مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

في رحاب بقية اللَّه: هل تترك الأمة بدون قائد؟


السيد علي عاشور


"الغيبة الكبرى" بداية النهاية، بداية عصر الظهور المبارك والذي هو آخر العصور، ونهاية آخر الزمان الذي هو آخر الأزمنة. وهو اسم له وقع في النفوس الشريفة والقلوب الوالهة، بين حزنٍ وفرح؛ الحزن على فقدان الإمام المهدي عجل الله فرجه ظاهراً، والفرح للقائه عند انتهاء غيبته التي لا بد منها. وبين البداية والنهاية والحزن والفرح أجر الانتظار بالتمهيد للخروج المبارك.

وبداية الغيبة الكبرى جاءت بعد غيبة صغرى، استمرت حوالي السبعين عاماً. حتى اختار اللَّه تعالى لوليه المفدى الغيبة الكبرى والانقطاع الظاهري عن الأمة، وذلك بعد وفاة السفير الرابع، فأعلن الإمام عجل الله فرجه انقطاع المشاهدة والرجوع إلى الفقهاء في أمور الدين والدنيا فقال عجل الله فرجه: "أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة اللَّه"(1). والحوادث الواقعة هي كل أمر يحدث في المجتمع يجب على الإسلام التدخل فيه وحلّ المشكل منه، خاصة أن التوقيع الشريف صدر عن الحضرة المهدوية ليعمل به في طيلة الغيبة الكبرى، مع علم الإمام المنتظر عجل اله فرجه بما ستحتاج إليه الأمة، خاصة الأمور السياسية والاقتصادية المتفاقمة في هذه الأزمنة.

ورواة الحديث هم الفقهاء والقادرون على حلّ مشكلات الحوادث الواقعة، وإعطاء رأي الإسلام فيها. وقوله عجل الله فرجه: "فإنهم حجتي عليكم" وفي لفظ: "فإنهم خليفتي عليكم"(2) يشير إلى إلزام الناس بالرجوع إلى الفقهاء وأنه بمثابة الرجوع إليه عجل اله فرجه، فهم الحجة كما كان هو الحجة صلوات اللَّه عليه وآله. ومن يرفض حجة الإمام فقد رفض حجة اللَّه كما قال صادق أهل البيت عليهم السلام: "فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنما استخف بحكم اللَّه وعلينا ردّ والرادّ علينا الراد على اللَّه وهو على حد الشرك باللَّه"(3).

وهذا الإرجاع إلى الفقهاء الهداة من قبل صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه ليس خارجاً عن الفطرة ولا يأباه العقل السليم ولا غريباً بين الأمم والرسالات، فإن الفطرة قاضية باحتياج الناس إلى مرشد يقوّم اعوجاجها، ويزيل الفساد ويمنع الهرج والمرج. والعقل أيضاً نجده يأمر صاحبه باتباع أهل الخبرة عن كل فنٍ. ففي كل الشؤون التي لا يستطيع الفرد أن يقوم بها في المجتمع منفرداً لا بد من نصب ولي أو حاكم أو رئيس حاذق عالم بهذه الشؤون ليقدر على تقويم المجتمعات ووضع القانون المناسب لحل المشاكل وتنظيم المجتمع. وحكم العقل هذا وقضاء الفطرة لا يفرق فيه بين زمانٍ وزمان ولا مجتمع ومجتمع، ولا بين نبي وإمام وفقيه، لأن العلة واحدة وهي نظام الإسلام وتنظيم أمور المسلمين:

قال تعالى: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ(الرعد: 7). وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "اسمعوا وأطيعوا لمن ولاه اللَّه الأمر فإنه نظام الإسلام"(4). وقال أمير المؤمنين عليه السلام: "الإمامة نظام الأمة"(5). وقالت فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله: "فرض اللَّه الإيمان تطهيراً من الشرك.. والطاعة نظاماً للملة والإمامة لماً من الفرقة والجهاد عزاً للإسلام"(6). وقال إمامنا الرضا عليه السلام في شرح وتفصيل ذلك: "... ومنها أنا لا نجد فرقة من الفرق ولا ملة من الملل بقوا وعاشوا إلا بقيم ورئيس، لما لا بدّ لهم منه في أمر الدين، فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق مما يعلم أنه لا بدّ لهم منه ولا قوام لهم إلا به، فيقاتلون به عدوهم ويقسمون به فيئهم ويقيمون به جمعتهم وجماعتهم، ويمنع ظالمهم من مظلومهم"(7). فالهدف من إرسال الأنبياء والرسل والأئمة عليهم السلام هو هداية البشرية وإخراجها من الظلمات إلى النور، ظلمات الفساد والقتل والسرقة والحرمان والظلم... فهل تحقق هذا الهدف في الغيبة الكبرى لنقول أية حاجة للفقهاء الهداة؟! وإخراج الناس من ذلّ المعصية إلى عزّ الطاعة لا يحتاج إلى العصمة ليعترض بالفرق بين الإمام والفقيه، إذ كما يجب على المعصوم إزالة الفساد وتنظيم الأمور وحدّ السارق بالدليل الشرعي الظاهري وبثبوت البينة الشرعية، كذلك يجب على الفقيه ذلك وبنفس المرتبة، ولا يجوز لكليهما التقصير في ذلك ولا التهاون أعز اللَّه الفقهاء ونزههم عن ذلك، وصلوات اللَّه على الأئمة الطاهرين المعصومين المنزهين عن كل شي‏ء.

ومن هنا كانت ولاية الفقيه في عصر الغيبة الكبرى، كان الفقيه الصائن لنفسه الحافظ لدينه المخالف لهواه المطيع لأمر مولاه العالم بأمور الزمان والمكان، مُقَلَّداً قاضياً حاكماً، ترجع الأمة كل الأمة إليه وفي مختلف المجالات والشؤون، كما كانوا يرجعون للأنبياء والرسل والأئمة من أجل إخراجهم من ذلّ المعصية إلى عزّ الطاعة، وتنظيم أمورهم ومعاشهم.


(1) وسائل الشيعة، 18 101، ح‏5، باب 11.
(2) جواهر الكلام: 21 395.
(3) أصول الكافي، 1 67، ح‏10.
(4) أمالي المفيد: 14، مجلس 2، ح‏2.
(5) دستور معالم الحكم: 170.
(6) من لا يحضره الفقيه: 3 568، ح‏4940.
(7) عيون أخبار الرضا عليه السلام: 2 101.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع