الشيخ علي حجازي
أوجب علماؤنا القَصْر على المسافر إذا توفّرت شروط
ثمانية. وقد اعتمدوا على روايات صحيحة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام، ومنها:
صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم، إذ سألا الإمام الباقر عليه السلام فقالا له: ما تقول
في الصلاة في السفر؟ كيف هي؟ وكم هي؟ قال عليه السلام: "إنّ اللّه سبحانه يقول:
﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ
عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ﴾ (النساء: 101)، فالتقصير واجب في السفر كوجوب التمام في
الحضر". قالا: قلنا: إنّه قال: ?فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ
الصَّلاَةِ?، ولم يقل قصِّروا، فكيف أوجب ذلك كما أوجب التمام؟ قال عليه السلام:
"أَوَليس قال تعالى في الصفا والمروة:
﴿فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ
فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾
(البقرة: 158)؟ ألا ترى أنّ الطواف واجب
مفترض؛ لأنّ اللّه تعالى ذكره في كتابه، وصنعه نبيّه، وكذا التقصير في السفر شيء
صنعه رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، وذكره اللّه في الكتاب". قالا: قلنا: فمن
صلّى في السفر أربعاً أيعيد أم لا؟ قال: "إن قُرئت عليه آية التقصير وفُسّرت له
فصلّى أربعاً أعاد، وإن لم يكنْ قُرئت عليه، ولم يعلمْها فلا إعادة عليه"(1).
وفي هذا المقال سنعرض جملةً من أحكام صلاة المسافر، الذي ارتبط سفره بعمله، فكان
سفره "شغليّاً":
* مَنْ عمله السفر أو في السفر
يشترط لقَصْر الصلاة في السفر أن لا يكون السفر عمله ولا مقدّمةً لعمله.
أمّا مَنْ عمله السفر كالسائق، والتاجر الذي يدور في تجارته، والملّاح ونحوهم،
ومَنْ عمله في السفر كالموظّف وصاحب المهنة ونحوهما، فيشترط في ترتّب حكم التمام
على سفره ثلاثة أمور، وعناوينها:
أ- أن يكون له عمل يصدق عليه أنّه عمل عرفاً.
ب- أن يسافر إلى عمله تكراراً.
ج- أن لا يفصل بين أسفاره الشُغليّة بالبقاء عشرة أيّام في مكان واحد.
* صدق العمل عرفاً
1 - يشترط في ترتّب حكم التمام أن يكون لديه عمل، ويشترط في صدق العمل وتحقّقه أن
يصدق عليه أنّه شغل لشاغله عرفاً، فما يصدُق عليه عرفاً أنّه عمل فالسفر إليه "سفرٌ
شغليّ"، وإنْ لم يصدق عليه أنّه عمل عرفاً، فلا يكون السفر إليه "سفراً شغليّاً".
فلو طلب المسؤول الأعلى من الموظّف السفر لأجل أن يأتي له بغرض خاصّ لا يكون داخلاً
في عمله، ولا يكون السفر إليه "سفراً شغليّاً"، فلا يتمّ الصلاة هناك، بل يجب عليه
التقصير.
2 - لو سافر المكلّف إلى مكان عمله ولكن ليس للعمل، بل لأغراض شخصيّة، فلا يترتّب
عليه حكم السفر الشغليّ، بل يجب عليه القَصْر؛ لأنّه سافر إلى غير شغله.
3 - طلب العلم يثبت فيه الاحتياط الوجوبيّ بالجمع بين القصر والتمام، أو الرجوع إلى
مرجع آخر مع مراعاة الأعلم فالأعلم، على الأحوط وجوباً.
4 - المبلّغ الذي يتّخذ التبليغ والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عملاً
له، وكان ذلك بنظر العرف عملاً وشُغلاً له، فإنّه يترتّب على السفر إليه حكم السفر
الشغليّ.
* تكرار السفر
1 - إذا كان يسافر سفراً شغليّاً مرّة على الأقلّ في الشهر، فإنّه يقصِّر صلاته في
السفرين الشُغليّين الأوّل والثاني، ويتمّها في السفر الشغليّ الثالث.
2 - إذا تحقّق منه تكرار السفر عرفاً في المدّة المذكورة، وتلبّس بحكم التمام، ثمّ
عرض له مانعٌ من السفر لعدّة أشهر، أو أعرض عن العمل لعدّة أشهر، فعاد واتّخذه
عملاً، وشرع في السفر إليه، فهنا حالتان:
أ- إذا فصل بين هذا السفر الجديد وبين سابقه بالبقاء عشرة أيّام في مكان واحد،
فإنّه يقصِّر صلاته في سفره الأوّل، ويتمّها في سفره الشغليّ الثاني.
ب- إن لم يفصل بينهما بالبقاء عشرة أيّام في مكان واحد فإنّه يتمّ صلاته في السفر
الشغليّ الأوّل. (يأتي بعض التفصيل لاحقاً).
3 - يشترط في صدق تكرار السفر للعمل أن يكون السفر ذا مسافة شرعيّة(2)، فلو سافر
سفراً شغليّاً لكن دون المسافة لا يُحسب هذا السفر سفراً شغليّاً، ولا يترتّب عليه
أيّ أثر من هذه الجهة.
4 - يشترط في الأسفار الشُغليّة الثلاثة الأولى أن لا يفصل بينها بالبقاء عشرة
أيّام في مكان واحد، وإلّا فلا يتحقّق تكرار السفر.
1- من لا يحضره الفقيه، الصدوق، باب الصلاة في السفر، ح1265.
2- أن يقطع المسافر (45 كلم) خارج حدود بلدته، أقلّها (22.5 كلم) ذهاباً ومثلها
إياباً.