الشهيدة بنت الهدى دون محاكمة ولو صورية ودون
تعليق رسمي أو شبه رسمي ثم تعود جنازتهما ليضجع الشهيد الصدر وأخته الطاهرة ويبقى
العراق بعده يعاني الآلام والمحن.
وقد عبّر الإمام الخميني قدس سره عن تأثره فقال:
"لا عجب لشهادة هؤلاء العظماء، الذين أمضوا عمراً من الجهاد في سبيل الأهداف
الإسلامية،... ولا عجب أن ينال الشهادة المرحوم السيد الصدر وشقيقته المظلومة، وها
أنا أعلن الحداد العام لمدة ثلاثة أيام... وذلك تكريماً لهذه الشخصية العلمية،
ولهذا المجاهد الذي كان من مفاخر الحوزات العلمية، ومن مراجع ومفكري المسلمين،
وأرجو اللَّه تعالى أن يعوّضنا عن هذه الخسارة الكبرى، والعظيمة، عزّ الإسلام
والمسلمين...". هكذا شاءت إرادة اللَّه تعالى أن تُسقى شجرة الإسلام بدم هذا
المفكر الثائر، ليبقى هذا الدم الزاكي، عنواناً عظيماً لكل عشاق الحق والعدل
والحرية، ورمزاً ساطعاً لاستقطاب كلّ الأحرار والثوار في طريق الثورة الطويل وعلى
درب الإسلام المحمدي الأصيل...