سماحة السيد حسن نصر الله (حفظه الله)
يقول الله عزّ وجلّ في كتابه المجيد: بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ
فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي
التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ
فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ﴾ (التوبة: 111) صدق الله العلي العظيم.
أبارك لكم شهادة هذا القائد المجاهد، والعزيز والحبيب. وأعزّي برحيله وهو الذي
كان في قمّة العطاء.
في هذه الكلمة، أودّ أن أذكر محطات تنقّل فيها شهيدنا القائد
الحاج علاء:
1 - محطة المقاومة في الجنوب.
2 - محطة البوسنة.
3 - محطة العراق.
4 - محطة سوريا، حيث انتهى به الأمر إلى الشهادة.
* محطة الجنوب
"علاء"، عندما كان في ريعان الشباب، ومقتبل العمر، التحق بصفوف المقاومة الإسلامية
في لبنان، مقاتلاً في الميدان، وأمضى عمره في الميدان، بل في الميادين، وانتهى
قائداً وشهيداً في الميدان.
كلّ ما يخطر في البال من عمليات للمقاومة، ومن أنواع وأشكال عمليات للمقاومة كان قد
شارك فيها "علاء"، وفي أكثر من محور من محاور الجنوب، حتّى قبل تحرير عام 2000م.
وسرعان ما أصبح علاء، في المقاومة، واحداً من نُخبة رجالها ومقاتليها، ثمّ من
قادتها المميّزين والمضحّين والحاضرين والفعّالين. هذا القائد، بجهاده وتضحياته
وكلّ الشهداء وكلّ المقاومين في حركات المقاومة في لبنان، استطاعوا أن يصنعوا
التحرير عام 2000م. علاء، أيضاً، كان من قادة المقاومة وأبطالها في حرب تموز 2006م.
في جانب آخر أيضاً كان من قادة بناء القوّة، قوّة الردع إلى جانب الشهيد القائد
عماد مغنية (رضوان الله تعالى عليه) حيث أُوكل إلى الحاج علاء مهمّة بناء القوّة
الخاصّة في المقاومة الإسلامية، التي بحمد الله عزّ وجلّ كبرت، ونمت وتطوّرت.
هذه محطة المقاومة التي كانت دائماً بالشهداء، وبالتضحيات، وبالصبر، وبالاحتضان
الشعبيّ تصنع الانتصارات، من العام 2000م إلى العام 2006م.
في هذه المحطة أودّ أن أشير إلى أنّ الحاج علاء كان يعبّر عن جيل من الشباب
اللبنانيّ الذي آمن بخيار المقاومة، وكان الشهيد الحاج علاء من جيل الشباب
اللبنانيّ الذي آمن بأنّ قوتنا الذاتية، قدراتنا، إمكاناتنا، وحضورنا هو الذي يحمي
هذا الوطن وهذه الأرض وهذا الشعب وهذه السيادة.
لذلك هذه المقاومة بفعل حضورها، وجهادها، وتضحياتها، وانتصاراتها وإنجازاتها اكتسبت
هذه الثقة، وهذا الاحترام، وهذه الكرامة وهذه القداسة عند الشعوب العربية
والإسلامية.
* المحطة الثانية: محطة البوسنة
ما كنت لأتحدّث عن محطة البوسنة لولا أنّ الشهيد كان معروفاً بـ"علاء البوسنة"،
أولاً: للاعتراف بحقّه ولتقدير جهاده، وثانياً: لأنّ كثيراً من الناس قد تساءلوا عن
ارتباط اسمه بالبوسنة.
في بداية التسعينات، من القرن الماضي، تفكّكت يوغوسلافيا، وحصل فيها قتال وحرب شرسة
جداً.
المسلمون في البوسنة والهرسك كانوا مستضعفين، وارتُكبت بحقّهم من قِبَل القوات
"الصربية البوسنية"، مجازر هائلة، وحتّى الآن ما زالوا يبحثون في المقابر الجماعية
عن مفقودين. دُمّرت مدن وقرى، واغتُصبت نساء وأعراض وكانت فاجعة اهتزّ لها العالم
كلّه.
يومها، وعلى الرغم من أنّنا كنّا حركة فتيّة، بمعنى أنّ كادرنا، وقيادتنا
وإمكانياتنا كانت محدودة، ولكنّ الحاج علاء وإخوانه (وهم في السنّ نفسها تقريباً)
غادروا بلدهم إلى البوسنة، ذلك البلد الذي لا نعرف عنه شيئاً، وفي فصل الشتاء
المثلج، حتّى لم نكن نعرف لغته ولا أي شيء. لماذا؟ وما هو السبب؟
في الحقيقة، وبالعمق، هو سبب إنسانيّ وأخلاقيّ، وهذا ما كنّا نستطيع، فأرسلنا قادة
وكوادر ومقاتلين إلى البوسنة، فقط.
كان هدفنا الذهاب لمساعدتهم في الدفاع عن أنفسهم من القتل والذبح. هذه قصة
البوسنة و"علاء البوسنة". وسقط لنا شهيد هناك، الشهيد "رمزي مهدي".
* المحطة الثالثة: محطة العراق
أمّا في العراق، ومنذ أكثر من عام، عندما اجتاحت داعش مناطق ومحافظات من العراق،
أصبحت على مقربة من العاصمة العراقية بغداد. يومها، أصبح كلّ العراق مهدّداً.
في ذاك اليوم، العراقيون، حكومة وأحزاباً وعلماء شيعة وسنّة، كلّهم دعوا إلى وقفة
عراقيّة في مواجهة هذا الخطر. وكان الصوت الأعلى صوت المرجعيّة الدينيّة في النجف
الأشرف والدعوة إلى الجهاد الدفاعيّ. يومها، قيل لنا، من قِبَل إخواننا العراقيين،
نحن نحتاج إلى مساعدتكم، فالشعب العراقيّ مهدّد والعراق، ومصير العراقيين ومصير
المنطقة مهدّد، وداعش تهدّد، أيضاً، العتبات المقدّسة في العراق.
عندها أرسلنا الحاج علاء ومجموعة كبيرة جداً من قياديينا وكوادرنا، تمّ سَحبهم من
الجبهات، وأرسلناهم إلى العراق، بالسرّ، ودون إعلام ولا دعاية.
في العراق، ذهبنا لنقاتل كواجب إنسانيّ وأخلاقيّ ودينيّ وشرعيّ وجهاديّ وبكل
الموازين.
* المحطة الأخيرة: محطة سوريا
في سوريا، بناءً على تشخيصنا لما يجري فيها، أدركنا المسؤولية والواجب، وحسَبنا
الأمور جيداً من الناحية الفقهية والشرعية، ومن ناحية أولوية المقاومة في مواجهة
إسرائيل وما شاكل.
الشهيد القائد الحاجّ علاء، كان من أوائل الذين ذهبوا إلى سوريا، وحضر إلى اللحظة
الأخيرة. كان لديه بصيرة، ووضوح في الرؤية، وإيمان شديد، وكان يقود المعارك في
الميدان.
عندما أُصيب أول مرة بالجراح وعاد إلى لبنان، كان باستطاعته القول (كفاها المولى).
لكنه وبمجرد شفائه، عاد إلى سوريا. وبعد مدّة، أيضاً، أُصيب وكانت إصابته خطرة،
وبعد شفائه عاد إلى سوريا أيضاً.
الحاج علاء، لديه سبعة أولاد، ولديه عائلة. والشهيد، كالكثير من إخوانه الموجودين
في سوريا، كان عنده وعي كامل لحقيقة المعركة.
علاء يمثّل كلّ إخوانه الذين استُشهدوا في سوريا، وكلّ إخوانه الذين ما زالوا على
قيد الحياة ويقاتلون في سوريا من هذا الموقع، أي موقع الفهم، والرؤية والبصيرة.
في محضر الشهيد القائد، الحاج علي فياض (الحاج علاء البوسنة) وإخوانه، أؤكّد لكم
أنّنا سنبقى في الميادين التي يجب أن نكون فيها، مهما تعاظمت الاتّهامات
والافتراءات، ومهما تعاظمت التضحيات عندما نقدّم أغلى قادتنا وشبابنا شهداء. وسنبقى
كلمة الحقّ وصرخة الحقّ في وجه السلطان الجائر. سنواصل طريقنا الذي لن تكون عاقبته
إلّا النصر، والخير والبركة إن شاء الله.
(*) كلمة سماحة الأمين العام السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) بمناسبة مرور
أسبوع على استشهاد القائد علي فياض (علاء البوسنة)، بتاريخ 6/3/2016م.