آية الله ناصر مكارم الشيرازي
قبل أن نلاحظ الشروط العلمية والأخلاقية التي ينبغي توفرها في المدير المناسب، لا بد أن نتعرف على أبعاد وظيفته. فالشروط تدور دائماً مدار الوظائف والتكاليف وهي لا يمكن أن تعيّن بدون معرفة أبعاد هذه الوظيفة.
بشكل عام يمكن تحديد عشر وظائف أساسية للمدير هي:
1- اتخاذ القرار.
2- التخطيط.
3- التشكيلات.
4- التنسيق والمراقبة.
5- إيجاد الدافع والابتكار.
6- الاختيار والمتابعة.
7- دراسة وتقييم عوامل النجاح والفشل.
8- جمع المعلومات والإحصاءات اللازمة.
9- اكتشاف واستقطاب الطاقات الصالحة.
10- الثواب والعقاب (والتشجيع).
1- اتخاذ القرار
يجب على المدير عند قيامه بالتكاليف المعهودة إليه أن يبادر قبل أي شيء إلى اتخاذ القرار اللازم والمناسب. ولتحصيل هذا الأمر عليه أن يستفيد من:
أ- سعة الإطلاع والاستفادة من التجارب السابقة:
على المدير أن يعيد مجدّداً دراسة كل ما حصّله من الناحية العلمية بدقة كذلك ما حصل عليه من تجارب في مناصب سابقة بحيث يلتفت إلى موارد الفشل حتى لا يكررها، فقد جاء في حديث مشهور: "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين".
وهناك نقطة من المناسب الإلفات إليها وهي أن العلوم الكلاسيكية في مجال الإدارة مهما بلغ عمقها وشموليتها إنها لن تحل محل التجارب أبداً، بل أن قيمتها تختبر على محك التجربة.
فاليوم يكتسب مجاهدونا الشجعان بمواجهتهم الباطل على جبهات الحق تجارب عملية تجعلهم يتفوقون على الكثير من الضباط والقادة الكلاسيكيين، وهذا الأمر لا يختص فقط بالحرب بل يشمل كل المجالات.
قال أمير المؤمنين عليه السلام: "وفي التجارب علم مستأنف" (أي علم جديد وإضافي).
يكتسب مجاهدونا الشجعان بمواجهتهم الباطل على جبهات الحق تجارب عملية تجعلهم يتفوقون على الكثير من الضباط والقادة الكلاسيكيين.
ب- الاستفادة قدر الإمكان من المشورة:
لعل أجمل تعبير في هذا المجال ما ورد في كلام مولى المتّقين عليه السلام حيث يقول: "لا ظهير كالمشاورة". فبالمشاورة تصبح كل أفكار وآراء وتجارب الآخرين في خدمة المشاور.
وإضافة إلى الأمر الإلهي الصريح في القرآن في سورتي "آل عمران" و"الشورى" في هذا المجال حيث وعى الجميع للشورى، نجد حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة الهدى عليه السلام تظهر أنهم، ورغم حصولهم على العلم اللدني ودراستهم في مدرسة "وعلّمك ما لم تكن تعلم" وارتباطهم بالنبع الفيّاض للوحي، لم يقوموا بأي عمل معهم بدون مشاورة أصحابهم وأتباعهم، وحتى أنهم أحياناً كانوا يدعون رأيهم جانباً إذا ما جاءت نتيجة الشورى مخالفة ويعملون بها حتى يكونوا قدوة وأسوة في كل زمان.
جاء في قصة معركة "أحد" أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يرى أن لا يخرج المسلمون من المدينة ولكن أكثر أصحابه أشاروا بالخروج والتمركز إلى جانب جبل أحد. وبالرغم من أن النتائج دلت أن هذا الرأي لم يكن صحيحاً إلا أنه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تقبّل هذه الخسائر الجسيمة من أجل تثبيت أساس الشورى بين المسلمين. وقد صرح الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نفسه بهذا المطلب حين قال: "أما أن الله ورسوله لغنيّان عنها، ولكن الله جعلها رحمة لأمتي، فمن استشار منهم لم يقدم إلاَّ رشداً، ومن تركها لم يقدم إلاّ غيّاً".
فهذا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو غني عن المشاورة يلتزم بها، وحقيق على أتباعه أن يلتزموا بها أيضاً.
مع هذه الأهمية البالغة للمشورة يفترض الإلتفات إلى شرائطها فلا ينبغي مثلاً انتخاب أي شخص كمستشار في الأعمال المهمة والخطرة، لأن من نتيجة ذلك أن تنقلب الفائدة ويضل الإنسان عن الصواب. يقول الإمام الصادق عليه السلام في هذا المجال:
"إن المشورة لا تكون إلاّ بحدودها، فمن عرفها بحدودها وإلاَّ كانت مضرّتها على المستشير أكثر من منفعتها له:
فأولها: أن يكون المشاور عاقلاً.
والثانية: أن يكون حراً متدّيناً.
والثالثة: أن يكون صديقاً مؤاخياً.
والرابعة: أن تطلعه على سرّك فيكون عليمه به كعلمك بنفسك ثم يستر ذلك ويكتمه.
فإنه إذا كان عاقلاً انتفعت بمشورته، وإذا كان حرًّاً متديَّناً جهد نفسه في النصيحة لك، وإذا كان صديقاً مؤاخياً كتم سرّك إذا اطلعته عليه، وإذا أطلعته على سرّك فكان علمه به كعلمك به تمت المشورة".
ولهذا نجد أمير المؤمنين عليه السلام يمنع من استشارة فئات معيّنة من الناس، ويؤكد في عهده التاريخي لمالك الأشتر: "ولا تدخلنّ في مشورتك بخيلاً يعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر، ولا جباناً يضعفك عن الأمور، ولا حريصاً يزيّن لك الشره بالجور، فإن البخل والجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله.."/ (نهج البلاغة).
ويشير الإمام الصادق عليه السلام في كلام آخر له إلى أربعة شروط أخرى فيقول: "ولا تشر على مستبد برأيه، ولا على وغد، ولا على متلون، ولا على لجوج...".
ويقول علي عليه السلام: "ولا تستشر الكذاب فإنه كالسراب يقرب عليك البعيد، ويبعد عليك القريب".
ولهذا فإن المستشارين ينبغي أن يكونوا دائماً من الواعين الشجعان المؤمنين ومن أصحاب النظر البعيد.
الفرص تمر، والقاطعية في اتخاذ القرار إحدى أهم أسباب النصر.
ج- خطورة الاستبداد:
من أخطر المهالك التي تقف في طريق المدراء والقادة "الاستبداد بالرأي" والإحساس بعدم الحاجة للمشورة ولآراء الآخرين. كما جاء في الحديث:
"من أستبد برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها" (نهج البلاغة).
وعنه عليه السلام: "والاستشارة عين الهداية وقد خاطر من استغنى برأيه".
ينبغي الإلفات إلى نقطة مهمة وهي أنه بعد القيام باستشارة الأشخاص الواعين والاستفادة من أفكار العلماء وأصحاب التجارب، لا ينبغي التذرع والتعلل بأمور تعطّل هذه الشورى (كالنقص في الميزانية وفقدان القدرة على العمل...) فالفرص تمر، والقاطعية في اتخاذ القرار إحدى أهم أسباب النصر. وما أجمل ما يقوله القرآن بعد الأمر بالشورى: ﴿فإذا عزمت فتوكل على الله﴾.
* الخلاصة
● للمدير والقائد عدة وظائف أساسية، لكلِّ منها شروط ينبغي توفرها في المدير الناجح.
● أول الوظائف: اتخاذ القرار. ومن شروطها:
- سعة الإطلاع والاستفادة من التجارب السابقة.
- الاستفادة قدر الإمكان من المشورة بالالتفات إلى شرائطها.
- عدم الاستبداد بالرأي.
(يتبع)