صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

التعصب وظاهرة العنصرية Praejudicium and Racialism مظاهر حتمية للحضارة


موسى حسين صفوان‏


لو أن العلوم المعاصرة، النظرية أو التطبيقية، توضع في إطارها العملي وتراعى فيها المصلحة الإنسانية، لكان الإنسان وفّر على نفسه الكثير من الأزمات التي تكاد تعصف بالحضارة البشرية. فالعلماء سواء كانوا من دارسي التكنولوجيا أو الهندسة أو الإنسانيات من "سيكولوجيين وسوسيولوجيين"، يمكن القول، حددوا تفاصيل ودقائق العلوم بشكل يتيح المجال للإنسان أن يعرف وجه الصحة، وموارد الفائدة والمصلحة، ويتجنب ويحاذر أماكن الخطر في مختلف نشاطات الحياة. ولكن أرباب العلوم ليسوا هم الذين يحكمون العالم، فالمتتبع لأحداث التاريخ القديم والمعاصر، يجد أن النزعات البشرية، والعصبيات الفردية، والقبلية، هي التي تهيمن على حركة العمران الإنساني، وبذلك تصبح الحضارات، على الأغلب، خاضعة لأهواء الأفراد وعصبيات الجماعات الطارئة على ساحة الأحداث.

والحقيقة فإن دراسة ظاهرة التعصب هذه، والعنصرية عند الأفراد والجماعات تحتاج إلى موسوعات، ولكننا نجملها في عناوين رئيسة، لنظهر كيف أن هذه الظاهرة ما هي إلا نتيجة حتمية لمناهج الحضارة المادية الحديثة... فالتعصب Praejudicium، والعنصرية Racialism عنوانان لمفهوم واحد يتناول الفرد والجماعة، وهو أن يدعو الرجل لنصرة عصبته والتألب معهم على سواهم لمجرد مسألة الانتماء العرقي، أو الفئوي أو المذهبي أو الطائفي أو أي موضوع يصلح ليكون عنواناً للانتماء... وواضح أن هذا التعصب لا يعير انتباهاً لمسألة الحق، لأن المقاييس تنعدم عنده، فإذا كان المقياس عند الإنسان الاجتماعي هو الحق والعدالة، ضمن إطار مفاهيم محددة، ومتفق عليها للحق والعدالة، وإذا كان المقياس عند المؤمنين ... الرسالة المرتبطة بالمصدر الغيبي الذي يلتقي مع المصادر الغيبية الأخرى في أطر عامة ومفاهيم مشتركة تصلح لتكون قاعدة أساسية لبناء مفهوم للعدل، وبالتالي تحديد مستوى الخصومة والولاء على أساسه...

فإن المقياس عند أصحاب العصبية في الخصومة والولاء هو مجرد الانتماء لفئة ما وعدم الانتماء لغيرها، بغض النظر عن كل مقاييس الحق والعدل والإنسانية، لأنها تعتبر خارجة عن دائرة اهتمامه كفرد أو كمؤسسة. والملاحظ أن العالم اليوم يتحرك أفراده من وحي الأحكام المسبقة Prejudgment، ومن خلال القيم الشخصية personal values التي تكونت من خلال مزيج من تأثيرات الإعلام، وإيحاءات العرق، والمناطقية، والطبقية، والقائمة كلها على ركيزة غير مستقرة من عدم الثقة والخوف من الآخر، والتي تطبع وحوش الغابة عادة، فالإنسان ليس أخا الإنسان، بل عدوه، ينافسه على موارد الطبيعة، وليس شريكاً له يعاونه على تطوير الحياة وعلاج أزماتها وحل مشاكلها... ومن هنا، وقبل أن يجري بنا القلم إلى الإسهاب، نجد في هذا العصر ظواهر يمكن القول أنها ظواهر جاهلية، وحشية، متساوقة مع المذاهب المادية والأنماط السياسية التي تحكم العالم، ومن هذه الظواهر:

1 - التمركز العرقي،
Ethnocentrism، وهي ظاهرة كان الإسلام قد تجاوزها منذ خمسة عشر قرناً، ولكن العالم للأسف يعود القهقري، وتجري في العالم صراعات دامية تحت عنوان التطهير العرقي، ترعاها أحياناً الأمم الكبيرة في حدود مصالحها هي الأخرى!!!

2 - الأقليات
Outgroups، والغريب هنا أن الأقليات العرقية باتت تشكل أحجار ترجيح تستفيد منها الفئات الكبيرة تارة، وتنتقم منها تارة أخرى.

3 - المنبوذون
Aparted، وهو أيضاً أكثر غرابة، أنه لا يزال هناك فئات منبوذة لمجرد انتمائها العرقي، رغم كل العناصر الإنسانية التي يمكن أن تكون متوفرة فيها.

ولا زالت معظم بلدان العالم تميز بين الجنسين على أسس غير واقعية، مما يحيف بأحد هذين الجنسين فالتمييز بين الجنسين Discrimination، لم يخضع في البلدان الفقيرة إلى الأسس الدينية القائمة على أساس الأحكام الإلهية. وادعاء التساوي بين الجنسين في الدول (المتقدمة) أيضاً على غير أسس واقعية، يحيف بالمرأة ذات الطبيعة العاطفية فيجعلها لاهثة وراء رغبات الرجل من محفل إلى محفل ومن نادٍ إلى آخر، والإحصاءات تشير إلى أرقام بالغة الخطورة على مستوى الظلم اللاحق بالمرأة في العالم الغربي... وهناك فئات عنصرية مثل اليهود والتي بنت من عقيدتها العنصرية بطبعها، قوالب نمطية Stereotype، واتخذت لنفسها عنواناً بارزاً يحكمه التعصب السلبي Negative prejaedicum، ويغيب عنه التسامح والتعايش Tolerance وقد أظهرت الدراسات السيكولوجية والاجتماعية حقائق مذهلة عن الشخصية اليهودية التي تعاني أصلاً من عقدة الدونية بحيث تتحول هذه المجموعة من العقد لديها إلى دوافع سلبية تحولها إلى أمّة مفسدة إلى أبعد الحدود... وللأسف فإن العالم الغربي المهيمن، يجد في هذه الفئة خير مساعد على تنفيذ برامج خرائطه الجيوبوليتيكية للمنطقة من أجل الاجهاز على ما تبقى من خيرات وثروات طبيعية، ومن أجل قمع مارد العالم الثالث الذي يمكن أن يغير وجه العالم لو خرج من قمقمه.

والخلاصة أنه من العسير والمبالغ به أن توجه النصيحة للعالم الذي بات لا يسمع، ولا يبصر... فلنوجه على الأقل إلى أنفسنا كلمة يمكن أن تكون نافعة، وهي أن العالم الخالي من القيم لا يمكنه بهذا الفراغ أن يحدث انتصاراً على أمّة ذات حضارة عريقة ومتجذرة في التاريخ ما لم تخلع هذه الأمّة قيمها، وأنماطها ومبادئها وتلبس هي بدورها صرعات الغرب التائه فتتيه معه في لجَّة الفناء.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع