داليا فنيش (*)
تتضارب آراء الأهل في التربية، لناحية الثواب والعقاب،
فمنهم من يعتقد بترجيح العقاب على الثواب، بينما الآخر يرجّح العكس، وثمة فئة لا
ترجّح ثواباً ولا عقاباً، فكيف يمكننا معرفة السلوك السليم والجيّد، لاتّباعه مع
أبنائنا؟
يُعتبر الثواب والعقاب وسيلة ضبط وتقويم لسلوك الأطفال: أخلاقيّاً، وأسريّاً،
واجتماعيّاً، ونفسيّاً وذلك لترسيخه عند الطفل، بشكل متوازن.
* ثواب وعقاب لطفل أصغر من عامين
يمكن تطبيق أسلوب الثواب والعقاب بعمر ستة أشهر، عندما يدرك الطفل ما حوله ويعرفك،
ويستطيع تمييز صوتك والأشياء، ولكنّ إدراكه لا يزال غير مكتمل. وهو فقط يدرك أنّك
غضبت أو فرحت.
أولاً: أسلوب الثواب:
* أنواع الثواب
- التشجيع: واجب الأبوين ملاحظة سلوك الطفل، وتعديل الخاطئ منه، وتشجيعه على
ما يكون صواباً.
- الاستماع: يعتبر أعلى درجات التقدير، له شروط وآداب أهمها: النظر إلى وجه
الطفل وهو يتكلّم، عدم مقاطعته أثناء الحديث، فكلماته مهما بدت تافهة فهي بنظره
بالغة الأهميّة، ومشاركته في وضع الحلول. ومن الأفضل، أيضاً، إثارة بعض الاستيضاحات
والتساؤلات معه ليشعر باهتمامك.
- القُبلة: لا شكّ في أنّها رسالة محبّبة وبارزة عند الأطفال للتقدير
والحبّ، والأهمّ لهم من باقي المكافآت.
- إدخال السرور على الطفل بمداعبته وممازحته:
وذلك يؤثّر تأثيراً قويّاً بهم؛ فالأطفال يحبّون الفرح؛ وهو يجعلهم على أُهبة
الاستعداد لتلقّي أمرٍ أو ملاحظةٍ أو إرشاد.
- التكليف: عندما يقوم الوالدان بتكليف الأطفال ببعض الأمور، تراهم يتسابقون
للقيام بها؛ لأنّ ذلك يشعرهم بثقة الأبوين بقدراتهم.
- المكافأة المادية (الهدية): الهديّة تدخل السرور على
النفوس، وهي من الوسائل التربوية المفيدة، تبعث الحماس، وتفجر ينابيع الطموح،
والتنافس، والعزيمة، والاجتهاد.
* ما هو الثواب المناسب لكل مرحلة عمريّة؟
1. من الرضاعة إلى 18 شهراً (مرحلة الثقة): الابتسامة، الاحتضان، التقبيل،
وكلّ ما يمكن أن يزيد طمأنينة الطفل.
02 18 شهراً إلى 3 سنوات (الاستكشاف): التصفيق، سماع أناشيد خاصّة بالأطفال،
الذهاب إلى الحدائق العامّة، وحدائق الحيوانات، شراء ألعاب التركيب، والكتب
المصورة.
3. من 3 سنوات إلى 6 سنوات (اللعب والمبادرة):
أ. السماح له بالمشاركة في عمليّة التسوّق، واختيار أو حمل بعض السلع الخفيفة
والآمنة.
ب. إظهار الإعجاب له، ومناداته بأحبّ الأسماء إليه.
ج. قبول بعض مقترحاته، إذا كانت مناسبة.
د. مشاركته في أنشطة رياضيّة.
4. من 6 سنوات إلى 12 سنة (المثابرة):
أ. نشتري بعض القصص، والكتب، والبرامج الإلكترونيّة المحبّبة للطفل.
ب. القيام بزيارات خاصّة للأماكن الترفيهية، والثقافية، وبيوت الأقارب والأصدقاء.
ج. نتحدّث باعتزاز عن إنجازات الأطفال أمام الأهل والرفاق، ونمدحهم ببعض الكلمات
نقول لهم مثلاً: ممتاز، أحسنت.
د. نسمح للطفل بالقيام بنشاط مع رفاقه.
5 . من 12 سنة وما فوق (الاستقلالية):
أ. فتح قنوات الحوار، ومساعدته لتكوين هويّته، والاهتمام بميوله.
ب. السماح له بالمشاركة في الأندية الرياضيّة، والمخيّمات الكشفيّة.
ج. إشعاره بأنّه أهلٌ لتحمّل المسؤوليّة.
ثانياً: أسلوب العقاب
التربية لا تعني الشدّة والضرب والتحقير، كما يظنّ الكثير، وإنّما هي مساعدة الطفل
للوصول إلى حياة خالية من المشاكل، وهذا لا يتحقّق إلّا بقدر من الحبّ، والحزم،
والاعتدال عند اللجوء للعقاب لتحقيق النظام. إذا كان استخدام العقاب:
1. بطريقة تربويّة سليمة، يوصل الطفل لتقدير القيم والالتزام بها.
2. يُظهر الأثر الإيجابيّ، فيعلّم الطفل تحمّل المسؤولية، والتفكّر في تبعات
تصرّفاته.
3. يعالج مظاهر التهاون، والدلال الزائد، والأنانيّة في حياته.
4. يفتح صفحات جديدة لتحسين السلوك، فهو دعوة إلى العودة عن أخطائه.
5. يجعل الطفل مدركاً لحرص الأهل على مصلحته.
* خطوات العقاب
1. تجاهل خطأ الطفل في البداية، مع حسن التلميح دون المواجهة والتصريح، لإعطاء فرصة
لمراجعة سلوكه وتصحيح خطئه.
2. معاتبة الطفل سرّاً، ولا نكثر من ذلك حتّى لا تسقط هيبة الأهل في نفس الطفل،
وتوجيهات علماء التربية تقول "لا
تُكثروا القول عليهم بالعتاب في كلّ حين، فإنّه يهوّن عليهم سماع الملامة، وركوب
القبائح".
3. عتاب الطفل ولومه جهراً، إذا استمرّ على خطئه. ولكن، لا ينبغي لومه على شكل شتم
وسبّ وتحقير، فالهدف هو استغلال خوف الطفل على مكانته بين أقرانه، والرجوع عن
الخطأ، بتعديل سلوكه، ليكون عبرة للآخرين.
* وسائل العقاب
العقاب ليس إحداث الألم، فالتوبيخ البسيط، ولهجة الصوت القاسية، يحدثان عند الطفل
حُسن التربية، بنفس التأثير الذي يحدثه العقاب الجسدي الشديد. وهناك طرق فعّالة
للعقاب، هي:
1. حرمان الطفل من التشجيع في المراحل الأولى.
2. توبيخ الطفل دون استهزاء أو تحقير ودون انفعال، الاقتراب منه والنظر إلى عينيه
نظرة حادة، ثم التعبير عن المشاعر تجاهه، وتسمية السلوك الذي ارتكبه.
3. التعريض ونقد السلوك الخاطئ الذي قام به.
4. التوجيه المباشر، كمجالسة الطفل والتحاور معه.
5. المقاطعة من خلال تعمّد مقاطعة الأسرة له، بعض الوقت.
6. العقاب المنطقيّ، معاقبة سلوك الطفل بسلوك آخر منطقيّ على أن لا يعرّضه لمخاطر،
فمثلاً إذا منع الأهل الطفل من ركوب الدراجة في الشارع خوفاً عليه ولم يهتمّ
لكلامهم وركبها، تتمّ معاقبته بحرمانه من ركوب الدراجة لفترة معينة. أما العقاب غير
المنطقيّ فحرمانه من مشاهدة التلفاز ليومين، مثلاً، لأنّه كذب على والديه.
7. تجاهل تصرّفه حين يفعل شيئاً لا نريده، فذلك يؤدّي تدريجياً إلى اختفاء السلوك،
خاصة إن كان محاولة للضغط على مشاعر الأهل ليلبّوا مطالبه.
* ضوابط العقاب
1. التعرّف إلى السلوك المقبول وغير المقبول مع الإنذار المبسق.
2. التغاضي عن الأخطاء غير المقصودة.
3. أن يكون العقاب موازياً للذنب.
4. عدم إصدار العقاب في ساعة تسرّع وثورة غضب.
5. عدم معاقبة الطفل بالحرمان من احتياجاته الضرورية، كوجبات الطعام وغيرها.
في النهاية، يجب أن لا يخضع الثواب إلى الإفراط في المحبّة والدلال، ولا العقاب
إلى تنفيس الغضب من الابن، فهما أسلوبان للتربية والترشيد والتأديب فقط.
(*) أخصائية تربوية.