نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مع الإمام الخامنئي: صلاة الجمعة مقرُّ الإيمان(*)


إنّ صلاة الجمعة هي مقرّ ومركز للإيمان والتقوى، والبصيرة والأخلاق. والمقرّ أو الثكنة، مثلاً، من التعبيرات والمصطلحات الخاصّة بالحرب والمواجهة وما شاكل، إلّا أنّنا ينبغي أن لا نخشى من استخدامها، فهذه الحرب قائمة وقد فُرضت علينا وهي حرب معنويّة [نفسيّة]، عقائديّة وإيمانيّة وسياسيّة. إننا لا نبتدئ بحرب، بل حتّى إنّنا لا ندافع في الموارد التي لا تستدعي الدفاع؛ ﴿لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (المائدة: 28). هذه هي أخلاقنا! ولكن عندما يصبح الدفاع ضرورياً، نعم، نخوض ميدان الدفاع.

*مقرّ الحرب العقائديّة
نحن في وسط معركة كهذه، وفي حالة جهاد من هذا النوع... إنّهم يهاجمون إيمان أبناء الشعب وبصيرة الناس، ويهاجمون تقوانا وأخلاقنا، وينشرون مختلف الشبهات المعنويّة الخطيرة في أوساطنا. لذا، يجب علينا الدفاع، وهذا يحتاج إلى مركز عمليّات ومقرّ، كما هي الحال في مقرّات ساحة الحرب. وصلاة الجمعة تعتبر واحداً من أهمّ هذه المقرّات، فهي مقرّ الإيمان؛ مقرّ التقوى. والقائد لمقرّ إمامة الجمعة هو إمام الجمعة نفسه.

*تبيان الحقائق هو الهدف الأساس
إنّ الهدف الأساس لهذا المقرّ هو تبيان الحقيقة، وهو كان الهدف الرئيس لأنبياء الله؛ لأنّ الأمر الذي غالباً ما يوجب ضلال الناس هو جهلهم بالحقيقة. هذا هو الأساس. هناك بالطبع من ينكر الحقيقة بعد معرفتها، إلا أنّ أساس الانحرافات ناجم عن الجهل بالحقيقة. ولقد جاء أنبياء الله لتبيان الحقيقة وتوضيحها وإظهارها وإتمام الحجة على الناس. "العلماءُ وَرَثةُ الأنبياء"(1)؛ أي أنّكم ترثون الأنبياء [في قضايا شتى] ومنها هذه القضيّة، تبيان الحقيقة.

إنّ صلاة الجمعة كما هو ظاهر من اسمها، مكانٌ للتجمّع، فهي فرصة لاجتماع الناس بعضهم ببعض، وفرصة توفّر لهم إمكانيّة تبادل الآراء، واتّخاذ القرارات، والمبادرة. وهذا أمرٌ بالغ الأهميّة. فإنّ الغرباء عن الدين -سواء من الأجانب أو بعض العناصر في الداخل من الذين يفتقرون إلى هذه الأمور- يتحسّرون على أنّهم لا يمتلكون الوسيلة لجمع الناس في مكان واحد وتبادل الحديث ووجهات النظر معهم، ويحاولون بشتّى العناوين عقد مثل هذه الاجتماعات، ولكنْ مع ذلك لا شيء يضاهي هذا الاجتماع.

* الهداية الثقافيّة
وانطلاقاً من هذا، تُعتبر صلاة الجمعة القلبَ الثقافيّ لكلّ مدينة، والمركز الثقافيّ لها. إنّها المكان الذي تتمّ فيه هداية الناس، هداية سياسيّة وثقافيّة. فلا نخال أنّه لو تحدّثنا مثلاً عن القضيّة السياسيّة المعاصرة الفلانيّة التي هي محلّ ابتلائنا أيضاً، واستعرضنا ما يحوم حولها من مسائل ببيان بليغ بديع، انتهى الأمر... كلّا، إنّنا نرى الهداية الثقافيّة أشدّ عمقاً وبناءً من الهداية السياسيّة، رغم ضرورة الهداية السياسيّة وضرورة عدم تركها وصرف النظر عنها، إلّا أنّ الأهم هو الهداية الثقافيّة وثقافة الناس وأخلاقهم.

*صلاة الجمعة: سلوك علمائيّ روحانيّ أبويّ
1. حوزويّة علمائيّة لا إداريّة: من المسائل المهمّة فيما يختصّ بأئمّة الجمعة، وهو الذي يؤتي ثماره، أنّ حضور الإمام هو بصبغة حوزويّة روحانيّة علمائيّة وليس بالأطر الإداريّة التي لا تجدي نفعاً في صلاة الجمعة، ولا ينبغي أن يقوم السلوك الحوزويّ العلمائيّ على شكل الرئاسة في الصلاة، وإنما يجب أن يرتكز على الروحانيّة والأبويّة، والأخوّة، والمشاعر الودّيّة.

2. قول الحقّ: النقطة التالية هي الاهتمام بالحقّ. فأحياناً نرى أنّ بعض أصحاب المنابر العامّة والكبيرة نسبيّاً، يراعون في خطابهم ما يبتغيه المستمع ويجاملونه بذلك! ويتّخذون في كلامهم الأسلوب الذي يرغب فيه، وهذا العمل خطأ.

تكلّموا بما هو الصواب، حتّى وإن لم يستسغه المستمع. وبالإمكان بيان ذلك الموضوع مشفوعاً بالاستدلال واللغة الهادئة والدافئة، ليتذوّق حلاوة هذا الكلام مَن لم يستسغْه قبل ذلك.

3. إكرام إمام الجمعة: على إمام الجمعة إكرام نفسه وتقدير دوره، وعلى الناس إكرامه أيضاً. والإكرام لا يعني إقامة المراسم الصوريّة والشكليّات وفَرش السجّاد الأحمر، وإنّما هو التقدير ومعرفته قيمة نفسه وما يقوم به، وهذا من الأمور الأساسيّة. فعليكم، بصفتكم أئمّة جمعة، أنْ تعرفوا قدْر أنفسكم وتُكرموها، وهذا معناه الإعراض والترفّع عن كل ما يدنّس باطن الإنسان ويلوّثه.

*إقامة صلاة الجمعة فرصة!
إنّ فرصة إمامة وإقامة صلاة الجمعة هي توفيق كبير حقّاً. فالمتعارف عليه في بعض البلدان الإسلاميّة أن تقوم أجهزة إداريّة بإملاء خطبة الجمعة على الورق، ثمّ تُقدَّم لإمام الجمعة، الذي بدوره يعتلي المنبر، ويقرأ ما أُملي عليه في الورق. غير أنّ هذه لا تعتبر صلاة جمعة ولا خطبة جمعة في رأينا، وإنّما هي قراءة مرسومٍ للإدارة الفلانيّة التي تُعنى بالمسائل الدينيّة. إنّما خطبة الجمعة هي ما يتدفّق من قلب إمام الجمعة وذهنه الوقّاد، ويجري على لسانه، ويُعرَض على الناس ببيان بليغٍ فصيح وبحسب ما تقتضيه حاجة الناس. لا بدّ من معرفة مواطن الفراغ والحاجات، والوقوف على ما يلبّي تلك الحاجة ومعرفة ما يسدّ حاجة المستمع وجوعه من دواء فكريّ، وطعام وغذاء فكريّ، وبيان ذلك بالتي هي أحسن. هذا هو الأمر الضروريّ باعتقادي في قضية إمامة الجمعة. وعلى أيّ حال، فإننا نثمّن صلاة الجمعة ونعرف قدرها، ونشكر الله تعالى حقّاً عليها.


(*) كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقائه أئمة الجمعة في مختلف أنحاء البلاد 04/01/2016م.
1- الكافي، الكليني، ج1، ص 32.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع