نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

خط الإمام‏: الاجتهاد في فكر الإمام‏


إن الإمام الخميني سيبقى بين أمته ومجتمعه حاضراً بكل قوته وإن عصر الإمام الخميني مستمر وسيبقى.
نهجه نهجنا وهدفه هدفنا وإرشاداته المشعل الوضاء الذي يضي‏ء لنا السبيل.

القائد الخامنئي دام ظله
 

الاجتهاد سعي وتحقيق علمي لاستنباط الأحكام الدينيّة. والاجتهاد أسلوب مشروع ومقبول عند العلماء والفقهاء على مدى تاريخ الفقه الشيعي. وقد تصدّى العلماء والفقهاء لاستنباط الأحكام الشرعيّة مستفيدين من العلوم اللازمة في عملية الاجتهاد.

وقد حدث أن قام الأئمة عليهم السلام أحياناً بتنصيب البعض من أصحابهم وتلامذتهم المتميّزين - ممن تمكنوا من اكتساب العلوم اللازمة لتحقيق حالة الاجتهاد - في منصب الإفتاء، فكانوا يقومون بتشخيص الحكم الشرعي للأمور التي كانت مورداً لابتلاء المسلمين، مستندين في ذلك على البحث في الأصول الكلية التي تلقّوها عن المعصومين ودراسة الموضوع المطروح.

وبشروع عصر الغيبة الكبرى، ونتيجة لعدم إمكانية الاتصال بالمعصوم عليه السلام، وتوجه المسؤولية إلى علماء الدين لتشخيص الجواب على المسائل الدينية، صار لزاماً على العلماء أن يتصدّوا للاستنباط وللاجتهاد باكتساب الاستعدادات والعلوم والعناصر اللازمة له، وتعيين تكليف الأمّة بعد مراجعة المصادر الأساسيّة للشريعة، واستخراج الأحكام الإلهيّة في الموضوعات محل الابتلاء وفي الحوادث الواقعة. وقد كانت المصادر الأساسيّة للاجتهاد والاستنباط في بداية عصر الغيبة مقتصرة على الكتاب والسنّة فالعالم كان يستعين بتركيب العناصر اللازمة من هذين المصدرين للإفتاء في المسائل المستحدثة، ثم وبمرور الزمان وزيادة الفاصلة الزمانية من بداية عصر الغيبة، ظهرت ضرورة الاهتمام بعناصر أخرى في مسألة الاستنباط، وكانت هذه العناصر هي العقل والإجماع إذ اشتهرت على أنّها من مصادر الاستنباط الأساسيّة على مرّ الزمان.

وفي غضون ذلك، ظهر الاهتمام الشديد بقضيّة الزمان والمكان من قبل الكثير من الفقهاء، خصوصاً أولئك الذين أصبحوا مراجع للشيعة واعتُبروا نواباً عن الإمام المعصوم عليه السلام. ويمكن عدّ ابن أبي عقيل العماني، ابن الجنيد، السيد المرتضى، الشيخ الطوسي، المحقق، العلاّمة، الشيخ الأنصاري ممن يمثلون هذا الاتجاه، واستمر الأمر على ذلك حتى ظهرت المدنّية الحديثة فأدّت مواجهة الفقهاء لمشكلات نظرية وفقدان الأحكام التبيينية في القرون الأخيرة إلى قيام أحد السادة الأجلاء (الإمام الخميني) من ذرية الأئمة المعصومين عليهم السلام إلى الالتفات إلى مسألة (الزمان والمكان) كعنصر أساسي مهم يساعد في حلّ الكثير من المعضلات بإضافته إلى العناصر المشهورة في عملية الاستنباط، مما حدا به إلى حث الفقهاء الآخرين للالتفات إلى هذا العنصر الحيوي.

وقد أدى طرح هذا العنصر على أنه مسألة أساسية ومبدأ نظري هام لتكميل العناصر اللازمة لعملية الاجتهاد، إلى حدوث تحوّل في عمليات الاستنباط في أبعاد مختلفة وتسبب في جعل الاجتهاد معتمداً على تحقيق شروط ومقدمات جديدة علاوة على العلوم التي كان لازمةً له في الماضي.

ومن المناسب هنا أن نُلقي نظرة على بعض كلمات الإمام الخميني قدس سره للوقوف على ما يطرحه سماحته من تعريف لشروط الاجتهاد ومستلزماته.

يقول سماحته: على العلماء والحوزات العلمية أن تقيس دوماً نبض تفكير المجتمع وحاجاته، وعليهم أن يكونوا متقدمين على الحوادث على الدوام ومستعدين للقيام بردِّ الفعل المناسب عند وقوع الأحداث،  فلعلَّ الأساليب الرائجة في توجيه الناس وإدارة شؤونهم تتغير في السنوات المقبلة وتصبح المجتمعات البشرية محتاجة إلى الإسلام في حلّ مشكلاتها المستحدثة، لذا فإن على العلماء المسلمين الإعلام أن يهتمّوا ويجدّوا استعداداً لمواجهة أمثال هذه الأمور".

* ألف، الاجتهاد المتعارف والمشهور
رغم تأكيد الإمام قدس سره على أن أساس الاجتهاد يجب أن يتجلى في أفضل صوره في الحوزات بواسطة العلماء والفقهاء، إلا أنّه يشير إلى أن الاجتهاد المتعارف في الحوزات العلمية ليس كافياً، وأنّه سيعجز عن استيعاب الحاجات المختلفة والمعقّدة للمجتمعات البشرية في هذا الزمان أو الأزمنة اللاحقة. وأن هذا الأمر سيصبح أكثر وضوحاً عند التعرّف الصحيح على الحكومة والمجتمع والظروف الخاصة التي تحيط كل زمان.

يقول الإمام قدس سره:

"المهم هو المعرفة الصحيحة لمسألة الحكومة ومسائل المجتمع، إذ على أساس ذلك يمكن للنظام الإسلامي أن يقوم بالتخطيط لما ينفع المسلمين، وفي ذلك تتأكد مسألة وحدة الرؤية والعمل، لذا فإن الاجتهاد المتعارف في الحوزات لن يكون كافياً لتحقيق ذلك".

ولكن لنرَ الآن ما هو المقصود من عبارة "الاجتهاد المتعارف"؟ ولماذا يرى الإمام قدس سره بأن هذا الاجتهاد المعمول به في الحوزات ليس كافياً؟ في حين أنَّ الفقهاء الأعاظم واساطين الفقه والاجتهاد كشيخ الفقهاء مرتضى الأنصاري والآخوند محمد كاظم الخراساني والشيخ محمد الأصفهاني (الكمباني) وغيرهم أوضحوا من خلال آثارهم المكتوبة بأن طالب العلوم الدينية إذا أتمَّ الدورات اللازمة في الحوزات واكتسب الاستعدادات اللازمة لاستنباط الحكم، مضافاً إلى الرصيد العلمي والعملي ولياقاته الذاتية، فإنه سيمتلك القدرة على استنباط الحكم وستظهر لديه ملكة الاجتهاد.

والرصيد العلمي الذي يشيرون إليه يشمل التعرف على علوم العربية وإلى الحدّ الذي يلزم في الاجتهاد، التعرف على تفسير القرآن، التعرف والتسلط على علم الأصول وقواعد استنباط الحكم، التعرف على المنطق وقواعد الاستدلال، التعرف على علم الرجال والدراية، اكتساب ما يكفي من المعرفة بأحاديث وكلمات المعصومين عليهم السلام.

من جانب آخر فهم يشيرون إلى ما يتعلق بالمجتهد من الاستعدادات الفردية فيعدون من ذلك العدالة، الزهد، الورع، الحياء، الإعراض عن الدنيا.

* باء، الاجتهاد المطلوب والكافي:
بمطالعة النظريات الأصولية لسماحة الإمام قدس سره والتي أوضحها في كتابه القيّم "الرسائل"، يتضح لنا بأنَّ الإطار العام للاجتهاد والفقاهة والشروط الخاصة بهما إنّما يعتمد على نظرته الواسعة الشاملة لمسألة الزعامة وولاية الفقيه.

فمهمة الفقيه الواجد للشرائط ليست الإفتاء وبيان الأحكام فقط، بل على الفقيه الواجد للشرائط أن يؤسس حكومة تهتم بجميع الشؤون الفردية والاجتماعية للمجتمعات البشرية وأن يكون لائقاً لحلّ المعضلات والمشاكل التي تواجه البشر. فالفقه والفقاهة يجب أنْ تُفهم بهذه الطريقة، فإذا أعطي للفقه جانبه العملي وتحول الاجتهاد إلى أمر لصيق بالواقع وشمل جميع مناحي الحياة الفردية والاجتماعية، حينها تتحقق النظرية الواقعية والكاملة لإدارة حياة الإنسان. وجميع مخاوف الاستكبار وأعداء الدين إنّما تنبع من المسألة ومن تحقق هذا الأمر.

إنَّ الحكومة بنظر المجتهد الواقعي، فلسفة تطبيق للفقه في جميع نواحي الحياة البشرية، والحكومة تُظهر الجانب العملي للفقه عند مواجهته لجميع المعضلات الاجتماعيّة والسياسيّة والعسكريّة والثقافيّة. في حين أنَّ الفقه نظرية واقعية وكاملة لإدارة شؤون الفرد والمجتمع من المهد إلى اللحد.

إنّ هدفنا الأساسي هو أعمال الأصول الفقهية المحكمة في حياة الفرد والمجتمع وتطبيقها عليهما وتقديم الجواب لجميع المعضلات التي تواجههما، ومخاوف الاستكبار إنّما تنشأ من هذه المسألة بالذات وهي أن يكون للفقه والاجتهاد جنبة عملية وتحقق عيني".

إذا تمَّ تفسير الفقه والفقاهة بالشكل أعلاه وانتقل من حالة كونه نظرية إلى حالة التحقق العيني والمرحلة العمليّة، فإنَّ الاجتهاد سيفسر هو الآخر بطريقة أخرى، فهو سينتقل من مرحلة النظرية ومن مستوى البحث إلى اجتهاد عينيّ وعملي، وبذا يكون شأن المجتهد والفقيه أعلى من شأنه المتعارف إذ أنه سينتقل من مرحلة البحث والدرس والتحقيق إلى مرحلة الزعامة والقيادة. فهو سيتمكن - بالاستفادة من المقدمات والرصيد العلمي المكتسب من جهة، وبالإحاطة بمسائل زمانه، والمعرفة الدقيقة بالظروف الثقافيّة والاقتصاديّة والسياسيّة والعسكريّة والاجتماعيَّة من جهة أخرى - من تحقيق الاجتهاد اللازم وبذا فإنّ الاجتهاد والفقاهة - على هذه الصورة - سيتحققان عيناً وعملاً.

"على المجتهد أن يحيط بأمور زمانه، فليس مقبولاً لدى الناس والشبّان وحتى العوام أن يقول المرجع والمجتهد الذي يقلدونه بأني لا استطيع إبداء الرأي في المسائل السياسيّة...
إنَّ الاطلاع على أسلوب مواجهة المؤامرات والمكائد التي يضجُّ بها العالم،  والتحلي بالبصيرة، واكتساب المعرفة الاقتصادية، والاطلاع على كيفية التعامل مع الاقتصاد العالمي، ومعرفة السياسات، أو السياسيين والمعادلات المحسوبة من قبلهم، وإدراك موقع ونقاط قوة وضعف القطبين الرأسمالي والشيوعي - الأمور التي تشير في الحقيقة إلى أن المجتهد مطالب بوضع الإطار العام لحكومة عالمية - كلها تعدُّ من خصائص المجتهد الجامع للشرائط"
.

هذا هو الاجتهاد المطلوب والكافي، الاجتهاد الذي يتحرك في مساحة تشمل جميع نواحي الحياة الفردية والاجتماعية، والاجتهاد الذي يقدم الحلول المناسبة لجميع المعضلات والمشكلات الدينية والدنيوية للمجتمعات البشرية. اجتهاد كهذا يمكن أن يكون مقترناً بالزعامة والحكومة ومشرفاً على جميع الشؤون في كل زمان ومكان.

فإذا فهمنا الإسلام والفقاهة بالشكل الذي ينطوي على إدارة المجتمعات البشرية والذي لا يُحدُّ بزمان خاص أو مكان خاص، وبالشكل الذي يعدهما مؤهّلين لإرشاد المجتمع البشري وتوجيهه في كلّ عصر أو عهد وعند مواجهة أيّ طارئ‏ء، وإذا اعتبرنا أنّ الإسلام والفقاهة أمرين خالدين واعتبرنا أن التكاليف الدينية لا تستخرج من أدلة الشريعة إلا بالاجتهاد والاستنباط، فإن الاجتهاد سيأخذ معنى واسعاً وعميقاً، وسوف يُفسر بالعينيّة والواقعيّة، حتى يتمكن من الأخذ بزمام الأمور في عالمنا الحالي المضطرب، وإخراج المؤمنين من حيرتهم واضطرابهم.

لقد أصبح التقدم العلمي والتقني وتقارب المسافات وتعمّق الارتباطات والتبادل الثقافي وتقارب المجتمعات البشرية من بعضها البعض في عصرنا هذا، عوامل لها الأثر المباشر في ظهور مئات بل آلاف المسائل المستحدثة. لذا لزم تقديم أجوبة صريحة وواضحة للمشاكل والمسائل المطروحة في مختلف جوانب الحياة من قبل المجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية.

نعم ففي عصرنا هذا وخصوصاً بعد قيام الحكومة الإسلامية وتوقع قيادة الإسلام للعالم في المستقبل وتوجه جميع المجتمعات نحو الإسلام والأحكام والقوانين الإسلاميّة، ينبغي دفع الاجتهاد وتحريكه وتوسيع نطاقه والمساحة التي يتحرك فيها، لنتمكن من تقديم الأجوبة على الحاجات المختلفة والمعقّدة لجميع المجتمعات البشرية.

فالإمام قدس سره يرى بأن البحوث والموضوعات والمسائل الفقهية والاجتهادية لم تعد محدودة في عصرنا هذا بالحوزة والمدرسة، بل إنها تعدّت ذلك ونزلت إلى الشارع الاجتماعي وصارت جميع الفئات والشرائح الاجتماعية تبحث عن الأجوبة الصريحة والواضحة، يقول سماحته:

إلاّ أن المفرح اليوم هو أنَّ أحاديث وبيانات الفقهاء والعلماء بلغت الإذاعة والتلفزيون والصحف لما قيّضته الثورة الإسلاميّة من مجال لهم، والسبب الرئيسي في ذلك هو الحاجة العمليّة لهذه المباحث والمسائل كمسألة الملكية وحدودها، مسألة الأرض وتقسيمها إلى أنفال وأملاك عمومية، مسائل النقد والمضاربة والرهن والإيجار، الحدود والديّات، القوانين المدنية، المسائل الثقافيّة والتعامل مع الفن بجميع أشكاله كالتصوير والرسم والنحت والموسيقى والمسرح والسينما والخط وغيره، حماية البيئة والمنع أحياناً من قطع الأشجار حتى في المنازل والأملاك الخاصة، وفي مسائل الطعام والشراب، وتحديد النسل عند الضرورة أو تحديد الفواصل الزمنية بين المواليد، وفي حلِّ المعضلات الطبيّة كزراعة الأعضاء من إنسان إلى إنسان أو من غير الإنسان إلى الإنسان، وفي مسألة المعادن التي تغطي سطح الأرض وباطنها والثروات الوطنية، وتغيير موضوعات الحلال والحرام وتوسيع دائرة بعض الأحكام أو تضييقها في الأزمان والأماكن المختلفة، وفي المسائل الحقوقية والفردية والدولية ومطابقتها مع أحكام الإسلام، في مسألة دور المرأة الهام في المجتمع الإسلامي والتخريبي في المجتمعات الفاسدة وغير الإسلاميّة، وحدود الحرية الفردية والاجتماعية، وكيفية التعامل مع الكفر والشرك والأفكار ومع الدول المتمحورة حول الكفر أو الشرك، كيفية أداء التكاليف والفرائض أثناء التحليق بالطائرات ومركبات الفضاء وأثناء الحركة بعكس اتجاه دوران الأرض أو بنفس الاتجاه، أو اثناء الحركة بسرعة أقصى من سرعتها أو اثناء الصعود المعمودي على مركز الأرض والانفلات من جاذبيتها، وأهم من كل ذلك، ترسيم وتعيين حاكمية ولاية الفقيه في الحكومة والمجتمع، وكل هذا جانب صغير مما عرضه الفقهاء العظام للبحث وإبداء الآراء المختلفة حوله، وإذا كانت بعض المسائل مما لم يطرح سابقاً أو لم تكن لها موضوعات، فإنَّ على فقهائنا الحاليين أن يهتمّوا بها".

لقد أكدّ الإمام في هذا المقطع على حقيقة أن الاجتهاد وحركة الفقاهة قد وقعت في مدار جديد، وأن الأمر يتطلب همّةً عالية لجعل الفقه والفقاهة يتحققان بصورة عينيّة وعمليّة. وفي هذه الحالة فقط يتحقق الاجتهاد الذي أوصى به الإمام وأمل في تحققه (وهو الإجتهاد المطلوب والكافي) ويتحول من النظرية والبحث الأكاديمي إلى التعينّ والواقع العملي.

يتبينّ من حديث الإمام قدس سره بأن هناك عدة شروط لتحقق الاجتهاد المطلوب والكافي، علاوة على الشروط والخصائص المتعارفة للاجتهاد نعرضها أدناه بشكل ملّخص:

أولاً: الشروط العلمية المتعارف في الاجتهاد الشائع: ذكر الإمام قدس سره في كتاب "الرسائل" ثمانية شروط حول هذا الموضوع وهي:

1 - المعرفة بعلوم وفنون العربية وبالمقدار الكافي لفهم الكتاب والسنّة.

2 - الاطلاع والأنس الكافي بالمحاورات العرفية وفهم الموضوعات، لفهم عبارات الكتاب والسنّة.

3 - الاطلاع على المنطق وإلى الحد اللازم للاستدلال والاستنباط.

4 - التسلط على أُصول الفقه والقواعد الفقهيّة إلى الحد الذي يمكّن من استخدام هذه الأصول والقواعد والأفكار الهامّة الأخرى في استنباط الحكم الشرعي.

5 - الاطلاع على علم الرجال.

 6- المعرفة الكافية بالقرآن والأُنس بالأخبار والروايات المأثورة عن المعصومين عليهم السلام.

 7- القوة والقدرة العملية لإرجاع جميع الفروع إلى الأصول وتكرار هذا الأمر.

8 - الفحص والتحقيق الكامل في ما ورد عن علماء وفقهاء السلف.

ثانياً: الشروط العملية: علاوة على ما يشترط توافره لدى المجتهد من الشروط والاستعدادات الضرورية للاجتهاد والإفتاء من الناحية العلمية، فإنه مطالب بالتوافر على خصوصيات ومزايا أخلاقية وفردية حتى لا يتعرض أثناء الاجتهاد والاستنباط للزلل والخطأ. فالإخلاص والتقوى والزهد من الشروط التي تؤثر وبشكل مباشر في اجتهاد المجتهد، واستناداً لما ورد من الروايات عن المعصوم عليه السلام، فإن فقيهاً ومجتهداً كهذا له صلاحية الإفتاء والمرجعية.

ثالثاً: البصيرة الشاملة وبعد النظر: من الشروط المهمة والخاصة التي أكدَّ عليها سماحة الإمام قدس سره في مواقع مختلفة من أحاديثه مسألة الوعي السياسي والبصيرة وبُعد النظر التي يجب أنْ يتحلى بها المجتهد في أيّ زمان يتمكن من تحقيق الموفقية عند ارتقائه لمنصب الإفتاء والاجتهاد حينما لا يكون محروماً من بصيرة ووعي كهذين، على المجتهد أن يكون محيطاً بمسائل زمانه وأن يتوقع حدوث المؤامرات ويعدّ الأجوبة المطلوبة والمناسبة. وعليه أن يتحلى بقدر من الذكاء والفطنة والفراسة لقيادة المجتمع.

خلاصة القول ينبغي للمجتهد أن يكون مديراً ومدبراً، يقول الإمام قدس سره: يجب أن يتحلى المجتهد بقدرٍ من الذكاء والفطنة والفراسة تكفيه لهداية مجتمع إسلامي كبير، بل حتى غير إسلامي، وعلاوة على الإخلاص والتقوى والزهد التي تمثل أموراً لازمة لأي مجتهد، فإنّ على المجتهد أن يكون مديراً ومدبّراً بحق.

وأبعد من هذا، فاستناداً إلى ما يقوله الإمام قدس سره فإنّ اجتهاد المجتهد سيكون مبنياً في الأصل على بصيرة كهذه، ولو أن أحداً استطاع تحقيق جميع الشروط اللازمة للمجتهد من الناحية العلمية وبلغ من ناحية البحث والتحقيق مرتبة عالية، إلاّ أنّه كان مصاباً بضعف في التشخيص واتخاذ القرار وافتقاد البصيرة والنظرة الثاقبة وبُعد النظر، فإنّه لن يكون مجتهداً بالمعنى المراد وسيفقد حينها الصلاحية المطلوبة لقيادة المجتمع، يقول سماحته: "لو أنَّ أحداً الأعلم في العلوم المتعارفة في الحوزات إلاّ أنّه لا يستطيع تشخيص مصلحة المجتمع ويعجز عن التمييز بين الصلحاء النافعين من الطلحاء الضارين، وافتقد بشكل كامل النظرة الصحيحة في الأمور الاجتماعية، ولم تكن لديه القدرة على اتخاذ القرار، فإنّ شخص كهذا لا يمكن أن يعدّ مجتهداً في المسائل الاجتماعية والحكومية ولا يمكنه قيادة المجتمع".

رابعاً: عنصر الزمان والمكان: للزمان والمكان دور أساسي في مسألة الاجتهاد واستنباط الحكم. وقد أكد الإمام قدس سره على هذه المسألة وأشبعها بحثاً. وتأثير هذين العنصرين في مسألة الإفتاء ليس مما يمكن لفقهاء الشيعة أن يغفلوا عنه أو يستدبروه. بل أن تأكيد الإمام قدس سره على هذين العنصرين إنّما ينبع من أهميتهما في عصرنا الحاضر بالذات بمناسبة قيام الحكومة وظهور ظروف وشرائط خاصة لتطبيق أحكام الشريعة جعلت لهذين العنصرين أثراً متميزاً، لذا لَفَتَ الإمام قدس سره نظر المتخصصين والفقهاء المعاصرين إلى هذه المسألة.

فإن الاجتهاد المتمثل في بذل الوسع والجهد لاستنباط أحكام الشريعة المستندة إلى الدليل، لو أنه غفل أخذ الظروف الزمانية والمكانية بنظر الاعتبار، فإنه لن يستطيع أن يُعطي للموضوعات والمسائل المستحدثة توضيحاً وتفسيراً عملياً في إطار الأحكام والقواعد الكلّية.

فالزمان والمكان لهما دور فصل في الاجتهاد والمسألة التي تُحكم في زمان معين بحكم ما، تحتاج إلى حكم آخر بتغيّر الظروف الزمانية والمكانية لتغيّر موضوعها، وفي هذه الحالة يتخذ الاجتهاد دوراً خاصاً به وسوف يتمكن من تقديم الأحكام المناسبة للمعضلات المطروحة وبناءً على نفس الأدلة. يقول الإمام قدس سره: "إحدى المسائل البالغة الأهميّة في الاجتهاد وفي القرارات المتخذة في عالمنا المضطرب هي مسألة الزمان والمكان.

الزمان والمكان عنصران حيويان في مسألة الاجتهاد، فالمسألة التي حُكم فيها بحكم معين في الماضي، يمكنها في الظاهر أن تُحكم بحكم جديد نتيجة الهيكلية الخاصة بسياسة واجتماع واقتصاد نظام ما، بمعنى أنه بالتدقيق بنوع العلاقات الاقتصادية والاجتماعيّة والسياسيّة للموضوع الأول - الذي يبدو ظاهراً أنه لم يختلف عن الموضوع القديم - سيظهر أن الموضوع موضوع جديد يضطرنا إلى تقديم حكم جديد له".

إذاً بتغيّر الظروف الزمانيّة والمكانيّة المعيّنة، يختلف نوع الاستنتاج من المسائل وبذا تتغير الموضوعات وتتبدل أيضاً. فالموضوع المحكوم بحكم خاص في زمان معين، يتغير حتماً نتيجة تغيير الظروف المحيطة، به، ويتطلب تقديم حكم جديد له.

فقد يظهر أحياناً وضع استثنائي نتيجة ظهور ظروف جديدة في المحيط والمجتمع الذي يعيش فيه المجتهد والمفتي، مما قد يجعله يفهم الموضوعات والمشكلات - التي كان له فيها نظرة أو استنتاج خاص سابقاً أو كان لغيره في زمن آخر فهم آخر لها - بطريقة أخرى تختلف تماماً عن سابقتها. هذا الاختلاف في الفهم، يستتبع أحكاماً مختلفة ومتنوعة.
يقول سماحته: إن المسائل التي ظهرت اليوم، تختلف عنها في الماضي، والاستنباط لأحكام الإسلام مختلف أيضاً".

إذن لا يمكن النظر للاجتهاد على أنه أمر مطلق، وأساساً فإن هذا المعنى - أيّ عدم إمكانية النظر إلى الاجتهاد على أنه أمر مطلق - يكمن في ذات كلمة الاجتهاد وفي التفسير المقبول والمطروح عن استنباط الحكم، والسيرة العملية للفقهاء في ذلك.

فالمجتهد يقوم - ومع أخذه بنظر الاعتبار الزمان والمكان والظروف المعاصرة له - باستنباط حكم الله من خلال مراجعته للمصادر الفقهية والاستدلاليّة، وهذه الأحكام تشمل - وبناءً على ما أوضحته كتب الأصول - أحكاماً أولية وثانوية ظاهرية وواقعية وغير ذلك مما يضيق المجال عن تفصيله هنا، نسأل المولى أن يقدم لنا فرصة أخرى لدراسة هذا الأمر أصولياً وفقهياً.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع