مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

نور روح الله: الاستغفار باب التوبة


من الأمور الهامّة التي لا بدّ للتائب أن يَقدم عليها، اللجوء إلى مقام غفّاريّة اللّه تعالى وتحصيل حالة الاستغفار، والطلب من الحقّ جلّ جلاله ومن مقام غفّاريّة ذاته المقدّس بلسان مقاله وحاله وفي السرّ والعلن وفي الخلوات. الطلب منه بكلّ مذلّة ومسكنة وتضرّع وبكاء أن يستر عليه ذنوبه ومضاعفاته. نعم، إنّ مقام الغفّاريّة والستّاريّة للذات المقدّس يستدعي ستر العيوب وغفران تبعات الذنوب، لأنّ الصور الملكوتيّة للأعمال بمثابة وليد الإنسان(1)، بل ألصق من ذلك، وإنّ حقيقة التوبة وكلمات الاستغفار، بمثابة نفي الولد.

* يُنسي مَلَكيْه
إنّ الحقّ تبارك وتعالى، بسبب غفّاريّته وستّاريّته، يقطع الصلة بين وليد الإنسان (الصور الملكوتيّة للأعمال المحرمة [التي تشكّلت في عالم الملكوت])، والإنسان، بواسطة الاستغفار. ويحجب عن تلك المعصية كلّ الكائنات التي اطّلعت على أحوال الإنسان من الملائكة، وكتّاب صحائف الجرائم، والزمان والمكان وأعضاء نفس الإنسان وجوارحه، وينسيهم جميعاً تلك المعصية، كما أشير إليه في الحديث الشريف حيث يقول: "يُنسي مَلكَيه ما كتبا عليه من الذنوب". ومن المحتمل أن يكون المقصود من وحيه تعالى للأعضاء، والجوارح، وبقاع الأرض، بكتمان المعاصي الوارد في الحديث الشريف هو إنساء المعاصي. كما يحتمل أن يكون المقصود من وحيه، الأمر بعدم الإدلاء بالشهادة. ويمكن أن يكون المقصود رفع الآثار التي تركتها المعاصي على الأعضاء والتي بها تتمّ الشهادة التكوينيّة.

كما إنّه لو لم يتُب لأمكن أن يشهد كلّ عضو بلسان مقاله أو حاله على أفعاله الأثيمة.

وعلى أيّ حال، كما إنّ مقام الغفّاريّة والستّاريّة اقتضى الآن، ونحن في هذا العالم، أنْ لا تشهد أعضاؤنا وجوارحنا ضدّنا وأن يستر الزمان والمكان أفعالنا المشينة، كذلك يقتضي سَتر أعمالنا في العوالم الأخرى عندما نتوب توبة صحيحة ونستغفر استغفاراً خالصاً ونرحل من هذا العالم، أو أنّ الناس يحجبون عن أعمالنا. ولعلّ مقتضى كرامة الحقّ جلّ جلاله هو الثاني حتى لا يكون الإنسان التائب مطَأطئاً رأسه ومفضوحاً أمام الآخرين، والله العالم.

* في تفسير التوبة النصوح
اعلم أن هناك تفسيرات مختلفة في بيان المقصود من التوبة النصوح. ومن المناسب أن نذكرها هنا بصورة مجملة. ونحن نكتفي بنقل كلام المحقّق الجليل الشيخ البهائي (قدَّس اللّه نفسه). حيث نقل المحدّث الخبير المجلسي رحمه الله (2) عنه أنه قال:

ثم اعلم أنّ المفسّرين اختلفوا في تفسير التوبة النصوح على أقوال، منها:
1- إنّ المراد توبة تنصح الناس؛ أي تدعوهم إلى أن يأتوا بمثلها لظهور آثارها الجميلة في صاحبها أو ينصح صاحبها، فيقلع عن الذنوب ثمّ لا يعود إليها أبداً.

2- إنّ النصوح ما كانت خالصةً لوجه اللّه سبحانه، من قولهم: عسلٌ نصوح إذا كان خالصاً من الشمع، بأن يندم على الذنوب لقبحها، وكونها خلاف رضى اللّه تعالى لا لخوف النار مثلاً.
وحكم المحقّق الطوسي في التجريد بأنّ الندم من الذنوب للخوف من النار، ليس بتوبة.

3- إنّ النصوح من النصاحة وهي الخياطة، لأنّها تنصح من الدين ما مزّقته الذنوب أو تجمع بين التائب وبين أوليائه وأحبائه كما تجمع الخياطة بين قطع الثوب.

4- إنّ النصوح وصف للتائب، وإسناده إلى التوبة من قبيل الإسناد المجازيّ؛ أي توبة تنصحون بها أنفسكم بأن تأتوا بها على أكمل ما ينبغي أن تكون عليه حتى تكون قالعة لآثار الذنوب من القلوب بالكلية. ويكون ذلك بذوب النفوس بالحسرات ومحو ظلمات القبائح بنور الأعمال الحسنة.

* جميع الموجودات ذات علم وحياة
اعلم أنّ للتوبة حقائق ولطائف وأسراراً، ولكلّ واحد من أهل السلوك إلى اللّه توبة خاصّة تتناسب مع مقامه. وحيث إنّ لا حظّ ولا نصيب لنا في تلك المقامات، فلا يناسب شرحها والإسهاب فيها في هذا المقال. والأفضل أن ننهي الحديث بذكر فائدة دقيقة تُستكشف من الحديث الشريف، وتلك الفائدة هي أنّ لكلّ واحد من الموجودات علماً وحياة ومعرفة، بل إنّ جميع الموجودات تحظى بالمعرفة لمقام الحقّ المقدّس جلّ وعلا. فإنّ الوحي إلى الأعضاء والجوارح وبقاع الأرض بالكتمان، وإطاعتها للأمر الإلهيّ، وتسبيح الموجودات بأسرها الذي نصّ عليه القرآن الكريم(3) وأوردته الأحاديث الشريفة كثيراً، كلّ ذلك دليل على علم وشعور وحياة الموجودات، بل دليل على أنّ الارتباط الخاصّ بين الخالق والمخلوق، لا يطّلع عليه أحد إلّا ذاته المقدّس جلّ وعلا ومن ارتضى من عباده.

وهذه الفائدة الدقيقة هي إحدى المعارف التي ألمَحَ إليها القرآن الكريم وأحاديث الأئمّة المعصومين عليهم السلام، وتتطابق مع برهان الفلاسفة الإشراقيين وذوق أهل العرفان، ومشاهدات أصحاب السلوك والرياضة الروحانيّة.


1- يقصد الإمام أنّ صوَر الأعمال في عالم الملكوت تنشأ وتتولّد كنتيجة لأعمال الإنسان في عالم الملك.
2- بحار الأنوار، المجلسي، ج16، ص17.
3-
﴿يُسَبِّحُ لِله مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيم (الجمعة: 1).


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع