آية الله ناصر مكارم الشيرازي
1- اتخاذ القرار
بيّن سماحة آية الله الشيرازي أن ملاحظة الشروط العلمية والأخلاقية التي ينبغي توفرها في المدير المناسب لا بد أن يسبقها معرفة الوظائف والتكاليف الملقاة على عاتقه. ولهذا فقد بدأ بالحديث عن الوظائف العشر وأولها اتخاذ القرار. ولهذه الوظيفة شروط مهمة منها المشورة.
* المشورة
هل هي وظيفة أخلاقية أم إلزامية؟
من المسائل المهمة التي تطرح على صعيد الشورى: هل أن هذا الأمر هو أمر أخلاقي محض بحيث أن تركه لا محذور فيه ولو أقدم على المشورة وخالف النتيجة فلن يكون ذلك إلا تركاً للأولى ومخالفةً لحكم أخلاقي، أم أنه بالفعل أمر إلزامي ومخالفته تعد ذنباً؟!.
للإجابة على هذا التساؤل ينبغي الالتفات إلى هذه النقطة وهي أن للمشورة ثلاثة موارد:
1- قد تكون القضية مرتبطة بالحياة الخاصة للإنسان بحيث أن صلاحها أو خرابها لا يحمل آثاراً مهمة.
2- وأحياناً قد تكون متعلقة بالمسائل الاجتماعية والمناصب الحساسة. ولكن القضية تكون واضحة ومشخصة في معالمها وبرنامجها ومحددة للمدير أو القائد.
3- تكون حساسة ومعقدة ومؤثرة في مصير الناس أو على الأقل في مصير مجموعة ما.
في الحالة الأولى والثانية يمكن أن تكون المشورة مع قبول النتيجة غير إلزامية وتعود إلى الجانب الأخلاقي البحت، أما- وبدون شك- فإنها في الحالة الثالثة، إلزامية من حيث الأصل (حيث يمكن القيام بها) وأيضاً من حيث الالتزام بنتيجتها، لأن على المدراء والقادة الذين هم أمناء الله أداء تكليفهم وعدم القيام بالمشورة في مثل هذه القضايا يعد نوعاً من الخيانة بمصالح المسلمين.
وبتعبير آخر فإن على هؤلاء الأمناء أن يلحظوا "غبطة المسلمين" كما في المصطلح الفقهي (أي ما هو أصلح لهم) مع وجود الصالح ولا شك فإن القيام بالمشورة ينسجم أكثر مع أصل "رعاية الغبطة".
وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين عليّ عليه السلام في وصية له لأحد قادته: "وإنّ عملك ليس لك بطعمة ولكنه في عنقك أمانة...".
ويقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذر: "إنها أمانة وإنها يوم القيامة خزيٌ وندامة إلا من أخذها بحقها وأدّى الذي عليه فيها".
وسوف يأتي المورد الرابع حيث لا يكون للمدير أو القائد تخصص في الموضوع، وهنا لا يود حل سوى الاستفادة من رأي المتخصصين في ذلك، وبالطبع ينبغي الاستفادة من الخبراء الملتزمين لأنه في غير هذه الصورة الأمر يعد حراماً وخيانة للمسلمين.
لهذا قد يحتاج المدير إلى عدة مجموعات للمشورة في الأمور المختلفة حتى يعمل بشكل صحيح، وقد يعد عدم تشكيل مثل هذه الشورى أو عدم الالتفات إلى نتائجها خيانة.
يقول مولى المتقين عليه السلام: "فإن معصية الناصح الشفيق، العالم المجرب تورث الحيرة وتعقب الندامة".
يقال أن المسلمين حينما حاصروا مدينة "الطائف" بقوا 20 يوماً وراء حصنه المنيع، ولم يقدروا على فتحه، فشاور الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أصحبه، وقد تقدم "سلمان الفارسي" في هذه المعركة بخطة أخرى أعجبت النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
قال: يجب أن نستخدم المنجنيق لأجل تحطيم الحصن وإزالته وقام بعدها بصنع المنجنيق بنفسه وتم فتح القلعة بسهولة.
يكتب "زيني الدحلان" في يرته: طال حصار الطائف 18 يوماً حتى تم نصب المنجني وكان هذا هو المنجنيق الأول الذي استفيد منه في الإسلام وقد تقدم به سلمان الفارسي.
* نقائص الشورى وسلبياتها
قد يؤدي الاعتماد على الشورى أحياناً إلى خفض سرعة العمل وإضعاف الحزم والقاطعية، ويمكن أن يؤدي ذلك أيضاً إلى إضاعة الفرص وحلول الخسائر وبالفعل فلهذه الأسباب هناك بعض المدراء والقادة لا يعجبهم هذا الأصل (الشورى). ولكننا إذا قمنا بمقارنة هذه الخسائر والسلبيات مع سلبيات ترك الشورى والاستبداد بالرأي، لوجدنا أنها أقل كثيراً، وأن الاعتماد على الرأي الفردي أخطر بكثير.
فالمطلوب أن نسعى لإحياء وتطوير "روح المشورة" جنباً إلى جنب مع "السرعة والقاطعية" في المجتمع حتى نقلل من تلك الخسائر والسلبيات.
* اتخاذ القرار في الروايات الإسلامية
نجد في الأحاديث المتعددة التي رويت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المصادر الإسلامية المعروفة انعكاس "العلم" على قضية "اتخاذ القرار" وحديث: "إنما الأعمال بالنيات" أو حديث "لا عمل إلا بنية" من الأحاديث المعروفة جداً في هذا المجال.
ولكن في الروايات الإسلامية، نجد التركيز كثيراً على قضية الإخلاص والطهارة في النية، فعلى المدير المسلم قبل أي شيء أن ينظر إلى هذا المطلب ويعلم أن أي نوع من خبث النية يبعد عن المقصد وعليه أن يخلص في عمله.
المشورة لا تكون إلزامية عندما تتعلق القضية بمصلحة المسلمين فقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لكل امرئ ما نوى، فمن غزا ابتغاء ما عند الله فقد وقع أجره على الله عزَّ وجلَّ، ومن غزا يريد عرض الدنيا أو نوى عقالاً لم يكن له إلا ما نوى".
الإسلام يؤكد على مسألة خلوص النية بشكل عجيب وسنقوم بالحديث عن هذه النقطة في البحث المقبل تحت عنوان "الدوافع" ويكفينا الآن أن نقول أن الإسلام يؤكد على الارتباط المباشر ما بين الفلاح والإخلاص في التوجه.
* آفات اتخاذ القرار
على المدير أن يتجنب كل أمر يضع "اتخاذ القرار" في المخاطر مثل:
1- التردد والحيرة.
2- الاحتياط الزائد عن حده.
3- الوسوسة في التعاطي مع المسائل المختلفة.
4- التسويف.
5- الخوف من المسائل أو الحوادث الكبرى والإحساس بالحقارة في مقابلها.
6- الاضطراب والتزلزل أمام الحوادث المفاجئة.
وباختصار، فإن ما يحمل في طياته "عدم الاعتماد على النفس" يعد من أهم موانع اتخاذ القرار. فأحياناً يمنع الخوف من تحقق النصر والنجاح.
وعدم وضوح عاقبة العمل يمنع القائد أو المدير من اتخاذ القرار القاطع، على المدراء أن يلتفتوا إلى هذا الأصل وهو أننا لا نملك أي يقين بالنجاح لذلك المستقبل والحوادث الآتية. فانتظار مثل هذا الأمر غير صحيح ويمنع من تحقق المساعي المؤثرة والمفيدة.
وما هو ضروري للمدراء والقادة هو أن يمزجوا ما بين الاحتياط و"الشجاعة" و"الدق" و"الجرأة" فيضعوا المسائل القابلة للتوقع في موقع الدقة والاحتياط، ويودعوا القضايا الفجائية للشجاعة والجرأة. ويعملوا بما قاله لهم إمامهم الباقر عليه السلام: "صلاح جميع المعايش والتعاشر ملؤه مكيال: ثلثاه فطنة وثلثه التغافل".
ولكن لا ينبغي أن ننسى أن الفطنة هي العمدة في بناء البرامج والتخطيط وإن كان للتغافل دور مهم أيضاً.
الخلاصة:
1- هناك ثلاثة موارد للشورى.
2- عندما يكون المورد متعلقاً بمصلحة المسلمين تكون المشورة إلزامية.
3- الاعتماد الزائد عن الحد على المشورة له سلبيات.
4- لذلك لا بد من مواكبة المشورة بالحزم والقاطعية وانتهاز الفرص.