النصّ الذي اخترناه من كلمة للإمام القائد دام ظله يتعرّض
لأصول فكر الإمام الخميني قدس سره التي تتكفّل معرفتها بإفشال محاولات تحريف هذا
الفكر الأصيل.
إنّ الطريق الذي بإمكانه أن يحول دون تحريف شخصيّة الإمام الخميني قدس سره، هو
إعادة قراءة أصول الإمام ومبادئ فكره. وقد طُرحت هذه المبادئ على مدى عشرة أعوام من
حاكميّة الإسلام، وقبلها طوال خمسة عشر عاماً من النهضة في مختلف الكلمات والخطابات
التي يمكن استقاء مبادئ الإمام من خلالها.
ولو وضعنا هذه الأسس والمبادئ جنباً إلى جنب لتكوّنت أمامنا شاكلة فكر الإمام
الخميني الجليل وشخصيّته. وهنا لا أدعو إلى الاهتمام بكلّ قضيّة فرعيّة، وإنّما
أقصد المسائل الأساسيّة التي لا يمكن إنكارها، والتي تعتبر من البيّنات التي جرت
على لسان الإمام مراراً وتكراراً في خطاباته وكلماته على مدى أعوام طويلة. ولا
يسعني اليوم استعراض كلّ الأصول والمبادئ التي يمكن استخراجها من كلمات الإمام،
وإنما أتعرّض لخمسة أو ستة موارد منها، وممّا يعتبر من مسلّمات منطق الإمام ومدرسته
ونهجه وخطه. وسنذكر في هذا المقال ثلاثةً منها:
* الأصل الأوّل: الإسلام المحمّديّ الأصيل
وهو الأصل الأوّل في مدرسة الإمام قدس سره، إثبات الإسلام المحمديّ الأصيل ورفض
الإسلام الأمريكيّ. فقد وضع الإمام الإسلام الأصيل في قبال الإسلام الأمريكيّ الذي
لا يخرج عن اتجاهين: الأوّل: الإسلام العلمانيّ، والآخر: الإسلام المتحجّر. وكلا
هذين التيّارين موجود في العالم الإسلاميّ، وكلاهما مدعوم من قبل قوى الهيمنة في
العالم ومن قبل أمريكا والكيان الإسرائيليّ.
والإسلام الأصيل يقف في وجه الإسلام المتحجّر. فالإسلام الأصيل، من منظار الإمام
الخمينيّ، هو إسلام قائم على أساس الكتاب والسنّة، ويمكن استنباطه والتوصّل إليه من
خلال رؤية واضحة، ومعرفة الزمان والمكان، والاستعانة بآليّة ومنهجيّة علميّة مقبولة
ومتكاملة في الحوزات العلميّة. وكذلك معرفة العدوّ، ومعرفة أساليب عدائه، عند ذاك
يمكن تحديد الإسلام الأصيل ومعرفته والتعريف به.
إنّ إسلام "وعّاظ السلاطين" -ولطالما عبّر الإمام قدس سره عنه بهذا التعبير-
الإسلام الداعشيّ من جانب، والإسلام الذي يَشْخَص ببصره نحو أمريكا والقوى العظمى،
ينتهيان إلى مصدر واحد، ومرفوضان في رؤية الإمام. والذي يتبّع الإمام قدس سره ويسير
على نهجه لا بدّ أن يرسم حدوداً تفصله عن الإسلام المتحجّر والإسلام العلمانيّ، ولا
بدّ أن يكتشف الإسلام الأصيل ويتحرّك وفقه.
* الأصل الثاني: الاتّكال على العون الإلهيّ
إنّ من ركائز فكر الإمام الخمينيّ العظيم، الإيمان بوعد الله والتصديق به، حيث قال
سبحانه:
﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُركم﴾ (محمد: 7). والنقطة التي تقابلها هي عدم الثقة بالقوى
المستكبرة والمهيمنة في العالم، وعدم الاعتماد على إغراءات الأعداء والمستكبرين
والقوى العالميّة مطلقاً. وهذا ما هو مشهود في عمل الإمام وسلوكه وخطاباته بالكامل.
لقد أدّى هذا الاتّكال على قدرة الله والثقة به إلى أن يكون الإمام الخمينيّ العظيم
صريحاً واضحاً في اتّخاذ المواقف الثوريّة، حيث كان الإمام يتحدّث بصراحة، ويبيّن
ما كان يعتقد به دون غموض، وذلك لاتّكاله على الله، وإيمانه بقدرة الله وقَدَره
ونصْره.
لقد كان الإمام الخمينيّ قدس سره يتعامل مع الأحداث دون مساومة ومجاملة، متوكّلاً
على الله، مستمدّاً منه القوة والصلابة. وقد أجرى الإمام توكّله هذا كالدم في
شرايين الشعب، فأضحى الشعب كلّه من المتّكلين على الله والمؤمنين بنصره والسائرين
على هذا النهج.
فإنّ عدم ثقة الإمام بالمستكبرين وعدم تصديقهم أدّى إلى أن لا يكترث بوعودهم أيضاً.
فقد بعث الرئيس الأمريكي ريغان، وكان رئيساً مقتدراً، كتاباً إلى الإمام وأرسل إليه
رسالة وأوفد إليه مبعوثاً، فلم يعبأ به الإمام ولم يجب على رسالته ولم يكترث به
واعتبر كلامه كأنّه لم يكن.
* الأصل الثالث: الإيمان بإرادة الناس وقوّتهم ورفض
المركزيّة الحكوميّة
وهذا يمثّل أحد الخطوط الرئيسة لحركة الإمام. فقد كانت ثمّة محاولات، في تلك
الأيام، نابعة عن رؤية خاطئة لإيكال جميع الأنشطة الاقتصاديّة في البلد إلى
الحكومة. ولطالما كان الإمام يحذّر من ذلك -وقد انعكست هذه التحذيرات في كلماته
بشكل جليّ- فكان يوصي بإيكال الأمور إلى الناس، إذ كان يثق بالشعب في القضايا
الاقتصاديّة ويثق به في المسائل العسكريّة أيضاً.
كان الإمام الخمينيّ الكبير يصرّ على إجراء الانتخابات في وقتها المقرّر، وفي كلّ
المراحل والأوضاع والظروف. كان يهتمّ بالانتخابات، وكان من أوائل الحاضرين عند
صناديق الاقتراع. كان الإمام يؤمن بالناس، ويحترم أصواتهم وأفكارهم وآراءهم رغم
أنّها قد لا تتطابق مع رأيه أحياناً. ولم يكتفِ بذلك في شأن الناس أيضاً، بل عرّفهم
بأنّهم أولياء نعمة المسؤولين، وأحياناً كان يصف نفسه بأنّه خادم للشعب قائلاً:
"أن تسمّوني خادم الشعب أحبّ إليّ من أن تسمّوني قائده". وهذه كلمةٌ كبيرة، وهي
تدلّ على المكانة المرموقة للشعب وأفكاره وأصواته ومشاركته في رؤية الإمام. كان
الإمام يثق بالناس ويحبّهم، والناس تثق به وتحبّه أيضاً. هذه العلاقة المتبادلة هي
أمر طبيعيّ.
(*) من كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في الذكرى السادسة والعشرين لرحيل الإمام
الخميني قدس سره والتي ألقاها بتاريخ 04/06/2015 في مرقد الإمام الخميني قدس سره.